ترامب يسعى لإعادة إحياء الانتداب البريطاني على فلسطين — دونالد ترامب

إدارة ترامب تدفع هذا الأسبوع بمسودة قرار صاغته إسرائيل في مجلس الأمن تهدف إلى محو إمكانية قيام دولة فلسطين. يقوم القرار بثلاثة أمور: يرسخ السيطرة السياسية الأميركية على قطاع غزة؛ يعزل غزة عن باقي فلسطين؛ ويمنح الولايات المتحده، ومن ثمّ إسرائيل، صلاحية تحديد الجدول الزمني لانسحاب إسرائيل المزعوم من غزة — أي الأمر الذي يعني عمليًا عدم حدوث انسحاب على الإطلاق.

هذه إمبريالية متنكرة في ثوب عملية سلام. وفي حد ذاتها، لا تُعد مفاجأة؛ فإسرائيل توجّه في كثير من الأحيان السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. المفاجأة الحقيقية أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد تنجحان في تمرير هذه المهزلة ما لم ينهض العالم فورًا بصوت واحد من الغضب والاستنكار.

تنص مسودة القرار على إحداث مجلس سلام تهيمن عليه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يترأسه لا غير الرئيس دونالد ترامب، ويتمتّع بصلاحيات واسعة تمتد إلى حوكمة غزة وحدودها وإعمارها وأمنها. هذا المقترح يهمّش دولة فلسطين ويجعل أي نقل للسلطة إلى الفلسطينيين رهين رضا مجلس السلام.

إنها عودة صريحة إلى منطق الانتداب البريطاني قبل مئة عام، مع فرق وحيد: أن الولايات المتحدة ستحمل الانتداب بدل المملكة المتحدة. لو لم يكن الأمر مأساويًا لكان مضحكًا. كما قال ماركس، التاريخ يعيد نفسه أولًا كمأساة ثم كمهزلة. نعم، الاقتراح مهزلة، ولكن إبادة إسرائيل ليست مهزلة؛ إنها مأساة من الطراز الأول.

بشكل مدهش، تمنح مسودة القرار مجلس السلام سلطات سيادية في غزة. تُترك مسألة السيادة الفلسطينية لتقدير المجلس وحده، الذي سيقرر متى يكون الفلسطينيون «قادرين» على حكم أنفسهم — ربما بعد مئة عام أخرى؟ حتى الأمن العسكري سيُخضع للمجلس، والقوات المتصورة لن تردّ أمام مجلس الأمن أو أمام الشعب الفلسطيني، بل أمام «التوجيه الاستراتيجي» لمجلس السلام.

يقرأ  انطلاق الحملات في ميانمار تحت الحكم العسكري قبيل انتخابات صورية

يُطرح هذا القرار الآن لأن بقية العالم — عدا إسرائيل والولايات المتحدة — استيقظ على واقعين متلازمين. الأول: أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، واقع يتجلّى يوميًا في غزة وفي الضفة الغربيه المحتلة، حيث يُقتل فلسطينيون أبرياء برضاء الجيش الإسرائيلي وبيد مستوطنين إسرائيليين غير قانونيين. الثاني: أن فلسطين دولة، وإن كانت سيادتها معاقة بفعل الولايات المتحدة التي تستخدم حق النقض في مجلس الأمن لعرقلة عضويتها الدائمة في الأمم المتحدة. في يوليو ثم مجددًا في سبتمبر، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لمنح فلسطين صفة الدولة، وهو ما جعل اللوبي الصهيوني الإسرائيلي‑الأميركي يندفع لتصعيد ضد ذلك وإنتاج مسودة القرار الحالية.

من أجل تحقيق حلم «إسرائيل الكبرى» تتبع الولايات المتحدة استراتيجية كلاسيكية فرق تسد: تضغط على الدول العربية والإسلامية بالتهديدات والحوافز. عندما ترفض دول مطالب واشنطن وتل أبيب تُحرم من تقنيات حيوية، وتُغلَق أمامها أبواب تمويل البنك الدولي وصندوق النقد، وتتعرض لقصف إسرائيلي حتى في دول تستضيف قواعد أميركية. لا تقدم الولايات المتحدة حماية حقيقية، بل تنسّق شبكة حماية تبتز الدول مستغلة نفوذها. ولن يتوقف هذا الابتزاز إلا إذا تحلّى المجتمع الدولي بالشجاعة لوقفة حاسمة ضد هذه الأساليب وأصرّ على سيادة فلسطينية حقيقية والتزام الولايات المتحدة وإسرائيل بالقانون الدولي.

تبقى فلسطين الضحية المستديمة لمناورات الولايات المتحدة وإسرائيل. والنتائج لا تضرب فلسطين وحدها، التي تعرّضت لإبادة صريحة، بل تمتد لتطال العالم العربي وما بعده. إسرائيل والولايات المتحدة في حالة عدائية، علانية أو خفية، عبر القرن الأفريقي (ليبيا، السودان، الصومال)، شرق المتوسط (لبنان، سوريا)، منطقة الخليج (اليمن)، وغرب آسيا (العراق، إيران).

إذا كان مجلس الأمن يسعى لتأمين الأمن الحقيقي وفق ميثاق الأمم المتحدة، فعليه ألا يستسلم للضغوط الأميركية وأن يتصرف بحزم ومتسقًا مع أحكام القانون الدولي. يجب أن يتضمن قرار يهدف فعلاً إلى السلام أربعة بنود أساسية: أولًا، الترحيب بدولة فلسطين كعضوٍ مستقل ذي سيادة في الأمم المتحدة، مع مطالبة الولايات المتحدة برفع فيتوها؛ ثانيًا، حفظ السلامة الإقليمية لدولة فلسطين وإسرائيل وفق حدود عام 1967؛ ثالثًا، إنشاء قوة حماية بتفويض من مجلس الأمن تتألف من دول ذات أغلبية مسلمة؛ رابعًا، وقف التمويل ونزع سلاح كل الجهات المسلحة غير الحكومية وضمان الأمن المتبادل لإسرائيل وفلسطين.

يقرأ  عائلة رجل هارب برفقة أطفاله تناشد بعودته

حل الدولتين هو طريق السلام الحقيقي، لا إبادة شعبٍ أو سياسة إبادة منظّمة لفلسطين، ولا استمرار هجمات مسلحين على المدنيين. آن الأوان ليعيش الفلسطينيون والإسرائيليون بأمان، وأن تتخلى الولايات المتحدة وإسرائيل عن وهم السيطرة الدائمة على الشعب الفلسطيني.

الآراء الواردة هنا تعود للمؤلفين ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لقنـاة الجزيرة.

أضف تعليق