بعد أسبوع من السّلام الهش، تواصل إسرائيل إغلاق معبر رفح مع مصر، رافضةً فتحه أمام تدفّق مساعداتٍ واسعة رغم النداءات الدولية المتكررة. وفي الوقت نفسه، تواصلت الغارات الإسرائيلية التي أودت بحياة وجرح العشرات في شمال غزة.
حذّرت منظّمات الأمم المتحدة منذ أيّام من قِلّة التقدّم في ادخال المساعدات إلى القطاع، مؤكِّدةً أن الدعم يجب أن يدخل بكثافة عبر كل المعابر لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحّة. وفي إطار الاتفاق الذي رعى وقف عمليّات القتل الذي أودى بحياة أكثر من 67,000 فلسطيني خلال عامين، كان مقرّراً أن تسمح إسرائيل بتدفّقٍ كبير للمساعدات.
قالت الأمم المتحدة يوم الجمعة إن قوافل الإغاثة تكافح للوصول إلى مناطق شمال غزة المتأثرة بالمجاعة، بسبب الطرق المدمرة وإغلاق مساراتٍ رئيسيّة أخرى—زيكيم وبيت حانون (المعروفة بإيريز داخل إسرائيل)—التي تؤمّن مدخلاً للشمال المحاصر.
أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه أدخل في المتوسط 560 طناً من الغذاء يومياً منذ بدء الهدنة الأسبوع الماضي، لكن هذا المعدل لا يزال دون الحدّ المطلوب. وبيّنت الوكالة أنها تملك ما يكفي لإطعام سكان غزة لثلاثة أشهر، مع أنها تحذّر من أن ذلك غير كافٍ أمام حجم الأزمة.
قال المسؤول عن الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، توم فليتشر، هذا الأسبوع إن الحاجة تتطلب دخول آلاف الشاحنات أسبوعياً لمواجهة سوء التغذية المنتشر والنزوح وانهيار البنية التحتيّة. وأكدت المتحدّثة باسم برنامج الأغذية، عبير عتيفة، في مؤتمر صحفي بجنيف أن الهدنة فتحت نافذة ضيّقة، وأن الوكالة تحرّكت بسرعة لرفع مستوى المساعدة، لكنها لم تؤكّد بدء التوزيع داخل مدينة غزة بسبب إغلاق مسارات الشمال وبقاء القوات الإسرائيلية متواجدة حيث تتركز الأزمة الإنسانية.
أشارت منظمات إغاثية، بينها أطباء بلا حدود (MSF)، إلى أن كثيراً من وكالات الإغاثة لم تعد بعد إلى الشمال، حيث تعمل المستشفيات بالكاد، ويعاني السكان من انعدام الوصول إلى الرعاية الروتينية.
تبقى القوات الإسرائيلية متواجدة في نحو 53% من مساحة غزة كجزء من اتفاق الهدنة الذي ينص على انسحاب تدريجي، ما يعيق فتح ممرّات آمنة للوصول إلى المناطق الأكثر تضرّراً. وأوضح برنامج الأغذية أن حركة قوافل دقيق القمح وطرود الطعام الجاهز من جنوب القطاع تواجه عراقيل بسبب طرق مكسورة أو مسدودة، ما يعرقل جهود المعالجة الطارئة للمجاعة في الشمال.
في ظل استمرار العنف، استمرّت الهجمات الإسرائيلية داخل غزة. أفادت الدفاع المدني في غزة بأن فرقها تنفّذ عمليات الانقاذ بعد أن أصاب قصف مدفعي حافلة صغيرة تقلّ عائلة مهجّرة كانت متّجهة إلى منازلها لتفقدها شرق حي الزيتون بغزة، ما أدى إلى “عدّة وفيات وإصابات”. نُقِذ طفل واحد مصاب، بينما لا تزال مصير الآخرين مجهولاً بسبب خطورة الموقع وصعوبة الوصول إليه.
كما أصيب ثلاثة فلسطينيين بإطلاق نار من قوات إسرائيلية في خان يونس جنوب القطاع، وفق وكالة وفا.
أكدت حركة حماس التزامها بإعادة رفات الأسرى الإسرائيليين الذين لم تُسلَّم جثثهم بعد من تحت أنقاض غزة، مشددةً على أنها سلّمت ما استطاعت من جثث، وأن إعادة المزيد يتطلب السماح بدخول آليات ثقيلة ومعدّات حفر، معظمها دُمِّر أو تضرّر جراء القصف الإسرائيلي. ويقول مراسل الجزيرة في مدينة غزة إن ثمة انفصالاً واضحاً بين مطالب الحكومة الإسرائيلية وبين واقع أرض باتت أنقاضاً، حيث تحرم قوات الاحتلال دخول الميكنة الثقيلة اللازمة لعمليات البحث والتمشيط، ما يخلق عقبة أمام السكان الذين لديهم الخبرة والقدرة على انتشال الجثث من تحت الركام.
وليس تحت الأنقاض جثث أسرى إسرائيليين فحسب، بل آلاف الجثث الفلسطينية المجهولة والمختفية والمحتجزة تحت أطنان من الأنقاض والحطام. كما ناضلت السلطات في غزة للتعرّف على عشرات الجثث التي أعادتها إسرائيل في وقت سابق هذا الأسبوع؛ فقد تم التعرّف رسمياً على ستة فقط من أصل 120 جثة حتى الآن، بحسب وزارة الصحة. وأفادت الوزارة أن الجثث تظهر علامات تعذيب تشمل آثار الشنق والحبال وربط الأيدي والأرجل وطلقات نارية عن قرب، وأن الأدلة تشير إلى عمليات إعدام ميدانية وتعذيب وحشي، حسب بيان مكتب الإعلام الحكومي بغزة.
المرحلة المقبلة من الهدنة من المتوقّع أن تتناول مسألة نزع سلاح حماس، واحتمال منح عفو لقادتها إذا وضعوا أسلحتهم، وسؤال من سيدير غزة بعد الحرب. قال عضو المكتب السياسي لحماس محمد نزال إن الحركة تعتزم الحفاظ على السيطرة الأمنية خلال فترة انتقالية، وأنه لا يستطيع الالتزام بنزع السلاح الآن. وأضاف لوكالة رويترز أن حماس مستعدة لتهدئة تمتدّ حتى خمس سنوات لإفساح المجال لإعمار غزة، بشرط أن تُمنح الشعب الفلسطيني آفاقاً وأملاً نحو دولة.
عند سؤاله إن كانت حماس ستسلم أسلحتها أجاب نزال: “لا أستطيع أن أجيب بنعم أو لا. بصراحة، ذلك يعتمد على طبيعة المشروع؛ مشروع نزع السلاح الذي تتحدثون عنه — ما المقصود به؟ لمن ستُسَلَّم الأسلحة؟” وأكد أن أي نقاش حول الأسلحة لن يخصّ حماس وحدها بل سيتناول فصائل فلسطينية مسلحة أخرى، ويتطلب موقفاً فلسطينياً جامعاً في جولة المفاوضات المقبلة.