تقرير: قصف سلاح الجو للبلدات والأسواق والمدارس أدى إلى مقتل المئات

مشروع «سودان ووتنس» التابع لمركز المرونة المعلوماتية (CIR) يوثّق قصفاً جوياً واسع النطاق استهدف أحياء سكنية وأسواقاً ومدارس ومخيمات نزوح منذ اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023، وأسفر بحسب تحقيقه عن مقتل ما لا يقل عن 1,700 مدنياً وإصابة نحو 1,120 آخرين — أرقام تؤكدها قاعدة بيانات شاملة جمعت 384 غارة جوية بين أبريل 2023 ويوليو 2025، ويعتقد القائمون على المشروع أن هذه الأرقام محافظة لكونهم اعتمدوا أدنى التقديرات المتاحة.

تحليل البيانات يبيّن أن القوة الجوية السودانية نفّذت غارات مستخدمة قنابل غير موجهة في مناطق مأهولة بالسكان؛ ومن الخصائص الأساسية للدراسة أنها ركّزت على هجمات الطائرات الحربية التي تُشغّلها وحدها القوات المسلحة السودانية (SAF)، في حين أن القوات النظامية المناهضة، قوات الدعم السريع (RSF)، لا تملك طائرات ثابتة الجناح وإنما تشن ضربات بطائرات مسيّرة — التي استُثنيت من منهجية هذا البحث.

قضايا بارزة وأمثلة ميدانية:
– في مخيم زمزم للنازحين بشمال دارفور وثّق المشروع مقاطع وصوراً لوجود قنبلة جوية لم تنفجر داخل حفرة انفجار، وتطابقت مواصفاتها مع القذيفة SH-250 المنتجة من قبل شركة صناعات عسكرية محلية — وهو دليل مباشر على استعمال ذخائر غير موجهة بالقرب من مخيم مدني. هذه المطابقة أشار إليها القائمون على التحقيق كونها من أكثر النتائج إزعاجاً لديهم.
– قصف سوق حمرة الشيخ في شمال كردفان أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 30 شخصاً وإصابة نحو 100، وفق تقارير موثوقة.
– غارة على مستشفى في مدينة الديّن في أغسطس 2024 وثّقت تعرض المبنى لشظايا ودمار؛ ومنظمات دولية أفادت بمقتل 16 مدنياً بينهم أطفال وعامل صحي.
– سوق الكومة شمال الفاشر تعرّض لقصف في أكتوبر أدى إلى مقتل نحو 65 شخصاً وإصابة 200، وصور الأقمار الصناعية بيّنت آثار حروق جديدة في الموقع بعد الهجوم.

يقرأ  الأمين العام للأمم المتحدة: استيلاء إسرائيل على مدينة غزة يمثل «تصعيدًا مميتًا»

منهجية التحقق:
اعتمد «سودان ووتنس» على معلومات مفتوحة المصدر، قيّم موثوقية المصادر، وحلل اللقطات المنشورة على وسائل التواصل وصور الأقمار الصناعية؛ ودرج مستوى المصداقية لكل حادثة بين منخفض ومتوسط وموثوق كلما توفرت دلائل مادية مثل شظايا، حفر أثر انفجار أو ذخائر غير منفجِرة. الفريق يؤكد أن صعوبة الوصول إلى مناطق النزاع وضعف الاتصالات وندرة اللقطات التي تلتقط الطائرة مرتكبة الفعل تجعل الأرقام أقل من الواقع، لكنها تمنح صورة أوسع عن نمط الحملات الجوية.

أنماط مكررة واستنتاجات:
التحليل يُظهر نمطاً متكرراً من الضربات ضد أحياء سكنية وأسواق ومرافق إنسانية وطبية أساسية، ما يشير إلى قصور واضح في اتخاذ إجراءات فعّالة لتجنّب وقوع إصابات بين المدنيين. خبراء تتبّع الأسلحة رأوا أن فقدان دقة الذخائر لدى الطرفين، وغياب أسلحة موجهة دقيقة لدى القوات الحكومية، يؤديان إلى استهداف مناطق مكتظة بالمدنيين بدلاً من مواقع عسكرية محددة.

المسؤوليات والردود:
القوات المسلحة السودانية لم تُدْلِ بردود متكررة للبيانات لكن سبق أن نفَت استهداف المدنيين وادعت أن غاراتها موجَّهة إلى تجمعات ومواقع تابعة لقوات الدعم السريع تُعَد أهدافاً عسكرية شرعية. في المقابل، تُدان قوات الدعم السريع دولياً بتهم ارتكاب مجازر عرقية في دارفور وُصِفتَ من بعض الجهات بأنها قد ترقى إلى جرائم إبادة جماعية. منظمات دولية ودبلوماسيون دعوا إلى مساءلة مرتكبي هذه الجرائم بغض النظر عن الطرف.

تحوّل التكتيكات وتداعيات إنسانية:
رصد المشروع تحوّلاً نحو استخدام الطائرات المسيّرة من الطرفين في الأشهر الأخيرة، ما يزيد من وتيرة واستهداف التجمعات المدنية. الهجمات على الأسواق لا تقتصر آثارها على الخسائر البشرية بل تدمّر سبل العيش وتفاقم الأزمة الإنسانية، بينما يستمر النزوح الجماعي من مناطق المواجهة.

توصيف الخبراء:
قائد المشروع مارك سنوك يقول إن التركيز الدولي على تجاوزات قوات الدعم السريع مبرر، لكنه يؤكد أن القوات المسلحة أيضاً يجب أن تُحاسب على عملياتها الجوية. وجاستن لينش من مجموعة Conflict Insights يؤكد أن المدنيين هم من يتحملون العبء الأكبر وأن القوة الجوية والذخائر الثقيلة تستهدف مواقع مدنية أكثر مما تستهدف أهدافاً عسكرية.

يقرأ  حصيلة قتلى الانهيار الأرضي في كينيا ترتفع إلى 26، والفيضانات المفاجئة تعرقل جهود البحث عن ناجين

خلاصة:
التحقيق يرسم لوحة مقلقة عن حرب جوية تمارس ضغوطاً قاتلة على السكان المدنيين في السودان، ويؤكد الحاجة لآليات توثيق مستقل ومحاكمات ومساءلة لضمان حماية المدنيين واحترام القانون الإنساني الدولي، مع ملاحظة أن هذا الملف سيظل مفتوحاً أمام تحديثات لاحقة كلما توفرت بيانات إضافية.

أضف تعليق