قوات الدعم السريع تصعّد نحو كردفان
قوات الدعم السريع تُواصل زحفها بعزم للاستيلاء على أجزاء من ولاية كردفان الوسطى، مستهدفة مدناً ومراكز مثل بابنوسة والأُبَيِد. بعد انتصارها الذي سجّلته في الفاشر بشمال دارفور الشهر الماضي، حيث ارتفعت حصيلة القتلى إلى ما لا يقل عن 1500 شخص ونزحت آلاف العائلات، يبدو أن المبادرة متجهة الآن لصالحها.
الجيش السوداني لا يزال قادراً على صد محاولات الاقتحام في مركز عبور رئيسي مثل بابنوسة، لكنه يواجه صعوبات بالغة في المحافظة على السيطرة. وفي حال سقوط المدينة، فستتيح الطريق أمام الدعم السريع للضغط نحو الأبيض شمال كردفان، بوابة حيوية تؤدي نحو الخرطوم.
تغيّرت موازين الحرب منذ إخراج الدعم السريع من الخرطوم في مارس؛ فبعد خسارة الفاشر المتعلقة بسيطرة كامل دارفور، بات الجيش التقليدي معرضاً لخطر فقدان كردفان أيضاً. كما تشير المحللة السياسية داليا عبدالمنعم إلى أن حليفاً للدعم السريع، الحركة الشعبية – شمال، يسيطر بالفعل على جبال النوبة بجنوب كردفان، ما يعزز ثقل التحالفات الميدانية. ووفق رأيها، فحميدتي لم يكن ليكتفي بالسيطرة على دارفور فقط، بل يطمح إلى النفوذ على مستوى أوسع في البلاد.
مع تشعب خطوط الإمداد وصعوبة الحصول على أسلحة موثوقة، يرى بعض المحللين أن توازن القوى يتحول لصالح الدعم السريع. الجيش سيبقى ضعيفاً ما لم يحصل بشكل معجزة على ترسانة توازي أو تفوق ما لدى الطرف المقابل.
مفاوضات وقف إطلاق النار
تجري جهود وساطة من قبل ما يُعرف بـ«الرباعي» (مصر، السعودية، الإمارات، والولايات المتحدة) سعياً لوقف القتال، لكن التقدم الميداني للجماعات المسلحة استمر رغم ذلك. رئيس الجيش عبد الفتاح البرهان رفض اقتراح وقف إطلاق النار المقدم من الرباعي، متهماً الإمارات بدعم الدعم السريع — اتهام تنفيه أبوظبي — ومعتبرًا أن الصفقة تميل لصالح الطرف الآخر. من جهته أعلن الدعم السريع عن هدنة إنسانية أحادية الجانب مدتها ثلاثة أشهر، لكن العمليات على أرض الواقع لم تتوقف، ولا سيما قصف بابنوسة الذي استمر بعد الإعلان.
بعض المراقبين يربط بين ضغوط الرباعي على التوصل لوقف إطلاق النار وسعي كل طرف لتعزيز موقعه بسرعة قبل أي تحول ممكن أثناء الوساطة. خلال موسم الأمطار الصيفي تراكمت الأسلحة وقوى القتال، ومع جفاف الأجواء باتت هذه القدرات تُوظف الآن في المعارك، لا سيما وأن الدعم السريع استمد ثقة بعد فوزه في الفاشر.
أهمية كردفان استراتيجيًا
تكمن أهمية كردفان في مواردها الزراعية والرعوية والنفطية، ما يجعل السيطرة عليها مكسباً اقتصادياً واستراتيجياً كبيراً. كما يربط موقع بابنوسة قوات الدعم السريع في دارفور بالأُبَيِد؛ فإذا ما استحوذوا عليها فسيتمكنون من تهديد الأبيض ومحاولة حصاره، ثم إعادة نشر بعض قواتهم نحو الأهداف الكبرى. سقوط المدينة سيشكل صدمة سياسية واقتصادية كبيرة، إذ تُعد مركزاً تجارياً وإدارياً إقليمياً يعزز قرب الدعم السريع من الخرطوم.
التحلل السياسي والهوية
يتجاوز الصراع حدود الساحة العسكرية إلى إعادة رسم الخريطة السياسية والعرقية للسودان. فالانقسام الإقليمي الذي تعمّق بعد سقوط الفاشر يُرافقه تعدد مسلّحٍات تعلن الولاء للجيش أو للدعم السريع أو تعمل مستقلة، وكل منها تسيطر على دويلة محلية.
لكن الجوهر الحقيقي لتفكك السودان، بحسب بعض المحللين، هو الانقسام على أساس الهوية؛ إذ أصبحت الحرب تُؤطر بصيغٍ عرقية من قبل الطرفين لتعبئة المجندين، ما أدى لانقسام المجتمعات حول من يخدم مصالحهم الإثنية: الجيش أم الدعم السريع أم مجموعات أخرى. هذا التحوّل في طابع الحرب يقوّي قوى التفكك ويضعف أية رؤية وطنية جامعة على الصعد الفكرية والعسكرية والسياسية والاقتصادية.
وتحذّر بعض الأصوات من أن ثمة عناصر ضمن الجيش قد تفضّل استمرار تفكك البلاد إذا مكّنها ذلك من الحفاظ على سلطة على مناطق «السودان العربي»؛ فهي قد تعتبر خسارة دارفور أمراً ثانوياً مقابل بقاء نفوذها، والتخلي عن بعض التحالفات لـ«التحكّم» في الجزء الآخر من البلاد. هذه الاستراتيجية قد تُفقد الجيش روافع شرعيته أمام الرأي العام الذي قد يحمّله مسؤولية تفكك الوطن.
ومع أن كثيرين في دارفور غير عرب تعرضوا لهجمات مركّزة من قبل الدعم السريع، ترى بعض التحليلات أن تجاهل دارفور سيجعل أي مشروع عسكري-سياسي غير مستدام: بدون تحالفات القوى المشتركة والقبائل والجماعات الأخرى تحت مظلة سياسية-عسكرية موحّدة، لن يستطيع الجيش حسم النزاع، وكيف سيبرر أمام الجمهور فقدان أو تفكك البلاد؟
رأي أكثر تحفظاً
من جهته، يتبنى اللواء المتقاعد عمر أَرْباب موقفاً أكثر حذراً، مرجعاً الأمر إلى منطق عسكري وتوازن مصالح معقدة لا تزال قابلة للتحول بتغير المعطيات الميدانية والدولية. رغم اعترافه بوجود انقسام فعلي على الأرض، يرى أرباب أن التقسيم الرسمي غير مرجح. «التقسيم ليس مطروحاً حالياً، لأن هيكل التحالفات على الجانبين يستلزم مشروعاً سياسياً يُعنى بالسودان بأكمله. التعقيدات الاجتماعية وتعدد الجهات الفاعلة تجعل مثل هذا الخيار في غاية الصعوبة.»
التداعيات الإنسانية
مع اتساع خطوط الجبهة، باتت كردفان تواجه احتمال وقوع كارثة إنسانية تقارب تلك التي شهدتها دارفور. أشارت عبدالمنعم إلى موازاة مباشرة مع التحذيرات التي صدرت قبل سقوط الفاشر. «الفظائع التي سترتكب ستكون على مقياس مختلف،» حذّرت. «قد لا نرى تسجيلات الفيديو كما في السابق، لكن الجرائم ستُرتكب بلا شك.»
قالت عبدالمنعم إن تقاعس المجتمع الدولي قد زاد من جرأة جميع الفاعلين المسلحين. «حالة افلات من العقاب سائدة، وستتفاقم كلما ظل المجتمع الدولي يكتفي بإصدار بيانات ولا يقوم باجراءات فعلية.»
أعاد أرباب تأكيد هذا القلق. أشار إلى أن الاهتمام العالمي تركز على الفاشر لأن العنف هناك احتوى عناصر تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية. لكن ديناميات كردفان تختلف؛ ففي بابنوسة تنتمي قوات الجيش وقوات الدعم السريع إلى مجتمعات قبلية وعرقية متداخلة، مما يجعل طبيعة العنف تختلف عن المجازر العرقية في دارفور. ومع ذلك تظل المخاطر بالغة: القتل الانتقامي، الحصارات، والنزوح الجماعي.
حذّرت خير من أن الوصول الإنساني إلى كردفان بات شبه مستحيل. «لا أتوقع أن يمنح الجيش تصريح عبور، ولا أرى قوات الدعم السريع تسمح بدخول المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها.» وعلى عكس دارفور، تفتقد كردفان لحدود مفتوحة يمكن توجيه المساعدات عبرها. «تصبح مشاكل الوصول أكثر حدة كلما ابتعدنا عن الحدود الدولية.»