بولندا تُسقط طائرات روسية مُسيّرة هل سينضم الناتو إلى الحرب في أوكرانيا؟ أخبار الحرب الروسية‑الأوكرانية

باشرت القوات البولندية وقوات حلف الناتو اعتراض طائرات مسيَّرة روسية دخلت المجال الجوي لبولندا ليل الثلاثاء وصبيحة الأربعاء، فيما يمثل أول احتكاك عسكري مباشر مع موسكو منذ بدء غزوها الشامل لأكرانيا عام 2022. جاءت هذه الخروقات الجويّة وسط هجوم جوي روسي على أوكرانيا.

ماذا حدث في بولندا؟
القيادة العسكرية البولندية أعلنت أنها أسقطت «أجساماً شبيهة بالطائرات المسيّرة» اخترقت مجالها الجوي خلال موجة غارات جوية روسية استهدفت مقاطعَة غربيّة من أوكرانيا. وردت الطائرات البولندية بمساندة مقاتلات F‑16، وطائرات F‑35 هولندية، وطائرات مراقبة AWACS إيطالية. أحد الأجسام أصاب مبنى سكني في بلدية Wyryki بشرق بولندا، ولم تسجل إصابات، بحسب وكالة رويترز.

هذه هي المرة الأولى التي تتصدى فيها قوات حلف الأطلسي لموجودات عسكرية روسية منذ اجتياح موسكو لأوكرانيا في فبراير 2022. ووصفت قيادة العمليات البولندية الانتهاك بأنه «غير مسبوق» واعتبرته عملاً عدائياً شكّل تهديداً حقيقياً لأمن المواطنين. وأغلقّت بولندا مؤقتاً ثلاثة مطارات على الأقل، بينها مطار وارسو تشوبين، ونُصِح السكان بالبقاء في المنازل واللجوء إلى الملاجئ خصوصاً في المناطق الشرقية القريبة من الحدود مع أوكرانيا.

قال رئيس الوزراء دونالد توسك إن الوضع «أخطر من كل المراحل السابقة»، مضيفاً أن احتمال حدوث صراع عسكري واسع «أقرب من أي وقت منذ الحرب العالمية الثانية». وأوضح أمام البرلمان أن أول خرق حدث نحو الساعة 11:30 مساءً (21:30 بتوقيت غرينتش) الثلاثاء، وآخرها سُجل عند 6:30 صباحاً (04:30 بتوقيت غرينتش) الأربعاء، وأن التقارير الأولية تشير إلى 19 خرقاً جَوّياً مع عبور عدد كبير من الطائرات المسيّرة إلى داخل الأراضي البولندية. وصرّح أن قوات الناتو أسقطت الأجسام التي شكّلت تهديداً، وأنه عُقد اجتماع طارئ للّوزراء الكبار وأن الاتصال مستمر مع مسؤولي الناتو. كما أعلن توسك عزمه تفعيل المادة 4 من معاهدة الناتو لطلب مشاورات رسمية بشأن تهديد الأمن الوطني.

يقرأ  ارتفاع حصيلة قتلى حادث حافلة في أفغانستان إلى 79 قتيلاً بينهم 19 طفلاً

هل سيجرّ هذا الناتو إلى حرب مع روسيا؟
أثار الحادث تساؤلات حول مدى تفعيل بند الدفاع الجماعي في الحلف (المادة 5)، الذي يعتبر أي هجوم مسلّح على عضوٍ واحد بمنزلة هجوم على الجميع ويلزم الحلفاء بأن يتخذوا إجراءات، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لاستعادة الأمن. لكن تفعيل المادة 5 ليس تلقائياً؛ يستطيع البلد المتضرر طلب تفعيلها، ويتطلّب قراراً جماعياً من دول الناتو الثلاثين أن يعتبر الحادث هجوماً يستدعي الرد الجماعي. منذ توقيع المعاهدة عام 1949، فُعلت المادة 5 مرة واحدة فقط بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.

اعتبر توسك أن الكلمات التضامنية غير كافية، وأن بولندا ستطلب «دعماً أكبر بكثير» من حلفائها، فالمادة 4 ستكون الخطوة السياسية التمهيدية لأي مناقشة حول المادة 5.

كيف ردّت الاتّحاد الأوروبي؟
قالت رجل السياسة العليا في الاتحاد، كايا كلاس، إن الحادث يمثل تصعيداً في حرب روسيا ضد أوكرانيا. وطالبت بزيادة كلفة التصرفات الروسية، وتعزيز الدعم لأوكرانيا، والاستثمار في دفاعات أوروبا، مشدّدة على «التضامن الكامل مع بولندا» واصفة الخرق بأنه الأكثر جدّية لمجال جوي أوروبي منذ اندلاع الحرب، وأن الدلائل تشير لكونه عملاً متعمّداً لا حادثياً. كما دعا مفوض شؤون الدفاع في الاتحاد، أندريوس كوبيليوس، إلى بناء «جدار مضاد للمسيّرات» على الحدود، والتعاون الوثيق بين دول الاتحاد والدول الحدودية وأوكرانيا لمواجهة التجارب الروسية المتكررة. روسيا ستتوقف.

كيف ردّت أوكرانيا؟

حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن موسكو تواصل “دفع حدود الممكن” عبر توجيه الطائرات المسيّرة نحو بولندا. وقال إن عدم مواجهة هذا السلوك بردّ قوي سيبقي التصعيد عند مستوى جديد. وأضاف أن 15 إقليماً أوكرانياً تعرّضت لهجمات ليلية “هائلة” شملت 415 طائرة مسيّرة من أنواع مختلفة وأكثر من 40 صاروخاً مجنحاً وباليستياً. وأكد زيلينسكي أن “على الروس أن يشعروا بالعواقب. يجب أن تدرك روسيا أن الحرب لا يمكن توسيعها وأنه لا بد من إنهائها.”

يقرأ  تركيا تقطع علاقاتها الاقتصادية بالكامل وتغلق مجالها الجوي أمام إسرائيل

ماذا تفعل روسيا الآن؟

جاء انتهاك الطائرات الروسية للمجال الجوي البولندي في وقت ترفع فيه موسكو من وتيرة هجماتها على كييف، وتعرق محادثات وقف إطلاق النار، وتخطّط لمناورات عسكرية في بيلاروس المجاورة. أعلنت وارسو أنها ستغلق حدودها مع بيلاروس مساء الخميس عند منتصف الليل (22:00 بتوقيت غرينتش) استباقاً للتمرين العسكري المرتقب.

تُعرف المناورات الروسية–البيلاروسية الكبرى باسم “زاباد” (أي «الغرب» بالروسية)، وعادةً ما تشمل آلاف الجنود والدبابات والطائرات وعمليات إطلاق نار حية عبر المناطق الغربية. وتثير هذه المناورات مخاوف أمنية خاصة لدى دول حلف الناتو المجاورة مثل بولندا وليتوانيا ولاتفيا.

قال رئيس الوزراء السابق دوارتيكوسك توسك في اجتماع حكومي إن “التحركات الروسية–البيلاروسية، من منظور العقيدة العسكرية، عدائية جداً، وتبدأ يوم الجمعة في بيلاروس قرب الحدود البولندية.” وأعلن وزير دفاع بيلاروس أن مناورات هذا العام ستشمل تدريبات على الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية وعلى صاروخ أوريشنيك الروسي عالي السرعة متوسط المدى.

أثارت مناورات زاباد السابقة القلق في الغرب، لا سيما في 2021 حين بقيت القوات الروسية المنتشرة في بيلاروس لفترة أطول مما كان متوقعاً ثم قادت جزءاً من غزو 2022 لأوكرانيا. ومن المتوقع أن تشارك الهند، التي فُرضت عليها رسوماً تجارية إضافية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسبب شرائها النفط الروسي، في التمرين الذي يستمر سبعة أيام؛ ويدفع ترامب حالياً الاتحاد الأوروبي لفرض رسم تجاري بنسبة 100 بالمئة على الهند، وقد عرض مضاهاة هذا الإجراء في حال موافقتها.

رغم أشهر من الحوارات الدبلوماسية المكثفة والضغوط الأميركية، لا تظهر مؤشرات قوية على تضييق الهوة بين موسكو وكييف، خصوصاً في القضايا الجوهرية مثل التنازلات الإقليمية وترتيبات الأمن ما بعد الحرب.

أضف تعليق