انتُخب خوسيه أنطونيو كاست رئيساً لتشيلي بعد حملة انتخابية هيمن عليها ملفا الأمان والهجرة والجريمة، محققاً فوزاً حاسماً على مرشحة الائتلاف اليساري الحاكمة، جانيت خارا، بأكثر من 58% من الأصوات في محاولته الرئاسية الثالثة.
يمثل فوز كاست أكبر انزياح نحو اليمين منذ نهاية النظام العسكري في 1990؛ وهو سياسي يميني متطرف أعرب مراراً عن إعجابه بأغسطس بينوشيه، الديكتاتور السابق. في أول خطاب له أمام أنصاره بصفته رئيساً منتخَباً قال: «ستعود تشيلي إلى الأمن، إلى زوال الخوف والقلق». وأضاف: «المجرمون والمخلّون بالنظام — حياتهم ستتغير. سنطاردهم ونجدهم ونحاكمهم ثم سنسجنهم».
عمت الفرحة حشود أنصاره في سانتياغو، الذين ارتدلوا الأعلام الوطنية والتقطوا صور سيلفي وهتفوا لدى إعلان النتائج. أحد المؤيدين عبّرت عن تمنّيها استعادة «الأمن والوطنية»، فيما قال آخر إنه يأمل أن يفي كاست بوعوده ويركز على ملف الأمن بعد تزايد شعور عدم الأمان في الشوارع.
طوال الحملة، صور كاست تشيلي بلدًا ينهار نحو الفوضى وانعدام الأمن، وتعهّد بإعادة النظام وتشديد سياسة الهجرة غير النظامية عبر إجراءات صارمة تشمل بناء جدار على الحدود الشاسعة مع بيرو وبوليفيا وإنشاء سجون ذات أقصى درجات الحراسة وترحيل جماعي لآلاف المهاجرين، كثيرون منهم من فنزويلا. كما بدا كاست متأثراً بسياسات دونالد ترامب ويُتوقع أن يصبح حليفاً مقرباً له.
رغم أن تشيلي تُصنّف من بين أكثر دول أمريكا الجنوبية أمناً واستقراراً، فقد أثار ارتفاع الهجرة والجريمة المنظمة قلق ناخبين كثيرين، وربط كاست بين الظاهرتين. بينما يعتبر منتقدوه أن المخاوف مبالغٌ فيها، وتشير بعض الدراسات إلى أن معدل القتل آخذ في الانخفاض وأن المولودين في الخارج يرتكبون جرائم أقل في المتوسط. إلا أن إدراك تزايد انعدام الأمن كان الدافع الأساسي للعديد من الناخبين لصالح كاست.
بعض المؤيدين أعربوا عن رغبة في «استئناف عمل بينوشيه»، معتبرين أن الحقبة الديكتاتورية جلبت—حسب قولهم—هدوءاً واستقراراً على الرغم من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي رافقتها. يُذكَر أن شقيق كاست كان وزيراً أثناء حكم بينوشيه، وأن والده انتمى في السابق إلى حزب نازي؛ وبينوشيه قاد انقلاباً عسكرياً مدعوماً أميركياً عام 1973 وأسّس نظاماً عسكرياً دام 17 عاماً تميز بانتهاكات جسيمة واختفاءات قسرية وسياسات اقتصادية تعتمد السوق الحرة.
من جهة أخرى، بدا اليمين المتطرف مخيفاً لأنصار جانيت خارا وأنصار اليسار الذين يحذّرون من عودة فصول مظلمة من التاريخ التشيلي. عقب إعلان النتائج كتبت خارا أن «الديمقراطية تكلمت بوضوح» وتمنت لكاست النجاح «من أجل مصلحة تشيلي»، مؤكدة استمرار العمل من أجل تحسين حياة المواطنين.
أعرب بعض الناخبين عن تشككهم في إمكانية تنفيذ وعود كاست، ومن بينهم من اعتبر أن هدف ترحيل نحو 360,000 مهاجر غير نظامي «أمراً مستحيلاً عملياً». كما يُعرف عنه معارضته للإجهاض حتى في حالات الاغتصاب وموقفه السلبي من سياسات الحماية البيئية. ومن المتوقع أن يلقى فوزه ترحيباً من المستثمرين إذ وعد بتوسيع دور السوق وتقليص حجم الدولة وتنظيم قطاعات معينة.
كانت هذه أول انتخابات رئاسية في تشيلي تُطبّق فيها قاعدة إلزامية التصويت مع تسجيل تلقائي للمؤهلين، ما ترك بعض الناخبين يشعرون أنهم اضطروا لاختيار «الأقل سوءاً». وصف آخرون المرشحين بأنهما طرفان متطرفان متقابلان، بينما عبّرت قيادات عن أملها في أن يشكل الفوز تغييراً يستجيب لاحتياجات البلاد.
يندرج فوز كاست ضمن موجة انتقالات سياسية لليمين شهدتها دول في أمريكا اللاتينية مؤخراً، ومن المرجح أن يؤدي أداؤه إلى تغيير في سياسة الهجرة والأمن والاقتصاد على الساحة التشيليّة. من المقرر تنصيبه في 11 مارس 2026، وخلال حملاته كان يعدّ المهاجرين غير النظاميين بضرورة مغادرة البلاد قبل ذلك التاريخ إن رغبوا في العودة لاحقاً.
ملاحظة: بعض الانتقادات خلّفت انطباعًا متبايناً حول آثار هذا التحول السياسي على الحقوق والحريات والاقتصاد الوطني، وتبقى الحقيقة معتمدة على سياسات التطبيق والضغوط الداخلية والخارجية على حكومة كاست المستقبلية.