دار السلام، تنزانيا — كابيري مبوشي، زامبيا
في محطة قطارات دار السلام جلس المئات من الركاب بين أكوام من الأمتعة، تهب نسمة خاملة عبر النوافذ المفتوحة. قبل موعد انطلاق قطار “موكوبا إكسبرس” التابع لهيئة سكك حديد تنزانيا وزامبيا (تازارا) المقرر عند الساعة 15:50 بقليل، أعُلِم المسافرون عبر مكبرات الصوت بتأخر المغادرة ساعتين.
تجلّت تنهّدة جماعية عبر الحشد، وتطايرت الحمامات تحت السقف المرتفع للمحطة، تختفي داخل فتحات ناتجة عن بلاطات سقف آكلة الصدأ. ومع ذلك لم يفاجأ أحد حقًا؛ فسمعة القطار في التقطع وعدم الانتظام جعلت من تأخر ساعتين أمراً يكاد يُعدّ في وقته.
يمتد خط السكة من أكبر مدن تنزانيا عبر هضابها الجنوبية وعبوراً إلى مقاطعات النحاس في زامبيا، ليصل أخيراً إلى بلدة كابيري مبوشي على بعد نحو 1860 كيلومتراً. وفقاً للجداول الرسمية يفترض أن تستغرق الرحلة حوالى أربعين ساعة.
بالنسبة للركاب المنتظمين، يمثل القطار وسيلة رخيصة للوصول إلى مناطق لا تقودها الطرق السريعة الرئيسية. أما للسياح الأجانب فانه يقدم فرصة فريدة لمشاهدة مناظر تنزانيا بعيداً عن صخب المدن والمتنزهات المشبعة بالسياح، شريطة ألّا يكونوا في عجلة من أمرهم. عربات النوم من الدرجة الأولى حتى مبيا، وهي مركز سفر ومدينة حدودية شرق زامبيا تحيط بها جبال خضراء وحقول قهوة، لا تتجاوز تكلفتها نحو عشرين دولاراً تقريباً.
احتفل الخط هذا العام بمرور خمسين عاماً على إنشائه، لكنه كافح معظم عمره لبلوغ الاستقرار؛ فقد اعتمد على استثمارات أجنبية لأعمال صيانة أساسية وفشل في نقل حجم البضائع الذي شُيد من أجله. أدت صيانة متقطعة واستثمارات محدودة إلى تدهور البنى التحتية والعربات بعد عقود من الاستعمال المكثف.
يصعب تحديد موقع قطار تازارا في لحظة معينة بسبب الكم الهائل من التأخيرات والأعطال التي تفرّق مسارات الرحلات عشوائياً. الانقلابات البسيطة الناتجة عن تحميل غير متوازن للعربات ومسارات متآكلة شائعة، إلى جانب اصطدامات مع الحياة البرية — ففي أغسطس أُلغيت خدمة بعد اصطدام قطار ركاب بجاموس أفريقي أثناء مروره في منتزه موليمو جولیوس نيريري الوطني.
منذ مطلع 2025، تفاقمت الحوادث لتشمل حوادث أكثر خطورة وأوقاتاً مأساوية تكشف الحاجة الملحّة إلى إعادة هيكلة شاملة للبنية القديمة وإدارة سلامة فعّالة. في أبريل انقلبت جرّتان كانتا تُنقلان من زامبيا إلى ورشة إصلاح بمبيا على جسر في جنوب تنزانيا، ما أدى إلى وفاة السائقين الاثنين.
في يونيو، انقلب قطار في زامبيا فصدمته “قطار الإنقاذ” الذي أُرسل لمساعدته، فأسفر التصادم عن مقتل موظف واحد في تازارا وإصابة عشرة من العاملين و19 راكباً، وفق بيان للهيئة.
وبسبب “تحديات تشغيلية غير متوقعة” توقفت خدمة الركاب لفترة وجيزة في أوائل سبتمبر؛ فقد كانت القاطرات القليلة الصالحة للعمل عالقة في تنزانيا بعد أن ألحقت النيران أضراراً بأحد المئات من الجسور على طول المسار.
ومع ذلك، توجد تحسينات كبيرة في الأفق بفضل استثمار ضخم من شركة الإنشاءات الهندسية المدنية الصينية (CCECC)، التي تعهدت بتقديم 1.4 مليار دولار لتجديد خط السكة المتقادم على مدى ثلاث سنوات. ورغم ذكر استمرار خدمة الركاب في الاتفاق، ستستلزم أعمال الإنشاء توقفات مؤقتة في الخدمة العادية أثناء تنفيذ المشروع.
سيُخصص معظم التمويل لإعادة تأهيل المسارات، فيما سيُصرف 400 مليون دولار على 32 قاطرة و762 عربة شحن ونقل، وهو ما سيعزز بشكل كبير من قدرة نقل البضائع والركاب، بحسب بيان تازارا. بالمقابل ستحصل الشركة الصينية المملوكة للدولة على امتياز تشغيل تازارا لمدة ثلاثين عاماً لاسترداد استثمارها قبل إعادته الى السلطات التنزانية والزامبية.