بعد عشر سنوات على فرارها من سوريا حياة عائلة سورية في ألمانيا

مرّت عشر سنوات على عبور عشرات الآلاف من اللاجئين إلى المانيا في أواخر صيف 2015، بعد أن فتحت المستشارة آنذاك أنجيلا ميركل الحدود.

«يمكننا فعل ذلك»، قالت السياسية المحافظة لمؤيديها في 31 أغسطس 2015 — عبارة لم يظن الكثيرون حينها أن نهايتها ستشهد دخول نحو 1.1 مليون طالب لجوء إلى البلاد بحلول نهاية 2016، كثير منهم هرباً من سوريا الممزقة بالحرب.

عائلة دعيوب–الجوابرة: رحلة ونشأة جديدة
رحاب دعيوب، زوجها وليد الجوابرة، وأطفالهما الثلاثة سهير وأيمن وأدهم، كانوا من بين الفارين من الحرب الأهلية السورية آنذاك.

رحلة خطرة عبر البحر المتوسط
ابنتهما سهير (30 عاماً) وابنهما أيمن (25 عاماً) يعيشان الآن في ألمانيا منذ ما يقرب العقد. بعد عبور خطير عبر البحر المتوسط، وصلا إلى ألمانيا في 31 ديسمبر 2015. وبعد عامين، التحق بهما بقية أفراد الأسرة عبر رعايات خاصة.

الهدف الأول: الأمان
هربوا من نظام بشار الأسد الذي شن حرباً قاسية على شعبه، قَتلَ وعذَّب الكثيرين. تقول سهير إن احتمال الهلاك أثناء الرحلة كان مرتفعاً، لكن الاحتمال ذاته كان قائماً في سوريا أيضاً. تقول الأم رحاب (61 عاماً): «الأمان قبل كل شيء، ثم البناء من أجل المستقبل» — هذا ما كان يهمّهم.

حياة في برلين
تجلس العائلة على أريكة زاوية واسعة في غرفة المعيشة بشقّة تقع في حي سكني هادئ بشمال برلين. عندما وصلوا قبل ثماني سنوات، كان السكان في الحي من الألمان وحدهم، كما يذكر أدهم (25 عاماً) الآن. اليوم صارت المنطقة أكثر تنوعاً. الغرفة بسيطة التأثيث، لكن حُليّ عيد الميلاد ما زالت معلقة في سقفها في منتصف الصيف — أثر من موسم الأعياد الماضي. تصب رحاب الشاي الأسود وتعرض صور العائلة، مقتطفات من زمن قبل الحرب — لحظات سعيدة في وطنهم سوريا.

يقرأ  حظر مشاركة شركاتٍ إسرائيليةٍ في المعرض الدفاعي الهولندي

التعليم والعمل والجنسية
أنهى كل من سهير وأيمن تدريباً مهنياً في ألمانيا؛ تعمل سهير كمساعدة تقنية طبية في تشخيص الوظائف، بينما يعمل أيمن كمصمم وسائط في الإذاعة العامة SWR. أخوهما أدهم نال شهادة الثانوية الألمانية (الأبيطور) ويُتابع دراسته في جامعة برلين للعلوم التطبيقية. لدى الثلاثة شققهم الخاصة، ويتقنون اللغة الألمانية بطلاقة، كما نالوا الجنسية الألمانية. وحتى أن سهير تختتم بعض جملها بتعابير عامية برلينية: «وا؟»

والداهما تعلما الألمانية أيضاً وعثرا على عمل؛ لم تتلقَّ عائلتهم أي إعانة اجتماعية — نقطة تؤكد عليها رحاب. تعمل رحاب كمساعدة مدرسية، ويعمل زوجها منظفاً في مستشفى. في سوريا كانت تعمل في مصنع كيماويات لإنتاج الأسمدة، بينما كان زوجها مهندس بترول.

حنين الوطن والامتنان
تقول الأم: «بالطبع نشعر بالحنين إلى الوطن، لكن عندما نقارن حياتنا بحياة الناس في سوريا الآن، نشعر بامتنان كبير». «ألمانيا أصبحت وطننا الثاني».

لم الشمل شرط أساسي للاندماج
الحظ الكبير لهذه العائلة أنهم اجتمعوا. هذا الأمر له أثر بالغ على الاندماج، كما تشير كاترين ألبريخت، المديرة التنفيذية لمنظمة رعاة اللاجئين ـ سوريا. «لم الشمل مهم جداً»، تقول ألبريخت. فرص البقاء تتحسّن بشكل ملحوظ عندما يتوفر للساعي بيئة اجتماعية وعاطفية. «هم مدفوعون لإثبات أن الأمر ينجح، وحتى إن تعثّر، فالعائلة موجودة لتوفير الأمان النفسي».

تدعم المنظمة في برلين لاجئين سوريين في جلب أفراد أسرهم إلى ألمانيا عبر رعايات خاصة؛ يساعد العاملون في العثور على شقق، وترتيب دورات اللغة الألمانية، والمساعدة في البحث عن عمل. منذ 2015، ساعدت المنظمة نحو 300 شخص في الحصول على تأشيرة دخول إلى ألمانيا، من بينهم عائلة دعيوب ـ الجوابرة. أصبحت رحاب الآن صديقة لكفيلتها بيتينا باخمَن.

آلاف التأشيرات عبر الرعاية الخاصة
يقدّم كـفيل ألماني إقرار رعاية ويضمن ألا تُطلب أي مساعدة من الدولة لمدة خمس سنوات. منذ 2013، قُبل نحو 4100 شخص إلى برلين عبر هذه العملية. الأرقام على المستوى الوطني غير متجمّعة لدى الخارجية، بحسب متحدثة باسمها. تُموّل نفقات المعيشة كلها من القطاع الخاص، وتنجز المنظمة ذلك بمساعدة التبرعات.

يقرأ  ١٠ لقطات حائزة على جوائز تجسد إصرار الكائنات البرية على البقاء

لكن منذ أواخر 2024 توقفت إمكانية الرعاية الخاصة للاجئين في برلين، وتقول ألبريخت إن هذا الخيار لم يعد متاحاً في الولايات الاتحادية الأخرى أيضاً.

هل نجحت ألمانيا؟
ألبريخت تشير إلى أن كثيرين من السوريين اندمجوا جيداً في ألمانيا، والبعض تفوّق وأصبح إضافة للمجتمع وسوق العمل. لكنها تُذكر أن الإجابة على سؤال ما إذا تحقّق وعد ميركل «يمكننا فعل ذلك» تعتمد على من يُسأل. لكنها تضيف نقطة محورية: باستقبال أكثر من مليون لاجئ أنقذت ألمانيا آلاف الأرواح. «لقد نجحنا في ذلك». ومع ذلك، تقول، لا يزال هناك المزيد مما ينبغي عمله حتى بعد عشر سنوات.

توقّف لمّ الشمل
الأمور مختلفة اليوم. البرلمان الألماني قرّر تعليق لمّ الشمل للاجئين ذوي الحماية المحدودة لمدة عامين، وهو قرار يؤثر أساساً على السوريين. ترى ألبريخت أن القرار خاطئ من الأساس. «هذه قصص الاندماج الناجحة»، تقول عن الذين لديهم عائلاتهم معهم. «الآخرون يعيشون معاناة أصعب بكثير».

العودة ليست خياراً
ما زالت رحاب تبكي عند التفكير في دخول ألمانيا والالتقاء بأولادها: «كان حلماً». ومنذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، بدأ المكتب الاتحادي لشؤون اللاجئين تنظيم عودات طوعية إلى سوريا منذ منتصف يناير؛ ووفق أرقام أولية، جرت حتى 31 مايو 804 عمليات عودة. وفي نهاية 2024 كان يعيش في ألمانيا نحو 975 ألف سوري، بحسب الحكومة الفدرالية.

بالنسبة لعائلة دعيوب–الجوابرة، العودة ليست خياراً — مستقبلهم هنا في ألمانيا. «كان تحدياً كبيراً أن نعيد بناء حياتنا. اللغة صعبة، ونحن لسنا شباباً، ومع ذلك تمكنا من ذلك»، تقول رحاب.

سهير الجوابرة في شقة والديها في برلين-كاروو، تمسح دموعها بمناديل. قبل ثماني سنوات غادرت سوريا مع أخيها عبر لبنان وتركيا وطريق البلقان إلى ألمانيا.

يقرأ  اختفاء ما لا يقل عن ٤٠ شخصًا بعد انقلاب قارب في شمال غرب نيجيريا

صور عائلية وأكواب شاي سوري تملأ طاولة غرفة المعيشة لدى عائلة الجوابرة في برلين-كاروو.

كاترين ألبريخت، المديرة التنفيذية لمنظمة رعاة اللاجئين ـ سوريا، تحدثت مع وكالات الأنباء حول أزمة اللاجئين السوريين.

أضف تعليق