كييف تؤثر الصين في مسار الحرب الروسية-الأوكرانية
في كييف يتكرر التحذير نفسه: مكونات الصواريخ المسيّرة وأنظمة التشويش وحتى الكابل الليفي الموصول بالطائرات بدون طيار — معظمها من تصنيع صيني، ما يمنح بكين قدرة فعلية على الإيقاف أو التأثير الجوهري في ساحة المعركة. أندريه برونين، مدرّس يدير مدرسة للطائرات المسيرة في العاصمة الأوكرانية، يقول إن “تقريباً كل مكوِّن يُصنَع في الصين… وبكين يمكنها أن تقطع الإمدادات عن الطرفين أو عن أحدهما فقط”.
تُشير تقديرات الاستخبارات الأوكرانية إلى أن الصين تزوّد موسكو بنسبة تقارب أربعة أخماس الطائرات المسيرة والشرائح الإلكترونية والسلع المزدوجة الاستخدام التي تصل إلى خطوط المواجهة، فيما تذكر مراكز بحثية في واشنطن أن 97% من المكوّنات ما زالت تأتي من المصانع الصينية على الرغم من محاولات كييف تقليل الاعتماد على هذه السلع بعد تشديد بكين للقيود التصديرية.
في الوقت نفسه، يراهن بعض القادة الغربيين على أن قمة مرتقبة بين الرئيس الأمريكي ودوره الصيني قد تغيّر المعطيات. الرئيس الأمريكي قال إنه يرغب في مساعدة من بكين للضغط على روسيا، فيما سيجتمع مع شي جين بينغ في بوسان على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ — لقاء هو الأول بينهما منذ 2019. زيلينسكي أيضاً يأمل أن تستهدف واشنطن وبكين جانب الطاقة الروسي، الذي يعد نقطة ضعف واضحة، عبر تقليص صادراته أو الضغط عليها.
لكن خطوات واشنطن الأخيرة — خصوصاً العقوبات المفروضة على عملاق النفط الروسي المملوك للدولة «روس نفط» وشركة لوك أويل الخاصة — قد تؤدي إلى نتائج عكسية، فإجبارهما على بيع أصولهما الأجنبية وتقليص مشاركتهما في مشاريع خارجية يفتح الباب أمام شركات صينية لملء هذا الفراغ وتعزيز نفوذ بكين في آسيا الوسطى وإفريقيا.
تحليلات محلية في كييف، منها تصريحات فولوديمير فيسينكو من مركز بنتا البحثي، تؤكد أن الدور الصيني محوري: دون الدعم والروابط التجارية مع الصين، لن تتمكن روسيا من الحفاظ على آلة الحرب. “لو أرادت بكين وقف الحرب لكان بإمكانها أن تفعل ذلك بسرعة عبر مواقف صارمة في محادثاتها الخاصة مع الكرملين”، يقول فيسينكو، لكنه يضيف أن لدى بكين “لا ميول ولا مصلحة في تقديم هدية للرئيس الأمريكي”.
كما أن تبادل المعلومات الفنية بين موسكو وبكين، خصوصاً بشأن تشغيل الطائرات المسيرة ونقاط ضعف الأسلحة الغربية وإدارة القوات الجوية، يبرز ذلك التعاون الأمني-التقني. وفي ظل تراكم العقوبات الغربية، تستفيد الصين من شراء النفط والغاز والمواد الخام بأسعار مخفَّضة، ما يزوّد روسيا بإيرادات سنوية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
اتجاه آخر ناقشه المحللون يتعلق بإمكانية “تجميد الحرب” بدل إنهائها. بعض المراقبين في كييف وواشنطن وبكين قد يفضّلون حالة من الصراع المستمر بلا حسم تام، لأن هزيمة ساحقة لروسيا قد تخلق فراغاً إقليمياً وسياسياً لا تناسب مصالح أي من القوى الكبرى. إيغار تيشكيفيتش من محلّلي كييف يرى أن واشنطن نشطة في دفع فكرة التجميد، ولا يستبعد أن تسير بكين في ذات المسار لمنع تصاعد تداعيات قد تهدّد استقرار حدودها الشمالية والغربية.
ولأن تجميد الصراع يحمل مخاطرة إعادته إلى الاشتعال بمجرد تعافي الموارد الروسية، تسعى أوكرانيا إلى تنويع شراكاتها وتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وبناء علاقات أقوى مع دول مثل تركيا وباكستان التي تحتفظ بعلاقات طيبة مع الصين. وفي المقابل، تبقى أمام الكرملين أدوات جذب لعرضها على واشنطن، ومنها مشاريع بنية تحتية كبرى، مثل مبادرات لتطوير طريق البحر الشمالي عبر الأرخبيل القطبي لتقليص زمن الشحن بين آسيا وأوروبا. فضلاً، ألصق النص الذي ترغب في إعادة صياغته وترجمته إلى العربية.