موجز: العام الأول لحكم برابوو سوبانتو لم يرقَ إلى مستوى الوعود
لقد أعلن برابوو سوبانتو أثناء حملته الانتخابية أن إندونيسيا تنتظر نمواً اقتصادياً ديناميكياً وتغييرات اجتماعية واسعة. لكن عامه الأول في الرئاسة واجه صعوبات عملية أعاقت تحقيق تلك الوعود الشعبوية، إذ اصطدمت الطموحات بوقائع أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا.
تدفقت الاحتجاجات الشعبية، لا سيما من الشباب القلقين بشأن فرص العمل، في أواخر أغسطس احتجاجاً على ارتفاع تكلفة المعيشة والفساد وعدم المساواة. اضطرت الحكومة إلى إلغاء بعض الامتيازات السياسية التي أثارت سخط الجمهور، بعد موجة احتجاجات سابقة ذلك العام ضد خفض موازنات الصحة والتعليم. ولم يساعد إطلاق برنامج وجبات مدرسية مجانية بتكلفة سنوية ضخمة تصل إلى نحو 28 مليار دولار؛ فقد أصبح البرنامج محور سياسة الرئيس، وهدفه مكافحة سوء تغذية الأطفال وتحسين النتائج التعليمية وتنشيط الاقتصاد، ووصفه المسؤولون بأنه «استثمار في مستقبل إندونيسيا».
إلا أن صوراً نشرت في الأشهر الأخيرة أظهرت أطفالاً ضعفاء ومعرَّضين للجفاف، بعضهم في سن السابعة، متصلين بالمغذيات الوريدية بعد إصابتهم بتسمم غذائي عقب تناول الوجبات المجانية. ومع إصابة أكثر من 9000 طفل منذ انطلاق البرنامج في يناير، يتساءل المنتقدون إن كان البرنامج يحقق أهدافه أم أنه يستنزف الموارد العامة ويزيد من ديون الدولة. ويحذّر محلّلون من أن هذه الإخفاقات تكشف عن ثغرات أوسع في الإنفاق العام وآليات الرقابة، ما يعكس ضغوطاً أعمق على اقتصاد تبلغ قيمته نحو 1.4 تريليون دولار.
سخط في الشوارع
تمر الأرخبيل الواسع، الذي يقطنه أكثر من 280 مليون نسمة موزعين على آلاف الجزر، بمرحلة حرجة. رغم نمو سنوي مستقر يقارب 5% في السنوات الأخيرة، تشعر إندونيسيا بضغط تباطؤ الطلب العالمي وارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد المنافسة الإقليمية من دول مثل فيتنام وماليزيا، اللتين نجحتا في جذب شركات أجنبية نقلت نشاطها لتقليل الاعتماد على الصين. تجلّت غضبة الشارع في احتجاجات أغسطس التي أودت بحياة عشرة أشخاص، إذ اتهم المتظاهرون الحكومة بتقديم سياسات ومشروعات للواجهة على حساب دعم الاقتصاد اليومي للمواطنين.
يظل برابوو، الذي وضع هدف نمو طموحاً بنسبة 8% بحلول 2029، ووزراؤه يدافعون عن سياساتهم باعتبارها مولدات للوظائف ومحفزات للطلب. وقال وزير التنسيق للشؤون الاقتصادية إيرلانغا هارتارتو لبي بي سي إن لدى إندونيسيا «تجربة في النمو فوق 7%»، مضيفاً أن تحقيق معدلات أعلى ممكن لكن يتعين مراعاة الظروف الاقتصادية والتجارية العالمية. ويؤكد الخبراء أن بلوغ مثل هذا الهدف يستلزم إدارة حذرة للمالية العامة وسياسات جذب استثمارات أجنبية فعّالة.
صندوق ثروة سيادي جديد يحمل اسم «دانانتارا» يركز على مشروعات ذات أثر عالٍ في الطاقة المتجددة والتصنيع المتقدّم، وقد يساهم في تسريع النمو، بحسب آدم سامدين من مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس. ومع ذلك، أثيرت أسئلة عدة حول برنامج الوجبات المدرسية، إذ دعا بعض منظمات الصحة غير الحكومية إلى إيقافه بعد حالات التسمم الجماعية، بينما دافع الرئيس عن إنجازاته مشبهاً برنامجه بتجارب دول مثل البرازيل التي استغرقت أحد عشر عاماً للوصول إلى 47 مليون مستفيد، في حين وصلت إندونيسيا إلى 30 مليون مستفيد في 11 شهراً.
تواجه إندونيسيا تحديات لوجستية فريدة: لا تملك بنية تحتية كافية لتوصيل وجبات آمنة وسريعة إلى المدارس عبر أكثر من 6000 جزيرة مأهولة، من نقل مبرد صارم إلى معايير سلامة غذائية وإنفاذها في المناخ الاستوائي. الاعتماد على شركات متعاقدة يزيد من صعوبة الرقابة على الجودة.
البحث عن الاستثمار
لم تفلت إندونيسيا من تداعيات الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ فتعرف صادراتها إلى الولايات المتحدة رسوماً جمركية تصل إلى 19%. وصف إيرلانغا هذه النسبة بأنها قابلة للمنافسة مقارنة بجيران المنطقة، وتوقع توقيع اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة بنهاية أكتوبر، لكن 19% تبقى عبئاً كبيراً على المصدرين الذين يواجهون كذلك تدفقات سلع صينية تُعاد توجيهها إلى آسيا لتفادي رسوم مرتفعة في أوروبا وأمريكا.
في المقابل، وقعت إندونيسيا أخيراً اتفاقاً تجارياً مع الاتحاد الأوروبي بعد عقد من المفاوضات، ويتوقع هارتارتو أن يرتفع حجم التجارة مع التكتل بمقدار مرتين ونصف خلال خمس سنوات. ومع ذلك، لا تزال مسألة جذب الاستثمارات تحدّياً أساسياً. فالشكاوى من بيروقراطية وتكاليف إقامة الأعمال في إندونيسيا مستمرة، وبالرغم من توافر سوق استهلاكي كبير وموارد طبيعية هائلة من النيكل والنحاس الضروريين للصناعات الخضراء والزيوت النخيلية، فإن هذه القطاعات لا تحتاج قوة عاملة كثيفة كما يفعل قطاع التصنيع، فبالتالي لم تولّد وظائف على نطاق واسع كما حدث في دول مجاورة.
يركز الاستثمار حالياً على الاقتصاد الرقمي بهدف خلق وظائف جديدة ودفع النمو، لكن السؤال المحوري هو ما إذا كان بمقدور النظام التعليمي وتدريب القوى العاملة توفير المهارات المطلوبة لتشغيل مراكز البيانات والمشروعات التقنية. هذه المراكز نفسها تتطلب استثمارات ضخمة، وقد تزيد حالة عدم اليقين بعد الإقالة المفاجئة لوزيرة المالية المحترمة سري مولياني إندراواتي من تخوف المستثمرين؛ فقد تعرّض منزلها للنهب خلال الاحتجاجات، واستبدلت بموظف أقل شهرة هو بورسيا يودهى ساديوى الذي اعتبر أن سبب الاحتجاجات يعود إلى «أخطاء نقدية». بدوره يدعم ساديوى طموح الرئيس في تحقيق نمو سنوي يبلغ 8% بحلول 2029 — نسبة لم تتحقق منذ التسعينيات.
حتى معدل النمو الحالي المعلن بنحو 5% يثير خلافات بين الاقتصاديين، وبعضهم يرى أن البيانات الاقتصادية تعرضت لسياساتٍ تلاعبية لتتماشى مع أهداف الحكومة، وهو ما نفاه إيرلانغا. أما الاقتصاديون فيشيرون إلى مؤشرات مقلقة مثل تراجع مبيعات السيارات وتقلص الاستثمار الأجنبي وانكماش النشاط الصناعي وأخبار عن تسريحات موظفين، كلها تدلّ على ضعف النشاط الاقتصادي بدلاً من قوته.
في المقابل، يذكر سامدين أن اقتصاد إندونيسيا قائم على الاستهلاك الداخلي، ما يعني أن الحجم السكاني الكبير قد يوفّر نشاطاً اقتصادياً مستمراً حتى في حال تباطؤ النمو. هذا قد يطمئن بعض المستثمرين المتفائلين، لكنه لا يعالج التحديات البنيوية الحادة التي تواجهها إدارة الرئيس برابوو.