تواصل المعلمين كيف ينهض التعليم وتتعمق الخبرات التربوية؟

التحول الرقمي ووسائط التواصل الاجتماعي أعادا تشكيل أُطر التعليم جذريًا. ليس الأمر تأثيرًا عابراً أو تحوّلًا تدريجيًا فحسب؛ فقد تغيّر كل شيء: الأدوات، والجمهور، والوصول إلى المحتوى، والبيانات، وفرص التعلم.

إن هذا الإزاحة والاستبدال سيستمر بالتسارع مع توسيع إعادة تصور مهنة التدريس في ضوء التقنيات الناشئة والاختلافات العالمية. لا يعني ذلك أن كل صف أو مدرسة أو إدارة أصبحت متقدمة فجأة، بل يعني أن التعليم — والأهم طلابه — قد تغيّروا بالفعل، ما غيّر النبرة والسياق اللذين تُقدَّم فيهما الخبرات التعليمية إلى الأبد.

في نهاية المطاف ستلحق أنظمة التعليم بهذا التغيّر؛ ستدرك أن العالم قد تقدّم وأنّ أيّ رمزية لـ«المدرسة» لا تُبطئ تقدم الوقائع. المشهد يشبه مقطعًا من رسوم متحركة قديمة حيث يواصل الكايوتي الركض في الهواء حتى يدرك فجأة أن الأرض ليست تحت قدميه فيسقط.

المعلمون كمحرّكي التغيير

أحد أهم المحركات في هذا السياق الجديد هو التكنولوجيا، والأهم منها العنصر البشري الذي يقف وراءها: المعلمون.

عندما يتواصل المعلمون، يحدث الكثير — أشياء دقيقة وأخرى ظاهرة: ضغوط جديدة، حماس جديد، سير عمل مختلف، تحديات متجددة. كما في الفيزياء، تداخل شيء مع آخر يولّد أثرًا؛ وفي الكيمياء قد تكون النتيجة أكثر إثارة — تفاعلات تقود إلى نتائج غير متوقعة.

عندما يتواصل الناس تنهض آثار واضحة؛ ورغم انَّها لا تكون دائمًا إيجابية، فإن البديل — عدم التواصل — يبدو خيارًا غير ذي معنى.

ماذا يحدث عندما يتواصل المعلمون؟

– يطّلعون على أفكار جديدة: يتساءلون عما يفعله زميلهم، ما الأدوات التي يستخدمها، لماذا يتبنّى أسلوبًا بعينه، وما الذي يمكن تناقله وتبنيه.

– يضطرون إلى الفهم العميق: لقاء معلم بآخر يدفع الدماغ تلقائيًا إلى تفسير نهجه وأدواته وطريقة تفكيره. المقارنة واكتشاف القواسم المشتركة وتحليل الممارسات يصبحان شبه تلقائيين.

يقرأ  الذكاء الاصطناعي في التعليم المعاصرإعادة رسم ملامح التعلم لمستقبل أفضل

– يُمتحَن صدقهم المهني: قد ينجح بعض المعلمين في إعطاء صورة أن طلابهم يمارسون مواطنة رقمية أو يقودون تعلمهم بأنفسهم، لكن زملاءهم المتواصلين سيكشفون التباينات؛ التواصل يُلزِم بالمصداقية أو بالإتقان في التمثيل.

– يُواجهون حدود معرفتهم: قد يظن معلم أنه مُلم بمنهجية المشاريع، فيكفي تغريدة أو فيديو قصير ليُبيّن الفرق بين «تنفيذ المشاريع» و«التعلّم عبر المشاريع». العمل المنعزل نادرًا ما يفرض هذا النوع من المراجعة الذاتية.

– يتعلمون من ذوي التخصص: ربما تكون أنت مرجعًا في التكنولوجيا المتنقلة أو التعلم الاستقصائي داخل مؤسستك، ثم تلتقي بمن له خبرة أوسع فتدرك مقدار المساحة التي يمكنك أن تنمو فيها.

– يختارون شروط الارتباط: هل العلاقة دائمة أم مؤقتة؟ عبر الإنترنت فقط أم وجهًا لوجه؟ ودّية أم حوارية؟ ذات مصلحة أم عبثية؟ التحكم في طبيعة الاتصال من ميزات المعلمين المتواصلين.

– يمارسون التعاطف: التواصل يسمح بفهم الآخر فقط عندما تترك خلفك جدول أعمالك وتشارك شعوره وطريقته في التفكير.

– يردّون الجميل: الاتصالات الفعالة تتيح التبادل؛ كلما توسعت شبكة المعلم، ازدادت قدرته على مساعدة الآخرين.

– تقلّ لديه المبررات لعدم التغيير: صعوبة الادعاء بأنك «لم تكن تعرف» تقلّ لدى المعلم المتصل؛ قد يبقى الخيار في إعادة تقييم الممارسة، لكن الجهل يصبح أقل مقبولية.

– تظهر مطالب معرفية جديدة: القدرة على المسح والتقييم والانتقاء والاستخدام تصبح محورية، وبناء هوية مهنية إلكترونية وتنمية شبكة التعلم المهنية لا تقل أهمية عن الاتصال بأولياء الأمور أو تقييم الطلاب.

– يتعلّمون تظهير أفكارهم: الحاجة إلى مشاركة التفكير مع جماهير مختلفة تصبح فورية؛ لم يعد النقاش مقتصرًا على محاولة إقناع زملاء القسم، بل الانضمام إلى حوار مستمر لا يتوقف.

– يتعرّضون لدفع فِكري: قد يواجهون ضغطًا من الأقران لتعديل مواقفهم بما يتوافق مع «الوضع السائد»؛ هذا الضغط ليس بالضرورة إيجابيًا أو سلبيًا بذاته، لكنه يفرض إعادة فحص ما يؤمنون به ولماذا.

يقرأ  فرق الإنقاذ في نيجيريا تواصل البحث عن عشرات المفقودين إثر انقلاب قارب

يتكيّفون، يندمجون، يرفضون أو يستوعبون تدفقًا دائمًا من التصورات والإمكانيات.

وتصبح الصفوف مختبرات للتعلم. كل هذه الأفكار الجديدة لا تذهب هباءً؛ تجد طريقها إلى ممارسات وتجارب صفية تُجرَّب وتُقاس وتُطوَّر.

أضف تعليق