لورا بيكر — مراسلة الصين، جوهاي
صوت ساعة الذروة في جوهاي على الساحل الجنوبي للصين تبدَّل فجأة إلى عواء الرياح وبَرينِق الأمطار، إذ غطَّت الصفائح الممطرةُ الشوارعَ وأحاطت بالمكان قسوة الريح.
فروع الأشجار المتساقطة وقطع من المعدن بدا أنها انصهرت من حواف المباني، تهافتت على الطرق الخاوية يوم الأربعاء مع اقتراب الإعصار «راغاسا». دوريات الشرطة تجوب الشوارع بمكبرات الصوت تحث السكان على البقاء في المنازل، لكن صفير الهواء الذي يصل إلى نحو 160 كيلومتراً في الساعة يجعل من الصعب سَمْع التحذيرات بوضوح. ومع ذلك، كانت السماء الرعدية وجوهاي المبللة إنذارات كافية؛ فباستثناء درّاجٍ أو اثنين مُصِرّين على الذهاب إلى العمل، التزم معظم السكان بالتوجيهات، فتوقفت حياة هذه المدينة التي تكاد تقترب من ثلاثة ملايين نسمة.
راغاسا، أقوى عاصفة شهدها العالم هذا العام، اجتازت بحر الصين الجنوبي بعد أن ضربت الفلبين وتايوان بعنف. وأفادت السلطات أن ما لا يقل عن خمسة عشر شخصاً لقوا حتفهم في شرق تايوان بعدما فاضت بحيرة جبلية عن ضفافها.
مع ملامسة العاصفة لهونغ كونغ، تكسّرت أمواج شاهقة على الشواطئ وغمرت المناطق الساحلية إلى جانب الرياح والمطر العنيف، ما أدى إلى إصابة أكثر من ستين شخصاً.
وصلت العاصفة إلى اليابسة في الصين مساء اليوم عند الساعة الخامسة بتوقيت المدينة (09:00 بتوقيت غرينتش). وبحلول ذلك الوقت، كان ما يقرب من مليوني شخص في مقاطعة قوانغدونغ ذات الكثافة السكانية العالية — التي تضم جوهاي — قد جرى إجلاؤهم. كما أُصدر انذار أحمر تحسباً للمدّ والجزر العنيفة وارتفاع منسوب البحر.
مع اقتراب عين العاصفة من اليابسة، صبَّ المطر بغزارة على ناطحات السحاب، وكانت الرياح التي كانت بالفعل قوية تزداد ضراوةً مع هبات وأمواج هوائية جعلت الوقوف عمودياً أمراً عسيراً. حتى من داخل الفندق الجديد الذي نزلنا به، صدرت صريرات من الإطارات الزجاجية تحت وطأة الضغط.
الفندق نفسه استضاف بعض الذين جرى إجلاؤهم من المناطق المنخفضة في المقاطعة؛ تتحرك العائلات متبادلةً القلق مع القليل من الأمتعة التي تمكنوا من انتشالها لليلةٍ واحدة، بينما يركض الأطفال في الممرات من شدة الفرح أو ربما الفُرَحة بأنهم لن يلتحقوا بالمدرسة غداً.
جوهَاي مطلعة سياحياً، تضم منتجعات جولف ومدينة ألعاب؛ وتقع على دلتا نهر اللؤلؤ حيث يلتقي البحر. المدينة معتادة على الأعاصير وكانت مستعدة لهذه المواجهة: الأُسَر لصّقت نوافذها، والمتاجر وضعت أكياس الرمال عند المداخل لئلا تتسلل موجات المدّ إلى الداخل.
لم يسود الذعر، بل كان هناك قدر من القبول بالوقوع المحتوم. أبلغنا أن ضباط دوريات الحي قاموا بجولات باباً بباب للتأكد من امتثال السكان والمحلات لأوامر الإخلاء. ووجدنا قلةً مستيئة فقط ممن رفضوا إغلاق مطاعمهم مبكراً خشية فقدان ساعات عمل ومداخيل.
تنتشر مئات مراكز الإجلاء في أنحاء المدينة. الدوريات الشرطية نشِطت مبكراً، ووقف الضباط على زوايا الشوارع والشواطئ لردع الفضوليين عن الاقتراب من الأمواج، فيما جُهِّزت فرقٌ محلية لقصّ الفروع المتدلية وإزالة الأخطار عن الطرق.
السلطات الصينية تمتلك خبرة طويلة في الاستعداد للكوارث الطبيعية، وتأخذ تحذيرات الطقس بجدية بالغة، ليس فقط حفاظاً على الأرواح، بل أيضاً لتفادي الانتقادات التي واجهتها في كوارث سابقة بشأن تقصير مزعوم في حماية الناس.
الإنذارات الآن تصدر قبل أيام من وصول الإعصار. على مدار عطلة نهاية الأسبوع، وحتى قبل أن تضرب راغاسا الفلبين، بدأت هيئة الأرصاد في قوانغدونغ — مركز التصنيع الصيني — تنبه السكان للاستعداد لـ«كارثة مدمرة»، ووصفتها وسائل الإعلام الرسمية بأنها تحذير نادر.
الخبراء في البلاد يتنبؤون بأن مثل هذه الأعاصير ستتكرر وتزداد عنفاً. لكن المشكلة لا تقتصر على الأعاصير وحدها؛ فقد كان هذا العام استثنائياً من حيث التطرّف المناخي: موجات حرٍّ، عواصف، جفاف وفيضانات ومواسم حصادٍ مدمرة.
يُعدُّ إعصار راغاسا اختباراً جديداً لجاهزية الصين، والامطار الغزيرة وإنذارات الانهيارات الأرضية لا تزال قائمة في الأيام المقبلة، ما يذكّر بأن المواجهة لم تنته بعد وأن الاحتياطات باقية ضرورية.