بوتين يحتفي بتقدّمات على الجبهات — وأوكرانيا تستعيد أجزاءً من دونيتسك

أعلن القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية يوم الاثنين استعادة بلاده نحو 62 كم² (24 ميلاً مربعاً) من الأراضي خلال الشهر الماضي، في تصريح يتناقض مع مزاعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن قواته تتقدم “في كل الاتجاهات”.

وقال أوليكساندر سيرسكي في قناته على تلغرام إنّ “الشهر الذي راهن فيه المحتلّون على اختراقات وبذلوا أقصى الجهود أصبح الشهر الذي سجّل فيه العدو مكاسب إقليمية متقارنة — وهي الأدنى في الآونة الأخيرة”.

وقُسّمت معظم الأراضي المستعادة في إقليم دونيتسك شرقي أوكرانيا، حيث تجري اشتباكات عنيفة منذ وقت طويل. ووفقاً لسيرسكي، فإنّ القوات الروسية حينما توجهت نحو دوبروبيلا (دوبروبيلا) استولت على نحو 13.5 كم² لكنها فقدت 25.5 كم²، وفي اتجاه بوكروفسك كانت مكاسبهم نحو 5 كم² بينما استعادت قواتنا السيطرة على 26 كم²، إضافة إلى نحو 4 كم² في قطاعات أخرى من الجبهة.

على مستوى الجبهة بأكملها، قدّر معهد دراسة الحرب في واشنطن أن روسيا حققت مكاسب بحوالي 499 كم² في أغسطس، لكنّ هذه الأرقام لا تلائم تصريحات بوتين في بكين حول “تقدم ناجح وبمعدلات متفاوتة” لكل القوات الروسية في أوكرانيا. وقال أندري كوفالينكو، رئيس مركز مواجهة التضليل في أوكرانيا، إنّ “الدعاية المنتشرة لا تغيّر حقيقة أن الروس تكبّدوا ضربات”.

وقال المتحدث باسم مجموعة قوات دنيبرو أوليكسي بيلسكي، الذي تدافع وحدته عن بوكروفسك، إنّ روسيا تركز مركزات للمدرعات والطائرات المسيرة وتعيد نشر وحدات متمرسة تحضيراً لهجوم جديد. وعلى الرغم من تسارع بعض التقدّم الروسي منذ الربيع، فقد ادعت موسكو الأسبوع الماضي أنها استولت على قرية واحدة فقط هي نوفوسيلفكا في منطقة دنيبروبيتروفسك، كما زعمت إحباط محاولة إنزال قوات استطلاع على جزيرة في دلتا نهر دنيبرو.

وتأتي هجمات موسكو بتكلفة بشرية ومادية كبيرة؛ فحَسَب تقديرات سيرسكي، بلغت خسائر الجانب الروسي منذ بداية العام نحو 299,210 جندياً. ووصف سيرسكي تكتيك أوكرانيا بأنه “احتواء للعدو وإلحاق أقصى الخسائر الممكنة به”.

يقرأ  زعيم بافاريا يحذّر:صعود حزب البديل قد يهدّد ألمانيا — ويعلن مقاومته

تصعيد الهجمات بالطائرات المسيرة

عاجزاً عن حسم المعركة عبر الهجوم البري، لجأت روسيا إلى ضرب معنويات الأوكرانيين عبر هجمات بطائرات مسيرة طويلة المدى على مدن العمق. ففي أسبوع 4–10 سبتمبر أطلقت موسكو ما مجموعه 1,811 طائرة مسيرة و63 صاروخاً، فيما أفادت أرقام أوكرانية بأنها أسقطت 87% من الطائرات المسيرة ونحو نصف الصواريخ.

وتصاعدت الحملة إلى ذروتها ليلة الأحد حيث استُخدمت أكبر دفعة في الحرب — نحو 810 طائرات مسيرة وخدع استهدفت كييف مع 13 صاروخاً. وقالت رئيسة الوزراء يوليا سفيريدينكو إن مبنى رئاسة الوزراء تضرّر لأول مرة، ونشرت صوراً لمقرّ الحكومة محاطاً بالأنقاض والدخان. وادّعت وزارة الدفاع الروسية أنها استهدفت مواقع تصنيع وتجميع وإطلاق الطائرات المسيرة في محيط كييف، وقواعد جوية في مناطق وسط وجنوب وشرق أوكرانيا، بينما تنفي استهداف المدنيين وتقول إنّ أهدافها عسكرية حتى لو كانت موجودة ضمن مناطق حضرية. وفي هجوم الثلاثاء قُتل 24 متقاعداً أثناء انتظارهم صرف معاشاتهم في بلدة ياروفا بدونيتسك.

صيغة جديدة للدفاع الجوي

قال فولوديمير زيلينسكي يوم الأحد إن نحو نصف الطائرات المسيرة في هجوم كييف كانت خدعاً أرسلت “لتعقيد المهمة” أمام الدفاع الجوي، واعتبر إسقاط عدة صواريخ باليستية “إنجازاً مهماً”. وقدّرت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية منذ بعض الوقت أن إنتاج روسيا من الطائرات المسيرة — الذي يصل حالياً إلى نحو 90 طائرة يومياً — يهدف إلى تجميع حزم ضربات تتجاوز ألف طائرة وصاروخ بغية إغراق دفاعات أوكرانيا، وأن أوكرانيا تضع استراتيجيات لمواجهة هذا التهديد.

أشار زيلينسكي في الرابع من سبتمبر إلى “صيغة معينة” للدفاع الجوي نوقشت مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأول مرة، وأضاف أنّه “إذا تلقّينا إشارة إيجابية من الولايات المتحدة، فسنسرّ لمشاركة هذه المعلومات”، مشيراً إلى أن الكثير تقنياً في هذه الصيغة يعتمد على الدعم الأمريكي. واقترح معهد فكري أوكراني خطة يتولى بموجبها 120 مقاتلة أوروبية دوريات في الأجواء الغربية لأوكرانيا كي تتيح لسلاح الجو الأوكراني التركيز على العمليات الدفاعية والهجومية شرقاً، دون أن يتبيّن ما إذا كان المقصود بصيغة زيلينسكي هذه الخطة بالتحديد.

يقرأ  إعادة إدماج المهارات الحِرَفية في صلب التعليم الليبرالي

وقال سيرسكي: “ننشئ منظومة طبقية لمواجهة ‘الشاهيد’ و’الجران'” في إشارة إلى الطائرات الانتحارية والخدع الروسية، “ومهمتنا المشتركة تكمن في تشكيل مزيد من الفرق، تدريب مزيد من مشغلي القتال، وتزويدهم بوسائل تدمير أكثر فعالية ورادارات”. وخلال الأسبوع عبَرت نحو 19 طائرة مسيرة إلى الأجواء البولندية، ما اضطر الناتو لأول مرة إلى الدفع بطائرات بولندية من طراز F-16 وهولندية F-35 وطائرات إنذار مبكر إيطالية لمواجهتها وإسقاطها. واستدعى ذلك أيضاً تفعيل المادة الرابعة من ميثاق الناتو بأمر من رئيس وزراء بولندا دونالد توسك، فيما وصف وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي الخرق بأنه “عمل عدواني شكّل تهديداً حقيقياً لأمن مواطنينا”.

الضربات العميقة الأوكرانية

تعمل أوكرانيا على تطوير قدرات ضربات بعيدة المدى كرافعة للضغط من أجل دفع روسيا إلى طاولة المفاوضات. وفي يوم الجمعة استهدفت طائرات أوكرانية مصفاة ريازان، إحدى أكبر المصافي الروسية الأربعة، ما أخرج وحدة المعالجة الأساسية لديها عن الخدمة.

تعرضت المصفاة نفسها لضربتين في الثاني والثامن والعشرين من أغسطس.

كما أعلنت أوكرانيا أنها استهدفت آليتين من منظومة الدفاع الجوي من طراز S-300 في منطقة كالوغا.

يوم الأحد، قصفت طائرات مسيرة محطة ضخ نفط في منطقة بريانسك الروسية قرب نايتوبوفيتشي. قال روبرت «ماجيار» بروفدي، قائد قوات الأنظمة المسيّرة في اوكرانيا: «المرفق ذو أهمية استراتيجية لنقل المنتجات النفطية من مصافي بيلاروسيا إلى الاتحاد الروسي».

في اليوم نفسه، قالت قوات العمليات الخاصة الأوكرانية (SSO) إنها ضربت مصفاة إيلسكي على أراضي كراسنودار الحدودية ودمرت مجمع التكرير الرئيسي فيها.

سكان يختبئون في ملجأ خلال هجوم روسي بطائرات مسيرة على كييف، 7 سبتمبر 2025 (توماس بيتر/رويترز)

وأضاف بروفدي أن الطائرات المسيرة استهدفت وألحقت أضراراً جسيمة بمحطة ضخ «فتوروفو» التابعة لشركة ترانسنفت، في بنكينو بمنطقة فلاديمير.

يقرأ  مقتل خمسة صحفيين محليين في غزة بغارة إسرائيلية وسائل الإعلام تعتمد على تغطيتهم الميدانية

بعد يومين، أفادت المخابرات العسكرية الأوكرانية أن خطي نفط وخطين غاز تضررا أيضاً في محيط بنكينو.

تنفذ أوكرانيا العديد من هذه الضربات بطائرات مسيرة محلية الصنع تحمل حمولات صغيرة تقل عن 100 كغ.

اعلن الشهر الماضي عن بدء الإنتاج الجماعي لصاروخ كروز «فلامنغو» بمدى يصل إلى نحو 3000 كلم ورأس حربي يتجاوز طناً واحداً، وربما بدأت تجاربه ميدانياً.

في 4 سبتمبر كشفت شركة «فاير بوينت» عن صاروخين باليستيين قيد التطوير: FP-7 بمدى نحو 200 كلم ورأس حربي 150 كغ، وFP-9 بمدى نحو 855 كلم وحمولة تبلغ 800 كغ.

دخل حلفاء أوكرانيا في برامج إنتاج مشتركة للطائرات المسيرة.

في 3 سبتمبر أعلنت الدنمارك أن شركة «فاير بوينت» ستبني مصنع وقود صاروخي لصاروخ فلامنغو قرب قاعدة سكرِيدستروب للقوات الجوية الدنماركية.

يوم الثلاثاء قال وزير الدفاع البريطاني جون هيلي إنه سيمول إنتاج «آلاف الطائرات المسيرة طويلة المدى» في المملكة المتحدة لصالح أوكرانيا، فيما أعلن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس تخصيص 350 مليون دولار لإطلاق مبادرة للضربات العميقة عبر شراء طائرات مسيرة طويلة المدى من شركات أوكرانية وتسليمها للقوات المسلحة الأوكرانية — نموذج مساعدة رائد اعتمدته الدنمارك.

في 4 سبتمبر التزم ستة وعشرون من حلفاء أوكرانيا بتقديم موارد عسكرية لقوة حفظ سلام تعمل خلف خطوط الجبهة الأوكرانية بعد وقف لإطلاق النار.

وصف زيلينسكي ذلك بأنه «نظام أمني».

«نحن نجهّز القوة — على الأرض، وفي الجو، وفي البحر»، قال.

وبشكل منفصل، في مقابلة مع مجلة «لو بوينت» الفرنسية، تساءل زيلينسكي: «السؤال هو هل العالم المتحضر مستعد أن يتحمّل بقدر ما تتحمّل أوكرانيا؟»

أضف تعليق