إسلام اباد — اتّهم رئيس الوزراء شهباز شريف الهند بالوقوف وراء التفجير الانتحاري الذي استهدف مدخل مبنى محكمة الجنايات والدائرة الجزائية بالعاصمة، مساء يوم الثلاثاء. وأعلن وزير الداخلية محسن نقوي أن حصيلة الضحايا بلغت ما لا يقل عن 12 قتيلاً، فيما أكدت المستشفيات إصابة أكثر من 30 شخصاً، بينهم خمسة على الأقل في حالة حرجة.
وقعت الحادثة أثناء استضافة إسلام آباد لعدد من المؤتمرات الدولية، وبينما أقيمت فعاليات رياضية قريبة؛ إذ كان منتخب سريلانكا للكريكيت يخوض مباراة دولية من يوم واحد في روالبندي على بعد نحو 10 كيلومترات من المحكمة.
التفجير الانتحاري شكّل تصعيداً لافتاً في موجة العنف، بينما كانت القوات المسلحة منشغلة بعملية إنقاذ لمئات المتدربين المحتجزين في حادث منفصل بمدرسة الضباط (Cadet College) في جنوب وزيرستان بباكستان، قرب الحدود الأفغانية. والهجوم على الكلية في وانى وقع قبل يوم، عندما اقتحمت سيارة محمّلة بالمتفجرات بوابة الحرم؛ وصرّحت القوات الأمنية بأن نحو 300 طالب تم إنقاذهم حتى الآن، في حين لا تزال عمليات تحرير الباقين جارية.
في إقليم خيبر بختونخوا أيضاً، أدّى انفجار ثاني في ديرا اسماعيل خان إلى إصابة ما لا يقل عن 14 من عناصر الأمن.
رئيس الوزراء حمّل نيودلهي مسؤولية حوادث إسلام آباد ووانى دون تقديم أدلة علنية، واصفاً الاعتداءين بأنه أسمى صور “الإرهاب الدولة الهندية” في المنطقة ومطالباً المجتمع الدولي بإدانة ما وصفه بالمؤامرات الخبيثة.
في السياق ذاته، شهدت نيودلهي قبل يوم تفجيراً بسيارة أودى بحياة 13 شخصاً على الأقل؛ ووعد وزير داخلية الهند آمِت شاه على منصة إكس بمطاردة “كل المجرمين الذين يقفون وراء الحادث”.
أين وقع التفجير بالضبط؟
انفجر المهاجم الانتحاري بعد الساعة 12:30 ظهراً (07:30 ت غ) عند مدخل المجمع القضائي الإقليمي على طريق سريناغار، أحد الشرايين الرئيسية في العاصمة. افتُتح المجمع قبل ثلاث سنوات ويستقبل آلاف المتقاضين يومياً ويشهد حضوراً كثيفاً للمحامين. للمجمع أبواب عدة، من بينها مدخل جانبي مخصص للقضاة ومدخل رئيسي للمتقاضين. تقع مؤسسات الدولة الرئيسية — البرلمان والمحكمة العليا ومكاتب رئيس الدولة ورئيس الحكومة — على بُعد نحو 15 كيلومتراً.
من أعلن مسؤوليته؟
تبنّت جماعة “جماعة الأحرار” المنشقّة عن حركة طالبان باكستان (TTP) الهجوم، فيما نفت الحركة الأم أي صلة لها بالتفجير في إسلام آباد. سبق لباكستان أن تعرّضت لسلسلة هجمات نسبتها إلى تيار طالبان باكستان خلال السنوات الأخيرة أدت إلى مئات القتلى من عناصر الأمن والمدنيين، وتكرر خلالها اتهام كابول بمنح ملاذات للمتمردين؛ وهو ما تنفيه القيادة الأفغانية. وتتمركز جماعة TTP في قلب التوترات الأخيرة بين باكستان وأفغانستان مع تبادل حوادث عسكرية عبر الحدود.
الشهود ومشهد الفوضى
يستقبل المجمع القضائي المركزي آلاف المتقاضين والمحامين، وعند وقوع الانفجار شهد المكان فوضى وهلعاً. قال رجا عليم عباسي، عضو مجلس المحامين في إسلام آباد، إنه كان يستريح في الباحة الرئيسية عندما هزّ الانفجار المكان: “كان انفجاراً مدوّياً عمّ الفوضى والذعر. وبعد أن استعدنا توازننا رأيت رأس الانتحاري وقد طار من الخارج يتدحرج أمامي على بعد أمتار قليلة”، بحسب قوله وهو متأثّر. قدر عباسي عدد الموجودين في المكان بنحو ألفي شخص عند التفجير. وأبلغ محامٍ آخر، مشاهد داوَر، القناة بأنه غادر الموقع على دراجته قبل دقائق من الانفجار ثم عاد بعد سماعه، لكن مشهد الجثث المرمية على الطريق دفعه إلى الانسحاب.
الإطار الأوسع والتوترات الإقليمية
تتزامن الاعتداءات مع مرحلة متوترة في العلاقات بين باكستان وأفغانستان. شهدت الأشهر الماضية تصاعداً في الاشتباكات عبر الحدود قبل أن تتوسط قطر وتركيا لوقف إطلاق النار في الدوحة في 19 أكتوبر، غير أن محادثات المتابعة في إسطنبول فشلت في حل الخلافات وانهارت المفاوضات مجدداً. ظلّت باكستان تاريخياً على علاقة وثيقة مع حركة طالبان الأفغانية ورحّب العديد من الباكستانيين بعودة الحركة إلى السلطة في أغسطس 2021، لكن العلاقات تدهورت لاحقاً مع استمرار اتهامات إسلام آباد لكابول بمنح ملاذا لجماعات مثل TTP، بالإضافة إلى اتهامات أخرى بشأن إيواء جيش تحرير بلوشستان وفلول تنظيم الدولة-خراسان، وهو ما تنفيه حكومة طالبان.
دول إقليمية مثل الصين وإيران وروسيا دعت طالبان لاتخاذ إجراءات ضد TTP، وجاءت الرسالة نفسها في مشاورات “صيغة موسكو” مطلع أكتوبر بحضور وزير خارجية طالبان أمير خان متقي.
ووصف وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف على منصة إكس الوضع بأنه “في حالة حرب”، محذّراً أن ما يجري على الحدود وإقليم بلوشستان ليس بمعزل عن العاصمة وأن القوات مسخّرة لتقديم التضحيات اليومية للحفاظ على أمن المواطنين.
لماذا تُحمّل الهند المسؤولية؟
شهد عام 2025 تبدلات في التحالفات الإقليمية؛ إذ أن العلاقات بين باكستان وقيادة طالبان الأفغانية التي كانت قريبة سابقاً بلغت نقطة قطيعة على رغم محاولات الإصلاح. في المقابل، طوّرت الهند علاقاتها الدبلوماسية والاستراتيجية مع كابول، ما عزّز ريبة إسلام آباد التي لطالما اتهمت نيودلهي بالتدخّل في إقليم بلوشستان وبدعم جماعات مسلّحة، وهو ما تنفيه الهند.
آراء الخبراء
يحذّر محلّلون من أن استمرار الخلافات بين باكستان وأفغانستان قد يفضي إلى امتداد عدم الاستقرار ووقوع هجمات أكثر داخل المدن الباكستانية. قال إحسان الله تيبو محسود، محلل أمني في إسلام آباد، إن لدى TTP القدرة على استهداف المدن الكبرى لكنها تركّز عملياتها حالياً في خيبر بختونخوا، معتبراً أن ضربات مستمرة للقوات الأمنية قد تهيئ لها فرصاً لتوسيع نفوذها في مناطق يمكنها تحويلها إلى قواعد. وأضاف محسود أن تفاقم الحرب مع أفغانستان سيعني تعرض باكستان لردود فعل عنيفة قد تستهدف منشآتها ورموزها الحيوية.