الحكم على الرئيس البرازيلي السابق جاير بولسونارو بتهمة محاولة انقلاب
أدانت المحكمة العليا البرازيلية جاير بولسونارو بمحاولة الإطاحة بالنتائج الانتخابية لعام 2022 والتمسّك بالسلطة، بعد أن حكم عليه القضاة بأربع أصوات مقابل معارضة واحدة. شملت التهم الخمس الموجّهة إليه: التخطيط لمحاولة انقلاب، الانضمام إلى تنظيم إجرامي مسلّح، السعي لوقف دولة القانون الديمقراطية بعنف، ارتكاب أعمال عنف ضد مؤسسات الدولة، وإتلاف ممتلكات عامة محمية إثر اقتحام أنصاره مباني حكومية في 8 يناير 2023. صدر في حقه حكم بالسجن لمدة 27 سنة وثلاثة أشهر، وهو أول رئيس برازيلي يُدان لمحاولة قلب نتائج انتخابات.
سير المحاكمة والدلائل
انطلقت جلسات المحاكمة في 9 سبتمبر وانتهت بإدانتين نهائيتين أفضتا إلى النطق بالحكم. قاد القاضي ألكسندر دي مورايش جلسة النظر وأيد ادعاءات النيابة بأن بولسونارو خطّط لاغتيال الرئيس لويز إيناسيو لولا دا سيلفا ونائب الرئيس جيرالدو ألكمين ونفس القاضي، في إطار عملية سُميت بـ«المشرط الأخضر والأصفر». قدّمت التحقيقات أدلة تفيد بأن بولسونارو حدّث كبار المسؤولين في الحكومة والجيش عن مرسوم طارئ كان من شأنه تعليق نتائج انتخابات أكتوبر 2022 وفتح تحقيق في ادعاءات تزوير انتخابي غير مثبتة، ما كان سيسمح له بالبقاء في السلطة بعد خسارته الانتخابات.
الردود القانونية والإجراءات اللاحقة
نفى بولسونارو جميع التهم وظلّ تحت الإقامة الجبرية في منزله بالعاصمة. أعرب فريق دفاعه عن نيته الطعن أمام الهيئة القضائية الكاملة للمحكمة العليا، لكن القواعد الداخلية للمحكمة تسمح بقبول الطعن الكامل فقط إذا ترافق الحكم معصيّتين معارضتين على الأقل؛ وفي هذه المحاكمة كان القاضي الوحيد المعارض هو لويس فوكس، الأمر الذي يترك احتمال قبول الاستئناف غير محسوم. من المتوقع أن تُنشر حيثيات الحكم رسمياً خلال 60 يوماً، تليها مهلة خمسة أيام لطلب توضيح الأحكام، وهي خطوة قد تكسب الدفاع مهلة إضافية.
إدانة حلفاء بولسونارو وتداعيات سجن محتمل
أُدين أيضاً سبعة من حلفائه بتهم مرتبطة بمحاولة الانقلاب، فيما لم تُعلن أحكامهم بعد وينتظر أن يجتمع القضاة لتحديدها. عند تنفيذ الحكم النهائي، وباعتباره رئيساً سابقاً، قد يُحتجز بولسونارو في مبنى الشرطة الاتحادية في برازيليا بوضعية سجن خاصة بدل احتجازه في سجن مدني عادي.
المشهد السياسي والاجتماعي
أثارت الإدانة ردود فعل منقسمة في البرازيل: احتفل خصوم بولسونارو وأنصار حزب العمال بالحكم عبر أنحاء البلاد، بينما تجمع الآلاف من أنصاره وصلاة مناصرين بالقرب من منزله للتضامن معه، واعتبروا المحاكمة «مطاردة سياسية». خشى بعض المراقبين اندلاع مواجهات عنيفة بعدما شهد الأسبوع السابق تجمعات ضخمة لأنصاره.
العلاقات الدولية وردود فعل الولايات المتحدة
تابعت واشنطن المحاكمة عن كثب؛ وقد أعرب الرئيس دونالد ترامب، الحليف القريب لبولسونارو، عن معارضته للملاحقة وأكّد دعمه له، مع الإشارة إلى موقفه من فرض رسوم تجارية مرتفعة على البرازيل قبل أشهر. البيت الأبيض ألمح في وقت سابق إلى إمكانية استخدام «القوّة الاقتصادية والعسكرية» إذا صدر حكم مدان ضد بولسونارو، ما يضع العلاقات بين البلدين في حالة توتر محتمل.
مآلات محتملة
تتجه الأنظار الآن إلى مسارات الاستئناف البرلماني والقضائي؛ ففريق الدفاع يسعى للطعن أمام الهيئة الكامله، بينما يحاول أنصار بولسونارو في الكونغرس دفع مشروع عفو أو عفو عام يخفف من آثار الحكم، وهو ما لا يزال قيد التداول. أما عملياً، فبمجرد صدور حكم نهائي وثابت فقد يبدأ تنفيذ العقوبة، ما يفتح فصلاً جديداً في السجل السياسي والبقائي للبرازيل. آلاف من مؤيدي المحاكمة نظموا احتجاجات مضادة أيضاً.
كيف ردّ ترامب؟
ترامب وبولسونارو حليفان مقربان، وقد عبّر الرئيس الأمريكي طويلاً عن استيائه من الحكومة البرازيلية بسبب المحاكمة. أشار ترامب إلى مجريات المحاكمة عندما أعلن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على التجارة مع البرازيل. في شهر يوليو نشر عبر منصات التواصل أن «بولسونارو لم يُدَن بأي شيء، سوى أنه قاتل من أجل الشعب» وناشد المدّعين «اتركوا بولسونارو وشأنه!». كما امتدحَه واصفاً إيّاه بأنه «قائد قوي يحب وطنه حقاً».
ورد رئيس البرازيل لولا بقوة قائلاً: «الدفاع عن الديمقراطية في البرازيل شأن برازيلي. نحن أمة ذات سيادة. لن نقبل بالتدخل أو بالتوجيه من أي طرف. لدينا مؤسسات صلبة ومستقلة. لا أحد فوق القانون، خصوصاً من يهاجم الحرية وسيادة القانون».
قارن ترامب أيضًا متابعة بولسونارو قانونياً بالقضايا التي يواجهها هو بين ولايتيه الرئاسيتين، بما في ذلك الملاحقات المتعلقة بمحاولته المزعومة لقلب نتائج انتخابات 2020 وتحريضه على أعمال الشغب واقتحام مبنى الكونغرس في 6 يناير 2021 من قبل مؤيديه. عقب صدور الحكم على بولسونارو يوم الخميس قال ترامب للصحفيين: «من المدهش أن يحدث ذلك… كل ما أستطيع قوله، عرفته كرئيس للبرازيل، وكان رجلاً صالحاً».
هل يمكن للولايات المتحدة اتخاذ أي إجراء؟
في تصريح يوم الثلاثاء، ألمحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إلى أن الولايات المتحدة قد ترد اقتصادياً أو حتى عسكرياً في حال صدور حكم إدانة. وفي حدثٍ يوم الأربعاء ردّ لولا مجدداً: «نحن بلد ذو سيادة وسادة على أنوفنا. البرازيل لا تدين لأحد عندما يتعلق الأمر بالكفاءة والمرونة والقدرة».
في يوليو أُعلِن عن رسوم تجارية بنسبة 50% على البرازيل — رغم فوائضها التجارية مع البلد اللاتيني — مستشهداً بالاتهامات ضد بولسونارو واعتبارها ذات دوافع سياسية. وقال ترامب إن الرسوم العالية جاءت «جزئياً بسبب هجمات البرازيل الخبيثة على الانتخابات الحرة وحقوق حرية التعبير الأساسية للأمريكيين».
كما فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على القاضي دي مورايز، الذي ترأّس هيئة المحكمة خلال محاكمة بولسونارو، في يوليو. ووجهت إليه اتهامات بقمع حرية التعبير وتسييس الملاحقات، فتُوقِفُه هذه الإجراءات عن الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة وسيصادر أي ممتلكات له داخلها. ويرجّح بعض الخبراء أن تتبع حكم الإدانة إجراءات إضافية مثل رفع الرسوم أو استهداف مسؤولين حكوميين بعقوبات.
ما الذي يعنيه ذلك للعلاقات بين البرازيل والولايات المتحدة عموماً؟
أضرارَت محاكمة بولسونارو بالعلاقات بين قيادتي البلدين. وقد ندّد بعض المسؤولين البرازيليين، بمن فيهم لولا، بتدخل واشنطن في ملف بولسونارو، ورأوا أن الزعيم السابق يجب أن يُحاكم أيضاً بتهمة محاولته دفع الولايات المتحدة ضد بلاده. دعا لولا في البداية إلى حوار بين البلدين، لكن بعد تصعيد الرسوم في يوليو قال للصحفيين إنّه «لا جدوى» من محاولة التفاهم مع ترامب، واعتبر أن الرسوم فُرِضت دون حوار وبأسلوب «سلطوي».
في 11 أغسطس قدّمت البرازيل طلب وساطة نزاع إلى منظمة التجارة العالمية احتجاجاً على الرسوم المرتفعة، وهي تنظر أيضاً إمكانية رفع دعوى أمام محاكم أمريكية ضد إدارة ترامب. كما انتقد لولا وصول القوات البحرية الأمريكية إلى منطقة البحر الكاريبي منذ أغسطس. وتقول واشنطن إن وجود قواتها في المنطقة يهدف لمواجهة تهريب المخدرات، إلا أن الانتشار جاء في سياق تصاعد التهديدات الأمريكية تجاه حكومة نيكولاس مادورو في فنزويلا — التي تتهمها إدارة ترامب بعلاقات مع شبكات تروّج للمخدرات — ويرى البعض أن الحشد العسكري قد يُستغل ذريعةً للضرب على فنزويلا. وقال لولا خلال افتتاح قمة افتراضية لمجموعة البريكس: «وجود قوات مسلحة لأكبر قوة في البحر الكاريبي عامل توتر».