أفرجت وزارة العدل الأسبوع الماضي عن أكثر من 33 ألف صفحة من الوثائق المتعلقة بتحقيقها في قضية الاتجار الجنسي للأطفال التي ارتبطت بجيفري إبستين. على الرغم من ذلك، ساد اعتقاد سريع بأن أغلب ما نُشر كان متاحاً بالفعل للعامة أو لا يحمل جديداً ذا قيمة، لكن موجة النشاط السياسي والإعلامي خلال الأيام الأخيرة أعادت القضية إلى الواجهة.
في بداية الأسبوع أعادا النائبان الجمهوري توماس ماسي من كنتاكي والديمقراطي رو كانا من كاليفورنيا تحشيد الدعم لمبادرة برلمانية تهدف إلى فرض تصويت في مجلس النواب على نشر كامل ملفات الحكومة حول إبستين. وبعد ذلك عقد عدد من الناجين من اعتداءات إبستين وذووهم مؤتمراً صحفياً على درجات الكابيتول مطالبين بالإفصاح الكامل وداعمين لهذه الخطوة. تجمع الضحايا أعاد وجوه المتضررين إلى المقدمة، مع تأكيد راسخ منهم أنهم لن يصمتوا.
تصاعد الضغط على ترامب
قد يمثل مؤتمر الضحايا لحظة فاصلة في السرد العام. طوال الفترة الماضية دار الحوار العام بعيداً نسبياً عن وجوه الضحايا ومآسيهم، وتركز على قوائم العملاء وإمكانية تورط الأثرياء والنافذين. لكن الظهور العلني للمتضررين قلب هذا المشهد وأعاد البعد الإنساني إلى محور النقاش.
يحاول دونالد ترامب منذ شهور تقليل أهمية الانتقادات الموجهة لإدارته بشأن تعاملها مع قضية إبستين، واصفاً الأمر بأنه «مؤامرة» من خصومه السياسيين. هذه الاستراتيجية نجحت في مناسبات سابقة، إلا أنها تواجه صعوبة أكبر هذه المرة. وإذا نجح ماسي وكانا في فرض تصويت ملزم لنشر كل الملفات المتبقية، وظهرت فيها معلومات جديدة قد تضر سياسياً بترامب أو بشخصيات بارزة أخرى، فقد تنفتح أمام القضايا سدٌّ لم يعد قابلاً للكبح.
نفى البيت الأبيض تقريراً لصحيفة وول ستريت جورنال يفيد بأن المدعي العام أخبر ترامب في مايو أن اسمه ورد في ملفات التحقيقات المتعلقة بإبستين، الذي قتل نفسه حين كان محتجزاً انتظاراً للمحاكمة. صحيح أن علاقة صداقة ربطت ترامب بإبستين في تسعينيات وبدايات الألفية، لكن كون اسم الشخص مذكوراً في ملف أو بيان ليس دليلاً على ارتكاب جرم؛ ولم تتهمه التحقيقات رسمياً بأي مخالفة متصلة بهذه القضية.
حتى في غياب «قائمة عملاء» رسمية تضم نخب المال والنفوذ، قد تسعى الضحايا إلى خلق مثل هذه القائمة بأنفسهن: لقد وعدن بجمع أسماء من يربطنهم صلات وثيقة بإبستين وكانوا مرتبطين بجرائمه. كما صرّحت النائبة ماجوري تايلور غرين: «لا أخشى تسمية الأسماء، وإذا أرادوا أن يعطوني قائمة فسأدخل إلى قاعة مجلس النواب وسأنطق بكل اسم أساء لهؤلاء النساء.» هذه العناصر مجتمعة قد تغذي الحملة الإعلامية مع انتقال الصيف إلى الخريف.
يستمر الهمس ولا ضرر كبير
ثمة احتمال آخر: ألا تحمل الوثائق الجديدة ما يستحق النشر فعلاً، أو أن جهود الكونغرس لإجبار الكشف العام تفشل بفارق ضئيل. حتى وإن ظهر الضحايا بشكل أوضح أمام الرأي العام، فإن المتغير الحاسم في دفع دورة الأخبار وتغيير الرأي العام هو بروز وقائع أو إفصاحات جديدة ملموسة.
في هذا السيناريو، لا تختفي قضية إبستين تماماً لكنها لا تتحول إلى أزمة سياسية طويلة الأمد تلحق ضررًا جوهرياً بإدارة ترامب؛ تبقى مجرد إلهاء لا تعطيل. ومع استعداد الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الكونغرس النصفية المقبلة التي تبدو متقاربة النتائج، فإن أي أثر سلبي طفيف على قبول الناخبين قد ينعكس في صناديق الاقتراع.
أشار ترامب يوم الثلاثاء إلى صعوبة إخماد نظريات المؤامرة، مشبهاً الحالة بما حصل بعد اغتيال جون كينيدي عام 1963 وإصداره أوامره بنشر مزيد من الوثائق الحكومية. وقال: «هذا يذكرني قليلاً بمسألة كينيدي… أعطيناهم كل شيء مراراً وتكراراً ولا أحد يرضى.» وعلى نحو مماثل، واجه البيت الأبيض في الماضي شائعة حول مكان ولادة الرئيس باراك أوباما، ونُشرت شهادات الميلاد الطويلة والقصيرة لكنها لم تطفئ الشكوك لدى بعض المشككين، بينهم ترامب نفسه.
تضمحل الأزمة وتخبو وسائل الإعلام
الاحتمال الثالث والأسوأ للجهة الراعية للفضيحة هو أن يثبت ترامب مرة أخرى قدرته على صموده أمام كل الفضيحات. دون إفصاحات جديدة قد يمل الجمهور تدريجياً، أو يُطوى الملف أمام موجة صحفية أو أزمة أخرى تغطيه. حينها ستعود قضية إبستين إلى زوايا الإنترنت والهامش السياسي، متشاركةً في ذلك مع قضايا أخرى أصبحت مقتصرة على قلة مهووسة بها، مثل مؤامرات اغتيال كينيدي أو شبهات هبوط القمر أو شهادة ميلاد أوباما.
قد لا يكون هذا مساراً يضمن العدالة لمن تضرروا — وقد تكون العدالة قد تأخرت كثيراً — لكن في السياسة الأميركية الحديثة ليس من غير المألوف أن تنتهي الأمور بمثل هذا الشكل.