تحاول شراء كيلو دقيق في غزة.
تفتح محفظتك؛ ما الذي بداخلها؟ ورقة عشرة شيكل باهتة، ممزقة تقريبًا ومشدودة بشريط لاصق. لااحد يريدها؛ لقد صارت خردة لا قيمة لها عمليًا.
كانت ورقة العشرة شيكل، التي تعادل نحو ثلاثة دولارات، أصلاً أكثر الفئات النقدية تداولًا في الحياة اليومية. اليوم هي لم تُلغ رسمياً فحسب، بل خرجت من التداول الفعلي — مهترئة إلى حد لا يُعرف معها أصلًا. البائعون لا يقبلونها، والمشترون لا يستطيعون استخدامها.
لا توجد سيولة جديدة. لا تجديد للنقد.
الفئات الأخرى تتبع مصير العشرة شيكل، ولا سيما الأوراق الصغيرة.
إذا دفعت بمئة شيكل لشراء ثمنه ثمانون، فمن المرجح أن لا يتمكن البائع من إعادتك العشرين بسبب الحالة المادية المتدهورة للأوراق.
العديد من الأوراق ممزقة أو ملصوقة بشريط؛ حتى أن هناك أكشاكاً كاملة مكرسة لترميم العملة كي تعاد إلى التداول. أي شيء أفضل من لا شيء.
لكن تفتت الأوراق النقدية ليس المشكلة الوحيدة في غزة.
الموظفون الحكوميون مضى على عدم صرف رواتبهم أشهر. المنظمات غير الحكومية عاجزة عن تحويل أجور موظفيها. العائلات لا تستطيع إرسال تحويلات. ما كان يدعم التركيب المالي لغزة تلاشى. ولا إشارة إلى موعد عودته. مجرد صمت.
الأموال محتجزة. محاصرة خلف أنظمة مغلقة وحواجز سياسية.
إن أحصلت على مال من خارج — من قريب في رام الله أو أخ في مصر — فذلك لا يأتي بلا ثمن. ثمن وحشي. إن أُرسلت لك ألف شيكل (حوالي 300 دولار)، سيسلمك الوسيط خمسمئة فقط. صحيح: عمولة السحب النقدي في غزة باتت تصل إلى خمسين بالمئة.
لا بنوك تقدم سحوبات أو تشرف على تحويلات.
لا تزال اللوحات بواجهات المصارف موجودة: بنك فلسطين، بنك القاهرة عمان، بنك القدس. لكن الأبواب موصدة، النوافذ مغبرة، والداخل فارغ. آلات الصراف لا تعمل.
هناك فقط سماسرة، بعضهم على اتصال بالسوق السوداء والمهربين، قادرون بطريقة ما على تأمين نقد. يقتطعون نسبًا ضخمة مقابل صرفه، مقابل تحويل بنكي إلى حساباتهم.
كل سحب يبدو سرقة متخصصة على هيئة معاملة. ومع ذلك يواصل الناس اللجوء إلى هذا النظام. ليس لديهم خيار آخر.
هل لديك بطاقة بنكية؟ ممتاز. جرّب استخدامها.
لا كهرباء. لا إنترنت. لا أجهزة نقاط البيع. عندما تعرض بطاقتك على البائع يحرك رأسه بالنفي.
يطبع الناس لقطات شاشة لأرصدة حسابات لا يستطيعون الوصول إليها. يتجول آخرون بوثائق مصرفية منتهية الأجل، على أمل أن يعتبرها أحدهم ضماناً كافياً للدفع.
لا أحد يفعل.
قليلون هم البائعون الذين يقبلون ما تسمى المحافظ الرقمية، لكنهم نادرون، ونادرون هم من يملكونها.
في غزة اليوم، المال الذي لا تلمسه يعادل عدم وجود مال على الإطلاق.
ولذلك يضطر الناس إلى وسائل أخرى.
في السوق رأيت امرأة تقف بكيس بلاستيكي ملآن بالسكر. وأخرى تحمل قارورة زيت طهي. لم يتكلما كثيراً. اكتفينا بالإيماء. بدلنا. رحلنا.
هكذا يبدو التسوق في غزة الآن: قرّض ما لديك لتأكل غدك. كيلو عدس مقابل كيلوين دقيق. قارورة مبيض مقابل بعض الأرز. جاكيت رضيع مقابل عدة بصلات.
لا استقرار. اليوم لشيء قيمة، وغدًا لا يريده أحد. الأسعار تخمينات. القيمة عاطفية. كل شيء قابل للتفاوض.
«بادلت معطفي بكيس حفاظات»، قال لي عمي وليد، أب لتوأمين. «نظر إلي كأنني متسول. شعرت أنني أتخلى عن جزء من حياتي».
هذا ليس تراجعاً إلى زمن أبسط. هذا ما يحدث عندما تختفي الأنظمة. عندما يموت المال. عندما تُجبر العائلات على التضحية بالكرامة من أجل البقاء.
الناس لا تعاني فحسب — إنها تتقلص. تخفّض توقعاتها. تتوقف عن الحلم. تتوقف عن التخطيط. أي مستقبل يمكنك أن تخطط له وأنت لا تستطيع تأمين غدك؟
«بعت سوار ذهب لي»، قالت لي جارتنا لينا من الخيمة. «كان للطوارئ. لكن الآن كل يوم طوارئ».
اقتصاد غزة لم ينهَار نتيجة سياسات سيئة أو إدارة داخلية فاشلة فقط. لقد تُكسّر عن عمد.
لا يقتصر الحصار على منع دخول البضائع؛ لقد منع أيضًا تدفق العملة ومعه أي شعور بالسيطرة المالية. دمّر النظام المصرفي. جعل السيولة سلاحاً.
قطع المال عن غزة جزء من حصار أوسع. لا حاجة لإطلاق رصاصة لتدمير شعب؛ يكفي حرمانه من القدرة على العيش.
لا تستطيع دفع ثمن الخبز، الماء، الدواء — فكيف تُؤمِّن الحياة؟
إن استمر هذا الاتجاه، ستكون غزة أول مجتمع حديث يعود كليًا إلى المقايضة. لا رواتب. لا سوق رسمي. فقط تبادلات شخصية وصفقات غير رسمية. وحتى تلك لن تدوم إلى الأبد. ماذا يحدث عندما لا يبقى شيء للتبادل؟
إذا لم يُعالج هذا، ستصبح غزة أكثر من مجرد منطقة محاصرة. ستكون مكانًا تموت فيه مفاهيم المال والاقتصاد والعدالة إلى الأبد.
الآراء الواردة هنا خاصة بالمؤلف ولا تعكس بالضرورة موقف القناة التحريري.