تسليط ضوء جديد على رعب الفاشر: وصول ناجين إلى الطويلة في السودان — أخبار حرب السودان

شوارع مغطاة بالجثث، عائلات تفرّقها موجات العنف، وناجون سافروا أيّاماً بلا طعام أو ماء. هذه الشهادات تتدفّق من فارين من مدينة الفاشر غرب السودان، بعد سقوطها بيد ميليشيات شبه عسكرية قبل أسبوع، عقب حصار خانق امتدّ 18 شهراً.

وصلت فاطمة يحيى إلى طويلة، بلدة تقع غرب الفاشر في ولاية شمال دارفور وتسيطر عليها قوة محايدة في النزاع. لا تزال مرعوبة من الأيام الثلاثة التي قضتها جائعة قبل أن تتمكّن أخيراً من الفرار. زوجها وعمها مفقودن. وصفت أن ذكريات ما حصل في الفاشر تفوق الوضوح؛ فهي تكاد لا تجد كلمات تصفها.

«الجثث كانت في كل مكان — في الشوارع، داخل المنازل وعلى أبوابها»، قالت يحيى لِـ«الجزيرة». «أينما تمشي في الفاشر سترى جثثاً متناثرة». شهادة يحيى ليست استثناءً؛ إذ روى عدد من الفارين من عاصمة شمال دارفور وقائع مماثلة بعد أن استولى على المدينة في 26 أكتوبر عناصر قوات الدعم السريع، وهي قوة شبه عسكرية تقاتل الجيش النظامي السوداني. وسيطر الاستيلاء على الفاشر على آخر مدينة كبرى في دارفور كانت تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية، معزّزاً قبضة القوات على المنطقة الغربية الواسعة.

منذ سقوط الفاشر، التي كانت تُعدّ موطناً لأكثر من مليون نسمة قبل الحرب، تزايدت التقارير عن عمليات إعدام جماعي، عنف جنسي ونهب واسع النطاق. صورٌ ملتقطة بالأقمار الصناعية حلّلها مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل حدّدت ما لا يقلّ عن 31 موقعاً ظهرت فيها أجسام يشتبه بأنها جثث بشرية بعد استيلاء المدينة، ترافق ذلك مع تصبّغ أرضي بلونٍ محمرّ حسب الباحثين.

العائلات تتفرّق في خضمّ الفوضى

أجرت الإصابات الناجمة عن القتال الأوّل شقّاً ماثلاً من قسوة رحلة الفارين. فرحت سعيد غادرت الفاشر مع ابنتها رغم إصابتهما بقصف مدفعي قبيل الهجوم النهائي لقوات الدعم السريع. زوجها أصيب بكسر حادّ في الورك جرّاء القصف، فلم تستطع نقله معها واضطرت لتركه وراءها.

يقرأ  الجزيرة: حملة قمع تستهدف الحقوق المدنية

«بقينا تحت الحصار والقصف لمدة ستّة إلى سبعة أشهر»، قالت سعيد. «كان من الصعب جداً تحريك زوجي». وأضافت أن ابنها الذي لا يتجاوز إحدى عشرة سنة ألحّ عليها أن نهرب لننقذ حياتنا حين أصبحت الاشتباكات لا تُحتمل. ظلّ الصبي مع والده — خوفاً من عبور خطوط قوات الدعم السريع لما قد يعرّضه له بوصفه ذكراً حتى لو كان طفلاً.

امتدّت رحلة المشي يومين متواصلين تحت قصفٍ كثيف مروراً بنقاط تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع؛ رحلةٌ لم تكن لتتحمّلها إصابة زوج سعيد. وصلت الأم وابنتها إلى الطويل، على بعد نحو 65 كيلومتراً غرب الفاشر، بلا مال أو متعلقات. وما زالت الابنة بحاجة إلى علاج طبي لإصابتها.

خديجة عبدالله، 46 سنة، عاشت مأساة مماثلة. فقدت زوجها في قصف قوات الدعم السريع قبل عام وأصيبت هي أيضاً. أجبر الحصار السكان على البقاء على أطعمةٍ شحيحة وبديلة.

«لم نحصل على غذاءنا المعتاد، الدخن، لمدّة ستة أشهر»، أخبرت عبدالله «الجزيرة». قالت إنّها اضطرت لأكل “أمباز” — بقايا عصر بذور الزيت التي تُعطَى عادةً للماشية — لعدم توفر بدائل في الفاشر.

بعد ثلاثة أيام على الطريق بلا طعام، وصلت عبدالله مع طفليها إلى الطويل؛ أُدخل أحدهما المستشفى فوراً يعاني من صدمة نفسية شديدة جراء ما شهد. لا يُعرف مصير أطفال شقيقها بينما قُتل عمٌّ آخر في القصف.

تتطابق هذه الشهادات مع دلائل أوسع على عنف ممنهج. أكدت منظمة الصحة العالمية مقتل ما لا يقلّ عن 460 مريضاً في هجمات قوات الدعم السريع على مستشفى الولادة السعودي في الفاشر. وأفاد المتحدث باسم المنظمة، كريستيان ليندمير، أن عمالَ صحة نُقلوا خلال الهجوم الأولي.

المجنون بالوصول إلى برّ الأمان يواجه تحديات صحيّة جسيمة. فرق أطباء بلا حدود العاملة في الطويل كشفت أن الأطفال الوافدين خضعوا لفحصٍ مبكّر وأظهروا حالات سوء تغذية شديدة تصيب كل من هم دون الخامسة من العمر.

يقرأ  ٧ كتب نترقبها في نوفمبر

الناجون يحملون على أجسادهم أدلة العذاب: آثار تعذيب، جراحٍ ناتجة عن رصاص أثناء محاولات الهرب، واضطرابات هضمية ناتجة عن شهور من أكل طعام مخصّص للماشية.

وصلات أقلّ مما كان متوقّعاً

قدّرت المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 70 ألف شخص نزحوا من الفاشر والمناطق المحيطة منذ 26 أكتوبر. ومع ذلك، قال عمال الإغاثة في الطويل، التي تؤوي بالفعل أكثر من 652 ألف نازح، إن أعداد القادمين إليها أقلّ بكثير مما يوحي به حجم سكان الفاشر قبل الحرب.

لاحظ مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل أنه خلافاً لعمليات استيلاء سابقة لقوات الدعم السريع عبر دارفور، مثل هجوم أبريل على مخيم زمزم للنازحين، لم تظهر صور الأقمار الصناعية مؤشرات واضحة على نزوح جماعي من الفاشر في الصور الحديثة.

عندما هرب نحو نصف مليون نسمة من مخيّم زمزم، نجح الباحثون في رصد مئات الأشخاص والعربات الصغيرة على طرقٍ متجهةٍ بعيداً عن المخيم. أما في حالة الفاشر، فخلص الباحثون إلى أن «أغلبية المدنيين إما قُتلوا أو أُسروا أو يختبئون».

وصفت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميرجانا سبوليارِيتش الوضع بأنه «مروع» وحذّرت من احتمال احتجاز عشرات الآلاف دون وصول إلى طعام أو ماء أو رعاية طبية.

نداءات دولية للمساءلة

انضمّ البابا ليو الرابع عشر إلى إدانة دولية متزايدة لما تشهده الفاشر من دمار وقتل، دان «العنف العشوائي ضد النساء والأطفال، والهجمات على المدنيين العُزّل والعراقيل الجديّة أمام العمل الإنساني».

وطالب بوقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرّات إنسانية.

طالب سيناتوران أمريكيان من الحزبين بإجراءات أقوى. دعا السيناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إلى تصنيف قوات الدعم السريع رسمياً كـ«منظّمة إرهابية أجنبية»، واصفاً أعمال العنف بأنها متعمدة لا عرضية.

يقرأ  تقريرُ التشريح يكشفُ أن إيتزيك إلجيرت، الذي احتُجز كرهينةٍ على يدِ حماس، تَعَرّضَ للتعذيبِ حتى الموت

أعلنت قوات الدعم السريع أنها اعتقلت عدداً من المقاتلين، بينهم قائدٌ يُدعى أبو لولو، الذي ظهر في فيديوهات تنفيذ أحكام أُثبتت صحتها من قبل وكالة «سند».

بالنسبة للناجين أمثال يحيى وسعيد وعبدالله، الّذين وجدوا أنفسهم في مخيّماتَ مزدحمة تعاني ندرة الدعم، تبدو أسئلة المحاسبة بعيدة المنال.

أفاد ناشطون في مخيّم الطويل للجزيرة أن موجة الوصول المفاجئة صعّبت على العاملين الإغاثيين توفير المأوى والمواد الأساسية للوافدين الجدد.

«ندعو الله أن يساعدنا»، قالت سعيد، بما يمثّل صوت آلافٍ ساروا نفس الرحلة اليائسة خارج الفاشر.

أضف تعليق