جولة حول العالم بسترة «فلسطين حرة» — الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

أواخر هذا الشهر، أخذتُ أنا ووالدتي القطار من سمرقند في أوزبكستان إلى مدينة بخارى، على بعد نحو ساعتين ونصف. بينما كنتُ واقفة في طابور المرحاض، اقترب مني أحد مراقبي القطار الأوزبكي ليعبر عن إعجابه بالهودي الذي أرتديه: أسود اللون، مزين بعلم فلسطين وكلمات «حرروا فلسطين» بالإنجليزية والعربية.

في حديث قصير إنجليزي مبسَّط تخلَّل ذلك اللقاء، نصحني الشاب بأن أتجنّب العربة رقم سبعة، لأنها كانت مكتظة بسياح إسرائيليونن. قال لي إنه هو نفسه طلب نقله بعيدًا عن تلك العربة ليتفادى التعامل معهم، ثم تعجب كيف يمكن للناس أن يعيشوا مع ضمائرهم بينما حكوماتهم تذبح الأطفال بأعداد هائلة.

لا يختلف الأمر عن الوقائع الموثقة: أكثر من خمسة وستين ألف فلسطيني أقرّت إسرائيل مقتلهم في أقل من عامين في قطاع غزة — وهو رقم يحتمل أن يكون تقريبيًا أدنى بكثير من الحقيقة — ومن بينهم نحو عشرين ألف طفل. وهذا من دون أن نحصي الأطفال الذين فقدوا أعضاءهم أو شُوّهوا بشكل دائم أو الذين نزفوا آثار الصدمات النفسية التي ستلازمهم مدى الحياة.

قبل وصولنا إلى بخارى اقترح علينا المراقب أن نلتقط سيلفي يوثق لقائنا بفضل السويتر. في الصورة رفع إبهامه مؤيدًا لفلسطين، وبعدها واصلنا طريقنا.

لم تكن هذه المرّة الأولى التي يحظى فيها هذا الهودي بالانتباه. قبل أسبوع، في طابور التفتيش الأمني بمطار إسطنبول، طلبت امرأة عربية كانت تسافر مع أسرتها أن تلتقط صورة للقميص، ثم همستني الضابطة الأمنية التي فتشتني باليد بالتركية بأنني «إنسانة طيبة». واستغربتُ — لأنني لا أرى نفسي كذلك بالضرورة — فسألتها كيف استخلصت هذا الحكم، فأجابتني بأن أي مواطن أميركي يدعم فلسطين يُعتبر تلقائيًا شخصًا طيبًا.

لا بد من القول إن الولايات المتحدة لم تفعل كثيرًا لتحسين سمعتها الدولية، إذ دعمت إسرائيل بقوة منذ البداية — أولًا في عهد الرئيس السابق جو بايدن والآن تحت إدارة دونالد ترامب — وقدمت مليارات الدولارات لآلة القتل الإسرائيلية بالإضافة إلى غطاء دبلوماسي واسع، بما في ذلك استخدامها للفيتو ضد ستة قرارات لمجلس الأمن تطالب بوقف إطلاق النار في غزة.

يقرأ  إسرائيل ترفض تقرير IPC حول مجاعة غزة وتعتبره «منحازاً»

أغرب مجاملة تلقيتها حتى الآن على هودي «حرروا فلسطين» جاءت من موظفٍ بوكالة أمن النقل الأمريكية (TSA) في مطار دولس الدولي قرب واشنطن. كان ذلك في أكتوبر الماضي، بعد عام من اندلاع المذبحة، أثناء سفري إلى مكسيكو سيتي. أثناء تفحص جوازي قال الرجل، وهو أبيض في الستينات، إنه أعجب بقميصي وأبدى أسفه للفظائع الجارية في غزة، ثم سألني إن كنت قد قرأت كتب المؤرخ الإسرائيلي المعارض للصهيونية إيلان بابيه، مؤلف «تطهير عرقي لفلسطين» وغيرها من الكتب، بينما ظللت أنظر إليه باندهاش.

ولا بد من الإشارة إلى أن ذلك حصل قبل أن يستلم ترامب الرئاسة مجددًا ويبدأ فعليًا بتجريم معارضة الإبادة عبر عمليات اختطاف وتغييب طلاب وباحثين عبّروا عن تأييدهم لغزة.

ألبسة «حرروا فلسطين» أكسبتني أيضًا الكثير من الأصدقاء. هناك محامية حقوق الإنسان السودانية التي تحوّلت إلى سائق مشاركة ركاب في واشنطن والتي عانقتني بحرارة؛ وامرأة في مطار أثينا قالت لي «تحيا فلسطين»؛ ومضيف طيران في يونايتد همس لي موافقًا على زيي تقريبًا بشكل تآمري.

قد تبدو شهرة هذا الثوب محصورة بسياقات السفر جويًا أو بالقطار، وفي ذلك قدر من الصحة يعود لسببين: أولهما أنني أسافر كثيرًا، فقد عانيت معظم حياتي من عجز مرضي عن الجلوس في مكان واحد، وثانيهما أني دائمًا أبرد في المطارات، فلو لا شيء آخر فلن يكون السويتر إلا سويتر «حرروا فلسطين».

ومع ذلك، ثمة سخف مرعب في أنني، بفضل جواز سفر مُنحني من قبل أكبر متواطئ على الإطلاق في ذبح جماعي وفرض المجاعة في غزة، أستطيع التجول بحرية في العالم مرتديةً هودي داعمًا لفلسطينيي بينما أهل غزة محاصرون داخل شريط ضيق حولته إسرائيل إلى معرض مروّع لأسوأ الجرائم الإنسانية.

يقرأ  كنيسة سويدية تاريخية تُنقل على مقطورات في إنجاز لوجستي استثنائي

رغم أن الهودي الأسود هو حاليًا زي السفر الرسمي لدي، فأنا أملكه أيضًا باللون الأزرق. كما أمتلك فستانًا مزينًا بعلم فلسطين، وقناع وجه عليه العلم، وقميصَي كرة قدم فلسطينيين، ارتديت أحدهما العام الماضي حين دخلت غاب داريين — تلك البقعة الشهيرة من الأراضي اللاطريقية والأدغال الخطيرة بين كولومبيا وبنما التي تحولت إلى مقبرةٍ حقيقية لطالبي اللجوء.

في السنوات الأخيرة أُجبر مئات الآلاف من المحرومين حول العالم على المجازفة بحياتهم لعبور داريين على أمل الوصول في النهاية إلى الولايات المتحدة. خلال زيارتي الصحفية المختصرة التقيت برجلين من اليمن — بلد لم يخلُ من تجارب العنف المدعوم أمريكيًا — فأشاد كلاهما بقميصي وقالا إنه «جيد جدًا» وعرضا عليّ المساعدة إن احتجتها في الأدغال.

أما الموقف السلبي الوحيد الذي أستطيع استرجاعه فكان في فبراير من هذا العام في مدينة مازاتلان بولاية سينالوا المكسيكية، معقل أحد كارتلات المخدرات. هناك بعض «الغرينغو» المغتربين الذين لا يتعلّمون الإسبانية ويستغلون انخفاض تكاليف المعيشة في المكسيك بينما يؤيدون في الوقت نفسه حملات ترمب الكبيرة لترحيل المهاجرين — وهي سياسات تمس كثيرًا من المكسيكيين. أحد هؤلاء أخذ الهودي على محمل شخصي وصرخ بغضب: «إذًا أنت تؤيدين حماس؟!» فأجبته بأسلوب غير مؤدب قليلًا، وعدتُ مع رفيقتي المكسيكية إلى بيرهنا.

من الواضح أن هودي «حرروا فلسطين» لن يوقف إبادة؛ لن يعيد الضربة الإسرائيلية إلى منزل الطفلة نور فرج ذات العشر سنوات أو يعيد لها ساقيها، ولن يُنقذ أطفالًا مولودين للتو ممن جُوعوا حتى الموت. ومع ذلك، في عالم ينهار بسرعة، فقد صنع لي لحظاتٍ عابرة من العزاء والدفء.

الآراء الواردة هنا تعود إلى مؤلفها ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

يقرأ  ٣٠ لغزًا رياضيًا ملهمًا ومحفّزًا للتفكيرلطلاب المرحلة الإعدادية

أضف تعليق