بطرق عديدة — على الأقل في هذه اللحظة — باتت اسرائيل أكثر استعدادًا للدفاع ضد غزو مما كانت عليه في السابع من أكتوبر. ومع ذلك، ثمة أوجه لم تتغير كثيرًا، وفي بعض النواحي أصبحت الدولة أكثر تعرضًا للخطر.
هل الجيش الإسرائيلي مستعد فعلاً لمنع غزو مستقبلي؟ الإجابة تعتمد على الجبهة المعنية. تحدّ إسرائيل لبنان وغزة وسوريا والضفة الغربية والأردن ومصر، وخطر الغزو يختلف باختلاف هذه الحدود. في الوقت الراهن من غير المحتمل حدوث غزو من أي من هذه الجهات، لأن الدولة لا تزال في وضع هجومي وتسيطر على مناطق أمنية مقابل لبنان وسوريا وغزة لم تكن موجودة قبل السابع من أكتوبر. ولكن هذه المناطق قد لا تدوم إلى الأبد: تدور مفاوضات جدّية بالفعل حول انسحابات محتملة من مواقع في لبنان وسوريا، حتى وإن بدا أن تنفيذ أي انسحاب لن يحدث بسرعة.
أما على جبهة غزة، فالتحدث عن غزو من حماس في خضم تعبئة أكثر من 130 ألف مُستدعى وتقدّم خمس فرق مشاة نحو مدينة غزة ومناطق أخرى يبدو خياليًا الآن. إلا أن الحرب الطويلة ستنتهي في وقت ما، وعندئذ سيبدأ الاختبار الحقيقي: هل ستظل إسرائيل يقظة أم ستخفّ حراستها من جديد؟
من مجموع إحاطات تلقّاها عدد من كبار مسؤولي الدفاع للصحيفة خلال الحرب، يمكن الجزم بأن القوات العسكرية اليوم أفضل تجهيزًا وخبرة من وضعها في السابع من أكتوبر. لا ينبغي المبالغة: ثمة مجالات تحسنت بوضوح، وأخرى لم تتغير كثيرًا، وبعضها أظهر ضعفًا جديدًا.
أين تحسّن أداء الجيش؟
1) الجنود البديلون ومن أتمّوا الخدمة الإلزامية سيظلّون، طوال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، الأكثر صلابةً وخبرةً واستعدادًا للاستدعاء المفاجئ في تاريخ الدولة. ببساطة: قاتل هؤلاء في معارك متعددة وفي سيناريوهات أكثر تنوّعًا مما اعتاد عليه الجيل السابق.
2) الاستخبارات العسكرية شهدت أربعة تحسينات رئيسية استُخلصت من دروس السابع من أكتوبر:
– إعادة تأسيس الوحدة 504 في غزة لملء فراغ التجسّس البشري الذي سمح بفشل الاستخبارات قبيل الهجوم، ما يمنح فرصًا أفضل لاكتشاف خطط تسلل مستقبلية.
– إنشاء لواء تحذير حربي مُتكامل على يد الجنرال شلومى بندر (Binder)، مخصّص لإصدار تحذيرات رسمية بحجم ووزن يكفلان وصولها إلى أعلى المستويات السياسية والعسكرية، وتلافي حالة التخفيف أو التجاهل التي حدثت قبل الهجوم.
– ترقية فرق «الفريق الأحمر» إلى مستوى لوائي لتكريس عدد أوسع من الضباط لمهمة انتقاد الخطط وكشف نقاط الضعف، بالرغم من تشكيك بعض المسؤولين السابقين في قدرة ثقافة المؤسسة على أخذ هذه الفرق على محمل الجد دائمًا.
– استئناف توظيف وتدريب خبراء اللغة العربية والدراية بالإسلام السياسي بعدما قلّ الاعتماد على هؤلاء لصالح أدوات تقنية، مع إدراك أن التكنولوجيا وحدها قد تخطئ في قراءة نوايا الخصم كما يفعل العنصر البشري.
ثمة جوانب سلبية ينبغي الانتباه إليها
1) منظومة المراقبة عند الحدود: تظلّ علامات استفهام كبيرة حول مدى أخذ القيادة بعين الاعتبار تحذيرات المراقبات الحدودية، لا سيما الإناث منهن اللائي حذرن مرارًا قبل السابع من أكتوبر وتم تجاهلهن فصار مصير بعضهن القتل أو الأسر. الجيش أعلن عن تعزيزات وحماية أفضل لهن، لكن رفضه تزويد الصحافة بتفاصيل يقوّي الشبهة بوجود ثغرة مؤسسية في تقدير تحذيرات الرتب الدنيا.
2) قلة الأفراد على الأرض واعتماد مبالغ فيه على التكنولوجيا: إذا تجولت على الحدود ستلحظ افتقارًا واضحًا للقوات المتمركزة. الدروس المستفادة تقول إن الحواجز التكنولوجية والحساسات والطائرات المسيرة لا تغني عن وجود بشري منتظم يمنع إحداث فجوات استغلالية؛ وقصّة اقتحام كتيبة متقدّمة في خان يونس على يد مجموعة محدودة من المسلّحين في أغسطس تُظهِر كيف يمكن استغلال نقاط ضعف يعتمد فيها الحرس على أجهزة فقط.
3) شعور جديد بالتفوّق: رغم أن السابع من أكتوبر قضى إلى حدّ ما على شعور التفوق لدى الجيش تجاه حماس، فإن انتصارات لاحقة في السنوات التي تلتها أعادت تغذية الثقة إلى حد الغرور. ذلك قد يجعل المؤسسة عرضةً للتفكير الجماعي مجددًا، والاعتقاد بأن حماس غير قادرة على تهديد حقيقي طالما قِوتها ظاهريًا مُتناقصة.
الخلاصة: الموازين أقل هشاشة اليوم مما كانت قبل سنتين، مع جيل من المقاتلين أكثر خبرة واستخبارات أعادت بناء عناصر بشرية وقيادية لم تكن موجودة قبل الهجوم. لكن ثغرات مؤسساتية — في تقدير تحذيرات الرتب الدنيا، في الانتشار البشري على الحدود، وفي الميل للغرور تجاه الخصم — قد تترك إسرائيل عرضة لمفاجآت مستقبلية. إذًا، رغم تحسّن الوضع، لا تزال الأرضية أقل أمانًا مما قد تتطلّع إليه الدولة بعد رعب السابع من أكتوبر.