الخليل، الضفة الغربية المحتل ة — وسط أكثر من 67,190 فلسطينيّاً قضوا في الحرب الإسرائيلية على غزة، تكبّد الصحفييّن والعاملون في الإعلام خسائر فادحة. فقد قُتل أكثر من 184 صحفياً، من بينهم عشرة موظفين في قناة الجزيرة، وفق إحصاءات لجنة حماية الصحفيين.
في الضفة الغربية المحتلة كان زملاءنا الصحفيون يراقبون من بعيد تضحيات زملائهم في غزة، لكنهم لم يكونوا بمعزل عن التحديات؛ فإجراءات الاقتحام المتكررة والحواجز العسكرية اليومية جعلت عملهم مهدداً ومستهدفاً.
وعندما رحبت غزة بوسام من الارتياح بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، كان صحفيو الخليل يوثّقون قيود الحركة التي فُرضت على الفلسطينيين في أجزاء واسعة من المدينة بسبب توافد مستوطنين يهود بمناسبة عيد العُرُوش (سوكوت). من بين المواقع التي طالتها القيود المسجد الإبراهيمي — المعروف أيضاً بكهف الآباء — في مركز المدينة.
بينما كان الصحفيون يواجهون إغلاقات الطرق والإجراءات الإسرائيلية، كانوا يرسلون رسائل تضامن إلى زملائهم في غزة الذين اجبرتهم الحرب على تحمل نزوح وجوع وفقدان امتدّ لسنتين.
مأمون وزوز، مصوّر صحفي
«ألف تحية لكل من يعمل في الوكالات الدولية والقنوات ومواقع الإنترنت والإذاعات وفي الميدان. أعطيتم الكثير وضحيتم تضحيات جسيمة. أدعو أن تنتهي معاناتكم بعد سنتين من الجحيم، وألا تعيشوا حرباً أخرى أبداً. رسالتكم كانت أقدس الرسائل وأقواها في التاريخ؛ هزّتم العالم لأنكم نقلتم الحقيقة. لم يكن باستطاعة أحد أن يفعل ما فعلتم.
الأثر النفسي والعاطفي لأولئك الذين رحلوا لن يمحى. أتذكر مشهداً لوائل دحدوح وهو يقف فوق جثة ابنه ويقول: «انتقموا منا عبر أطفالنا» — شعرت بتلك الكلمات وكأنها نصل اخترق قلبي. رأيت التسجيل وانهمرت بالبكاء. تخيّل شعور رفاقه الذين عاشوا معه تلك اللحظات».
«نحن هنا في الخليل على اتصال دائم مع قوات الاحتلال؛ هناك اقتحامات متكررة ونقاط تفتيش عسكرية. بعد انطلاق الحرب في 7 أكتوبر 2023 تصاعدت المواجهات بشكل عنيف. تعاملوا معنا كأننا جزء من الحرب، لا كمراقبين محايدين، واستُخدمت كل الوسائل الممكنة لملاحقتنا. كثيراً ما كنت أودّع أسرتي وكأنها المرة الأخيرة».
ملاك العطّرش، صحفية مصوّرة
«أنتم، أيها الصحفيون في غزة، ضحّيتم بحياتكم من أجل شعبكم ووطنكم. خاطرتم بكل شيء لنقل الحقيقة والمعاناة والجرائم المرتكبة ضد أهل غزة. كلما مات أحدكم شعرت وكأنني فقدت شخصاً من عائلتي — كأنني أنا المجروحة أو المعتقلة.
حملتم الرسالة حتى آخر نفس ولم تتوقفوا. تلهموننا لنكمل المسيرة التي بدأتموها أنتم والأجيال السابقة. شكراً على كل صورة وكل لقطة وكل لحظة وثّقتموها ليعلم العالم وجوه الحرب المتعددة.
الحرب كانت تعني التهجير، المجاعة، الاستهداف العسكري، وتعطيل التعليم. من خلال عملكم أظهرتم العالم كل ذلك».
رائد الشريف، صحفي
«شعوري اليوم مختلط بعد إعلان وقف إطلاق النار. تابعنا في الضفة كل ما يحدث في غزة، حيث قُتل أو جُرح مئات الصحفيين، وفقد بعضهم أطرافهم. ما جرى كان جريمة حقيقية، إبادة. استُهدف الصحفيون لأن الاحتلال لا يريد خروج تقارير من داخل غزة.
أشعر بخجل كصحفي فلسطيني. مهما ضحّينا في الضفة لا يساوي ذلك قطرة مما عانى زملاؤنا في غزة؛ لقد قدموا أرواحهم وأجسادهم كأسمى تضحيات.
واجبنا كصحفيين فلسطينيين أن نحمل صوت شعبنا المقهور ونستمر في مسيرة النشر والوثائق. أكثر ما أثر فيّ زملاؤنا الشهيدون — مثل مصوّر قناة الغد يزن الزوِيدي، وزميلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريّقع. أما نضال الوحيدي، فمفقود منذ 7 أكتوبر [2023] — لا نعرف إن كان معتقلاً أم شهيداً أم جريحاً؛ هذا الغياب يوجع كأن الشخص محو من الوجود.»