جنة المؤثرين — بالي تتحول إلى ضحية نجاحها

يتصاعد على منصات التواصل الاجتماعي تذمّر السياح من الفجوة بين التوقعات والواقع في بالي، الجزيرة الإندونيسية الشهيرة بجمالها الاستوائي — كيف وصلنا إلى هنا؟

منذ سنوات باتت بالي ملاذًا سياحيًا ساحرًا لآلاف الزوّار، لكن الصورة الحالمة بدأت تتصدّع أمام زحمة الطرق، والضجيج العمراني، وتفاقم مشكلات النفايات والتلوث. إحدى الحالات اللافتة كانت مشاركة زوي راي على يوتيوب في يوليو، حيث قالت من غرفة فندقها: «منذ نزولنا في بالي، شيء ما لم يشعرنا بأنه على ما يرام. جئنا بتوقعات عالية لأننا رأينا على وسائل التواصل الجميع يقضون وقتًا رائعًا». وأضافت: «لو التقطت صورة للمقهى ثم وسعت الإطار، لَرَأيت الواقع». لم تصف زوي بالتفصيل ما رأت، لكنها اكتفت بتغيير وجهة سفرها فجأة إلى دبي لمواصلة الاحتفال بذكرى زواجها.

الأدلة المرئية ليست بعيدة: صور لـ«توقعات مقابل واقع» تتكرر على إنستغرام؛ عشّاق الشواطئ يستمتعون بغروب الشمس بينما تراكم القمامة يطفو على الدرج المؤدي إلى المطاعم، ومجموعات السياح تصطف على الصخور الزلقة أمام الشلالات لالتقاط الصور، ومشروبات السموذي تُقدَّم في الخارج مع قشّ من الخيزران بجانب دراجات نارية تعجّ بالدخان في طرقٍ مختنقة بالازدحام.

في العقد الماضي ارتفعت أعداد الزوار من 3.8 مليون في 2014 إلى 6.3 مليون عام 2023، ويبدو أن 2024 متجه نحو رقم قياسي يتجاوز 7 ملايين سائح أجنبي. ومع هذا النمو تحول تركيز الكثيرين من استكشاف التقاليد والمقدسات إلى النوادي الشاطئية والفيلات الفاخرة والمنتجعات — نمط حياة مترف يسهل على المغتربين الغربيين تحمّله مقارنة بتكاليف بلدانهم الأصلية. كما أصبحت المشروبات الكحولية متاحة بسهولة والملابس الكاشفة أكثر قبولًا مقارنة ببقية أندونيسيا، ما غيّر بدوره صورة الجزيرة لدى الزائرين.

لكن الضغوط المتزايدة على البنية التحتية لم تخلُ من عواقب قاتمة؛ في شهرٍ واحدٍ شهدت بالي فيضانات نادرة أدت إلى وفاة أكثر من اثني عشر شخصًا، وقال المسؤولون إن سوء إدارة النفايات وتوسع العمران غير المنضبط ساهما في تفاقم الكارثة. أعلنت الحكومة المحلية قيودًا على مشاريع البناء الجديدة، لكن كثيرين ينظرون إلى هذه الإجراءات على أنها متأخرة ولا تكفي.

يقرأ  كويزومي، مرشح لمنصب رئيس وزراء اليابان، يتعهد برفع الأجور لمواجهة التضخم

هاشتاغ بالي على إنستغرام

كانت الجزيرة منذ أوائل القرن العشرين مقصدَ رحالة غربيين افتتنوا بجباهها المعبّدة بالمعابد الهندوسية وحقول الأرز. الروحانية والاحترام العميق للطبيعة جزء مركزي من الثقافة الباليّة: قرود وبقر وطيور لها قدسية، والأشجار القديمة تُحسب لها مكانة روحية، وجبل باتور البركاني يُحاط بمعتقدات تحرسه آلهة. كما تقول الكاتبة الرحّالة غيسيلا ويليامز من برلين، «الثقافة الهندوسية البالية صنعت هذا الأسطورة عن المكان».

لكن الصورة التي تبثها وسائل التواصل اجتماعي باتت تختزل الجزيرة في لقطات جميلة أحيانًا ومُضلِّلة أحيانًا أخرى. تحذّر صانعات محتوى مقيمات فيها مثل هولي ماري من الانغماس في تصفح صور إنستغرام فقط، لأن ذلك يعطي انطباعًا مشوَّهًا عن الواقع؛ السياح كثيرًا ما يلتصقون بمناطق محددة لالتقاط الصور في المقاهي اللطيفة والأماكن القابلة للظهور على الصفحات، ويفوِّتون ثراء الجزيرة الثقافي والطبيعي.

من يعيشون في بالي أو تعمّقوا في أرجائها يذكّرون بأن الجمال الطبيعي ما يزال حاضرًا: مشاهدة الدلافين، والغوص، والمناظر الخلّابة في الشمال الهادئ. كما تؤكد كاني كلاوديا، التي انتقلت من جاكرتا إلى بالي، أن الجزيرة «أكثر بكثير» من أماكن الاحتفالات التي يقصدها السياح عادة؛ «إذا ظننت أن بالي مكتظة، فربما أنت لست في الأماكن الصحيحة».

«تآكل يومًا بعد يوم»

لكن القاطنين يشهدون تغيّرًا تدريجيًا بفعل ضغوط السياحة. ويشير البعض إلى مفارقة في شكاوى الزوّار من الازدحام: فهم جزء من هذا الحشد. كما يعبر الباحث البالي إِي مادي فيكاناندا عن أن السياح عند الاعتراض على مشاكل مثل الازدحام ينسون أنهم بنيّةٌ للتسبب بنفس المشكلة. الأثر يتراكم: البنية البيئية والثقافية تُنهَك يوما بعد يوم، والانتهاكات العمرانية وسوء إدارة النفايات يظهِران ثمنَ شعبيةٍ جَماهيرية لم تُدرك تبعاتها.

الخلاصة أن بالي، رغم أنها ما تزال تمتلك موارد طبيعية وثقافية غنية، تمر بمرحلة تحوّل تتطلّب توازنًا بين حماية الهوية المحلية والاستفادة الاقتصادية. يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح التدابير الجديدة في إعادة صياغة علاقة الجزيرة بعالم السياحة، أم أن الواقع سيواصل إزاحة الصور الحالمة؟ «نحن من نقود السيارات، ونحن من نخلق الازدحام» — هكذا قال أحد السكان.

يقرأ  إير كندا مهددة بالإغلاق التام ما لم تتوصل شركة الطيران وطاقم الضيافة الجوية إلى اتفاق

تتذكر نِي كاديك سينتيا، البالغة من العمر اثنتين وعشرين سنة، أياماً كانت تمرّ فيها بسكوترها عبر طرق كانغو الهادئة، مروراً بحقول الأرز حيث كانت تتوقّف لتناول الغداء. بعد خمس سنوات فقط، تحوّل كانغو إلى أحد أكثر أماكن الجزيرة ازدحاماً، ورحلتها اليومية إلى منتجع صحي تمرّ بمحاذاة فلل ومقاهٍ، يعقبها صافرات بوق متعجلة طوال الطريق.

«لم أعد أجرؤ على التوقّف هناك، ناهيك عن الراحة» تقول. «كلما مررت الآن بالمكان الذي اعتدت أن أجلس فيه، ينتابني شعور بالحزن. أشعر أن بالي تُتآكل يوماً بعد يوم».

كانت طرق كانغو الضيقة تقطع حقول أرز واسعة؛ أمّا الآن فحوافها مصفوفة بمواقع بناء لا تنتهي. مع ازدياد السياحة، امتدّت الفنادق والمقاهي والبارات من الجنوب المزدحم للجزيرة نحو الشمال، وبرزت كانغو كوجهة جديدة لعشّاق ركوب الأمواج من أنحاء العالم، بعدما كانت قرية صيد هادئة. وتبعها أحياء أخرى مثل أولوواتو وسيمينياك، تغيّرت من ممرّات هادئة إلى نقاط جذب بعدما بحث السياح عن «جواهر مخفية» جديدة.

هذا التحوّل جلب معه مقاهٍ عصرية وصالات رياضة ومساحات عمل مشتركة على طول طرق ريفية ضيقة. بيريرانان شمالاً تُقدّم نفسها الآن كنسخةٍ أكثر هدوءاً من كانغو، وفي أحراش أوبود تُسوِّق المنتجعات لنفسها على أنها ملاذ للهروب من صخب الجنوب.

«هنا مفارقة لا تحسد»، تقول السيدة ماري. «من ناحية، من الجيّد تشجيع الناس على زيارة مناطق مختلفة… لكن من ناحية أخرى هناك خطر، لأن ذلك يحفّز البناء في كل مكان وعلى أي أرض». وتضيف: «بعض الناس يتعاملون مع بالي كما لو كانت ملعباً».

لا يمرّ شهر تقريباً دون أن تتصدّر أخبار سلوكيات السياح المشاغبة العناوين: حوادث خطيرة بعد قيادة السكوتر تحت تأثير الكحول أو دون خوذات؛ طرد أجانب بعد قيامهم بعُري في مواقع مقدّسة؛ ومشاجرات عنيفة بسبب السكر. إلى جانب ذلك، استقرّ آلاف من الروس والأوكرانين في بالي بعد فرارهم من الحرب، ما زاد من حدة التوتّر؛ وقد حذّر رئيس الوكالة الوطنية لمكافحة المخدّرات في إندونيسيا مؤخراً من اتساع مشكلة متعلقة بمشاركات روس وأوكرانين في أنشطة إجرامية في بالي.

يقرأ  آدريان تشنغ من هونغ كونغ يتحول إلى عالم الويب 3 ويركز على التجارب الغامرة

التصدي

يعلو شعور الاستياء محلياً، حيث يبتدع مستخدمو وسائل التواصل حملات لفضح السياح الخارجين عن القانون، لكن ذلك لا ينفي تمسّك الباليين بضيافتهم الشهيرة. «يظنّ كثير من السياح أنّنا لأنّنا مصدر رزقهم يجب أن نرضى عن أي تصرّف يقومون به»، تقول سينتيا، التي يعتمد كثيرون من جيلها على الاستقرار الذي يوفره العمل في قطاع السياحة. «يبدو أحياناً أنني محاصرة؛ لأننا نعيش من السياحة، وإذا توقفت ستبقى لنا وسيلة للعيش؟»

مع ذلك، يبدي الباحث فيكاناندا تفاؤلاً حذراً، معتبراً أن «تطوير بالي والحفاظ على تناغمها مع الطبيعة لا يزالان ممكنين»، خصوصاً إذا ما شارك الشباب في الجهود. ومن أرض الواقع انطلقت مبادرات مجتمعية تشجّع على التنمية المستدامة، من تعليم إدارة النفايات إلى حملات تنظيف الشواطئ. والسلطات، التي تعرضت لانتقادات بسبب قلة التنظيم، تحاول أيضاً تنظيف الجزيرة؛ فقد حظرت بالي استخدام البلاستيك ذات الاستعمال الواحد وأصدرت إرشادات سلوك للزوار «لضمان بقاء سياحة بالي محترمة ومستدامة ومتوافقة مع قيمنا المحلية»، ونُشرت دوريات للشرطة في المناطق السياحية للتأكد من احترام القواعد.

سلّطت أسوأ فيضانات شهدتها بالي خلال عقد الضوء على مشكلة إدارة النفايات، وتقول ماريا شولنبيرغر، محررة السفر في مجلة Financial Times How To Spend It: «أدركت الحكومة الإندونيسية أن بالي هي أيضاً مورد طبيعي، ليست سوقاً سياحياً فقط يمكن استغلاله». وتضيف: «بالي تمثّل نموذجاً لمشكلة فرط السياحة في كثير من النواحي. ولكن مهما كانت وجهتك في العالم، يقع على عاتق المسافر مسؤولية التعامل مع المكان بمسؤولية واحترام». I don’t see any text to rewrite and translate. Please paste the text you want me to transform.

أضف تعليق