خالدة ضياء — أول رئيسة وزراء في بنغلاديش: حياة من السلطة والمقاومة — نعي

في أوائل ديسمبر وقف تيبو سلطان، ناشط قاعدي يبلغ من العمر 48 عاماً من حزب بنغلاديش الوطني (BNP)، خارج مستشفى إيفركير في داكاا حاملاً لافتة كتب عليها: «أريد أن أتبرع بكليتي للسيدة خليدة ضياء».

انتشر شريط مصور للسلطان ولافتته على نطاق واسع في بنغلاديش، البلد الذي يقطنه نحو 170 مليون نسمة وكان مشدود الأعصاب منذ دخول خليدة، رئيسة حزب BNP ورئيسة وزراء سابقة، المستشفى في 23 نوفمبر. ومنذ ذلك الحين أمضى تيبو أيامه على الرصيف المقابل لباب المستشفى، متعهداً أن يظل هناك حتى يُبلَّغ بشفائها.

«هي كأمي. ضحّت بكل شيء من أجل الديمقراطية»، قال ذلك في حديثه مع الجزيرة. وأضاف: «دعوتي الوحيدة أن يمدّها الله برؤية الانتخابات المقبلة»، في إشارة إلى الانتخابات الوطنية المقررة في 12 فبراير.

لكن القدر شاء غير ذلك. في الصباح الباكر من 30 ديسمبر، أعلنت الحزب وفاة خليدة ضياء عن عمر يناهز الثمانين في المستشفى.

«قائدتنا الوطنية الحبيبة لم تعد معنا. فاضت روحها عنا في الساعة السادسة صباحاً اليوم»، جاء في بيان الحزب المنشور على فيسبوك.

مع وجود خصمها القديم ورئيسة وزراء سابقة أيضاً، شيخ حسينة، في المنفى بالهند، تُسدّل وفاة خليدة فصلًا امتد أكثر من ثلاثين عاماً من احتدام الصراع بين القيادتين اللتين عُرفتا بـ«البيجوم المتصارعتين»، وهو لقب شرفي يُستخدم تقليدياً للنساء المسنادات بالسلطة في المجتمع المسلم.

إلا أن إرث خليدة، كما هو حال حسينة، يظل في منطقة رمادية: كلتاهما قاومتا السلطوية وناضلتا من أجل الديمقراطية. وبينما لم تُتَّهم خليدة – على عكس خصمتها بحسب بعض التهم – بارتكاب فظائع جماعية ضد المعارضين، فإنها ظلت شخصية مستقطبة؛ أسلوبها الصارم في المعارضة، من مقاطعات انتخابية وحركات شارعية مطوَّلة، إلى جانب تكرار اتهامات بالفساد خلال فترات توليها السلطة، ولّد ولاءات عميقة لدى مناصريها ومخاوف مماثلة لدى منتقديها.

الصعود

ولدت خليدة ضياء في 15 أغسطس 1946 في ديناجبور، التي كانت آنذاك جزءاً من شرق البنغال في الهند البريطانية، والموجودة الآن شمال بنغلاديش. والدها، إسكندر مجمّدر، القادم أصلاً من فيني في الجنوب الشرقي، كان قد أدار أعمالاً في شاي في جالبايجوري (الواقعة حالياً في الهند) قبل أن ينتقل بعائلته إلى شرق البنغال التي ستصبح لاحقاً باكستان الشرقية بعد تقسيم الهند في 1947.

نشأت خليدة في ديناجبور، درست في مدرسة ديناجبور الحكومية للبنات ثم التحقت بكلية سوريندرانات. لم يحدد طموح مبكر دخولها السياسة بقدر ما كانت الأحداث المضطربة هي المحرّك.

اغتيال زوجها، الرئيس ضياور رحمن، في تمرد عسكري فاشل في شيتاغونغ في 30 مايو 1981، أدخل البلاد في دوامة من عدم اليقين. رحمن، الذي نجح في استقرار الأوضاع بعد سنوات من الانقلابات، ترك خلفه نظاماً سياسياً هشاً وحزباً حاكماً (BNP) بلا مؤسس يقوده. ورغم أن خليدة لم تكن نشطة سياسياً خلال رئاسة زوجها، رأى قادة الحزب البارزون فيها الشخصية الوحيدة القادرة على توحيد الفصائل المتنافسة والحفاظ على إرث ضياور رحمن.

تسلّم نائب الرئيس عبدُ الستار منصب الرئيس بالوكالة ثم فاز في انتخابات لاحقة، لكن خلال أشهر استولى قائد الجيش حسين محمد إرشاد على السلطة في انقلاب بلا دم في مارس 1982 وفرض قانوناً عسكرياً. وفي هذا السياق المتقلب — مع عودة العسكر للسيطرة ومعركة الأحزاب السياسية من أجل البقاء — بدأت خليدة صعودها لتبرز في نهاية المطاف كقائدة مدنية مركزية تتصدى للحكم السلطوي.

انضمت خليدة إلى حزب BNP كعضو عام في يناير 1982، ثم نالت منصب نائب الرئيس عام 1983، وانتُخبت زعيمة للحزب في أغسطس 1984. في العقود التالية فازت بثلاث انتخابات لتتولّى رئاسة الحكومة في مشهد سياسي هيمنت عليه مع خصمتها الطويلة، شيخ حسينة، وحزبها الرائد رابطة عوامي.

تخلّل حياتها العامة صراعات شخصية: ابُنها الأكبر، طارق رحمن، اضطر إلى المنفى عام 2008 بعد اعتقاله خلال حملة لمكافحة الفساد في حكومة مؤقتة مدعومة عسكرياً؛ أما الابن الأصغر، عرفات رحمن (كووكو)، فتوفي بنوبة قلبية عام 2015 أثناء إقامته في الخارج. قضت خليدة فترات طويلة في السجن بعد إداناتها عام 2018 في قضايا فساد رفعتها حكومة رابطة عوامي، تلاها سنوات من العزلة السياسية وتدهور في الصحة.

عاد طارق أخيراً إلى داكا في 25 ديسمبر، بعد أن أسقطت الحكومة المؤقتة برئاسة الحائز على نوبل محمد يونس القضايا المرفوعة ضده عقب الإطاحة بحكومة حسينة.

«حياتها كلها كانت مليئة بالمشقات، ومع ذلك فضلت وطنها على راحتها الشخصية»، قالت ديلارا شودهوري، عالمة سياسية راقبت خليدة وزوجها عن كثب. «لهذا تُذكَر عبر خطوط الانقسام السياسي كأحدى أبرز قيادات عصرها.»

الحياة الخاصة قبل السياسة

يقرأ  حفريّة عمرها مليون سنة تعيد ترتيب فهمنا لأيدي وأقدام البشر

يوصف من عرفوا خليدة قبل انخراطها في الحياة العامة بأنها امرأة تحفظ ماء الوجه، هادئة اللفظ، ومتحلّية باللطف الدائم. تزوجت الضابط العسكري ضياور رحمن عام 1960 وكانت حينها في الخامسة عشرة تقريباً، قبل أن يصبح شخصية وطنية لاحقاً. ارتقى رحمن إلى الواجهة بعد حرب استقلال بنغلاديش عام 1971، وتولّى الرئاسة في 1977 ثم أسس حزب بنغلاديش الوطني في 1978. تأثرت خليدة لاحقاً ببرامج زوجها السياسية القائمة على الوطنية، والديمقراطية التعدّدية، وسياسة اقتصادية تتسم بالانفتاح على السوق.

من 1978 حتى 1981 عاشَت مع أسرتها في مسكن عسكري متواضع في طريق موينول رقم 6 في ثكنة داكا، المخصص حينها لقائد الجيش بالإنابة، حيث خدم النقيب (لاحقاً العقيد) هارونور رشيد خان كملازم مرافقة للرئيس رحمن.

«كانت تدير شؤون المنزل بنفسها، تستقبل الضيوف وتتابع أمور العائلة»، قال العقيد خان للجزيرة. «لم أرها ترفع صوتها أبداً. كانت متواضعة وطيبة ومتمعّنة.»

وتذكر كيف كانت هادئة في تربيتها الأولاد: عندما واجه الابن الأصغر، عرفات، الذي كان في السابعة حينها، صعوبة في الالتحاق بمدرسة ما، اكتفت بطلب خيارات بديلة؛ وعندما أصيب لاحقاً أثناء تقليده لقفزة تلفزيونية، لم تُعبّر عن غضب تجاه الموظفين المكلفين برعايته.

«ذلك كان من طبيعتها.» «رشيقة، متزنة ومراعية.»

لكن تغيّر كل شيء في 30 مايو 1981.

في صباح الاباكر من ذلك اليوم علم خان أن الرئيس زياور رحمن قد اغتيل في مدينة الميناء تشاتوغرام، في محاولة انقلاب نفذها مجموعة من الضباط، محاولة سرعان ما قمعها إشرشاد، قائد جيش رحمن، رغم أن إشرشاد نفسه سيستولي على السلطة بعد ذلك بأشهر.

قال: «للحظة، شعرت كأن الأرض تزحزح تحت قدميّ؛ لكنني لم أخبر السيدة [بيجوم زيا] على الفور». وخشية أن يكون مسكن العائلة هو الهدف التالي، أَمر فوراً بتجهيز سرية كاملة تُقدَّر بنحو 120 جندياً للدفاع عن الأسرة.

في الصباح الباكر خرج الصبيان من غرفتيهما استعداداً للذهاب إلى المدرسة، لكنه أوقفهما. وبعد دقائق خرجت خليدة من غرفتها وسألَت: «ما الذي جرى؟» فأجابها أنه ثمة اضطراب في الخارج. من دون مزيد من الأسئلة تراجعت إلى غرفتها بينما شغّل أحد أفراد الخدم جهاز الراديو — وإذا بإعلان وفاة زوجها يملأ الغرفة.

قال مساعده السابق: «نظرت إلى عينيّ ــ وفهمت». وسقطت على الأرض. بقي خان لدعم الأسرة شهرين إضافيين. «كانت محطمّة نفسياً»، قال.

ولأن زياور رحمن لم يترك لزوجته مكان إقامة آخر، فقد خصّصت الحكومة لاحقاً بشكل دائم المنزل رقم 6 في شارع موينول لخليدة، وعاشت فيه حتى طردتها إدارة شيـخ حسينة عام 2010.

من السيدة الأولى إلى أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء

بعد اغتيال زياور رحمن عام 1981، دَعا قادة بارزون في حزب بنغلاديش الوطني (البي إن بي) خليدة — التي لم تكن حتى عضواً في الحزب آنذاك — لتتولّى دوراً عاماً. وجاء صعودها بالتزامن مع تزايد السخط الشعبي ضد حكم إشرشاد العسكري: إذ بعد تولّيه الرئاسة علّق الدستور وفرض الأحكام العرفية.

طوال ثمانينيات القرن العشرين قاد كل من البي إن بي والرابطة عوامي حركات شعبية متوازية — وغالباً منسقة ــ تطالب باستعادة النظام البرلماني. ووفقاً لعالم السياسة شودري، كانت نقطة التحول الجوهرية في 1986 عندما أعلن إشرشاد إجراء انتخابات وطنية وصفها المعارضون بأنها غير دستورية لأن الأحكام العرفية ما تزال سارية وممارسات الحريات السياسية مقيدة. بينما قررت الرابطة عوامي في نهاية المطاف خوض الانتخابات، قادت خليدة البي إن بي إلى مقاطعة كاملة.

قالت شودري: «قرارها مقاطعة انتخابات 1986 — التي دانتها بأنها غير شرعية حتى مع مشاركة الرابطة عوامي — عزّز صورتها العامة كشخص لا يساوم على المبادئ من أجل المصلحة». وكرّست الاعتقالات المتكررة تحت نظام إشرشاد هذا الانطباع عن صلابتها. «كانت خليدة زيا صامدة في هدفها إزاحة إشرشاد وإعادة الديمقراطية»، أضافت شودري. «وقد كسبت احترام الناس باستعدادها لتحمّل الاعتقال حتى وهي مريضة».

أفضى انتخاب 1991 — الأول بعد نهاية الحكم العسكري في ديسمبر 1990 — إلى برلمان معلق لا يملك أي حزب أغلبية مطلقة. فاز البي إن بي بـ 140 مقعداً، ناقصاً عن الـ151 المطلوبة لتشكيل حكومة؛ وحصلت الرابطة عوامي على 88 مقعداً، وحصل حزب جاثيا على 35، وجماعة إسلامي على 18.

بدأ زعيم الجماعة غلام عزام مفاوضات مع شيـخ حسينة. وفي الوقت نفسه، نظّم جولام واحد شودري، زوج دلارا شودري ووزير سابق للاتصالات في باكستان المتحدة، لقاءً سريّاً في منزله بدكا جمع خليدة مع قادة الجماعة غلام عزام ومطيور رحمن نظامي، وقائد الجيش الفريق الأول نورالدين. وصلت خليدة بمفردها من دون إخبار قادة البي إن بي الآخرين. ومهدت هذه المفاوضات الطريق لمنح الجنسية البنغلاديشية لشخصيتين سياسيتين متباينتين تماماً: غلام عزام، الذي دعم باكستان أثناء حرب الاستقلال وقد نُزعت منه جنسيتها سابقاً، وكادر صديقي، بطل حرب 1971 المرتبط بإرث الرابطة عوامي، الذي ظل في منفاه بالهند بعد قيادته مليشيا خاصة ضد الحكومة والجيش عقب اغتيال زوج شيـخ حسينة، شيخ موجيب الرحمن، قائد كفاح الاستقلال وأول رئيس ووزير أول للبلاد.

يقرأ  الشرطة تعتقل ابن الممثل والمخرج الهوليوودي روب راينرأخبار الجريمة

في المقابل، وافقت الجماعة على دعم البي إن بي في البرلمان، ما منح خليدة الأرقام اللازمة لتشكيل الحكومة. تقول شودري: «أظهرت هذه المفاوضات حكمتها السياسية وصلابتها. كان من السهل أن تفشل».

حلفت خليدة اليمين لتصبح أول رئيسة وزراء منتخبة في بنغلاديش، لتنضم إلى صف من النساء في جنوب آسيا شغلن أعلى المناصب مثل إنديرا غاندي، سيريمافو باندرانايكي، وبينظير بوتو.

الحكم والإصلاحات ونداءات المحسوبية

تولت خليدة قيادة بنغلاديش ثلاث مرات: بين 1991 و1996، ثم لعدة أشهر في 1996 خلال فترة قصيرة ثانية، وأخيراً بين 2001 و2006.

تذكّرت شودري مفاوضات أوائل 1991 بأن خليدة حين كانت تغادر الاجتماع توقّفت لتتحدّث مع نساء البيت وسألتهن ماذا يتوقعن منها. فأجابته أختها الكبرى، البروفيسورة حسنى أرا خان: «نريد منك أن تمنحي البلاد إدارة أكثر نزاهة وخالية من الفساد نسبياً».

هل نفّذت ذلك فعلاً؟ تساؤل معقّد، بحسب شودري. «كانت نيتها صادقة — مستلهمة من فلسفة زوجها الوطنية. وحققت نجاحات في مجالات عدة».

يعزو مؤيدوها لحكوماتها سياسات هدفت إلى استقرار دولة خرجت لتوّها من سنوات من الحكم السلطوي: سعت إدارتها لتحرير الاقتصاد، وتعزيز الصادرات، وإحياء الصناعة، وتوسيع قطاع الملابس الجاهزة، وتوسيع فرص التعليم — لا سيما للفتيات. وتزامن عهدها أيضاً مع اتساع نطاق الصحافة النسبية الحرة.

عند نهاية ولايتها المنتخبة الأخيرة عام 2006، كان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في بنغلاديش نحو 7 في المئة — واحد من أعلى المعدلات في تاريخ البلاد بعد الاستقلال، وفوق متوسط نحو 4.8 في التسعينيات وحوالى 3.8 في الثمانينيات. وفي ذلك الحين وصفها البنك الدولي بأنها «نمر آسيا القادم».

لكن إداراتها لم تخلُ من النقد. ففي 1995 أدت أزمة حادة في الأسمدة وارتفاع حاد في الأسعار — ناجمة عن الاحتكار وفشل التوزيع في وقت حاسم لمحصول الأرز الشتوي — إلى احتجاجات آلاف المزارعين. فتح عناصر الشرطة النار في عدة مناطق، ما أسفر عن مقتل نحو اثني عشر مزارعاً وضابط واحد في اشتباكاتٍ لحظةً أضرت بسمعة حكومتها وسط استياء ريفي واسع النطاق.

خلال ولايتها في الفترة 2001–2006 اتُهم نجلها الأكبر، طارق رحمن، بتأسيس مركز نفوذ موازٍ حول مكتبه السياسي المعروف إعلامياً بـ«هوا بهابان». تكررت الاتهامات بالفساد وادعاءات أن قرارات محورية كانت تُتخذ عبر هذا البناء الموازٍ، وهو ما غذى الشكوك المستمرة حول إدارة البلاد في عهدها.

هفوات سياسية
أشار باحثون إلى حادثتين تُعدّان محط اتهام لحكومات خليدة بالتدخل في نتائج انتخابات. انتخابات تكميلية عام 1994 في دائرة ماجورا-2 كانت محل انتقاداتٍ واسعة بوصفها مُنحازة لصالح حزب الشعب الوطني (BNP). وفي نهاية فترة 2001–2006 وُجهت إليها تهمة السعي لتعيين حكومة انتقالية مناصرة تتولى إجراء الانتخابات المقبلة.

المؤرخ السياسي محي الدين أحمد، مؤلف الكتاب المستقل عن إرث رئيسة الوزراء السابقة، أورد حالات أخرى أضعفت مصداقيتها. من أبرز الأحداث هجوم بالقنابل اليدوية على تجمع لحزب الرابطة الروحية المعارضة بقيادة حسينة في 21 أغسطس 2004 بالعاصمة داكا، الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 24 شخصاً وأصاب المئات. التحقيق الذي جرى تحت ظل الحكومه التي قادتها BNP تعرض لانتقادات واسعة لعدم متابعته بسرعة خطوط تحقيق مقنعة حول دور جماعاتٍ إسلامية متورطة، من بينها جماعة حرب الجهاد الإسلامي (Harkat-ul-Jihad al-Islami). في 2018 أدانت محكمة في داكا عدداً من المتهمين في القضية، لكن استئنافات وأحكام المحكمة العليا ألغت بعض الإدانات وبرأت آخرين، فلا تزال مسألة المحاسبة عن هجوم 2004 موضوعاً غير محسوم لدى كثير من البنغلاديشيين.

وفي حادثٍ آخر أبريل 2004 اعترضت الشرطة وخفر السواحل شحنة كبيرة من الأسلحة غير القانونية يُعتقد أنها كانت متجهة إلى جبهة تحرير أسوم المتحدة (ULFA)، الجماعة الانفصالية المُسلحة في ولاية آسام الهندية. تقول التحليلات إن مثل هذه الأحداث عمَّقت العداء السياسي داخلياً وأحدثت توتراً كبيراً في علاقات بنغلاديش مع جارتها الهند.

أسهمت هفوات زيا خلال حكمها 2001–2006 في زعزعة الاستقرار السياسية التي بلغت ذروتها مع استيلاء مدعوم من الجيش على السلطة في 11 يناير 2007. ضغت القيادات العسكرية على الرئيس آنذاك إياجودين أحمد لإعلان حالة طوارئ والتخلي عن منصبه كمستشارٍ للحكومة الانتقالية القائمة وإلغاء الانتخابات المقررة في ذلك الشهر. وبدعم من القوات المسلحة عُيّن محافظ بنك بنغلاديش السابق فخر الدين أحمد مستشاراً لرئاسة حكومة انتقالية جديدة كُلِّفت بتهدئة البلاد والإعداد لانتخابات قادمة، مما حجب خليدة وحسينة عن المشهد السياسي المباشر لما يقارب عامين.

يقرأ  تظاهر عشرات الآلاف في إسبانيابعد قرار إسرائيل إيقاف قافلة المساعدات المتجهة إلى غزة

«الحزب خلق الظروف التي أدت إلى أحداث 11 يناير، وأصبح الحزب — وعلى وجه الخصوص أسرتها — في نهاية المطاف ضحيةً لتلك الظروف»، قال محي الدين أحمد.

«الالتزام بالديمقراطية»
أمير خاصرو محمود شودري، وزير التجارة السابق في حكومة خليدة (2001–2004) وقيادي حالياً في الحزب، يؤكد أن رئيسته لم تتخلَّ عن مواقفها السياسية حتى وهي تحت ضغطٍ هائل للتسوية. «التزامها بالديمقراطية ووطنيةها ترك أثراً عميقاً في العاملين بالحزب»، وأضاف أن محاولات تفكيك الحزب — سواء خلال أحداث 1/11 أو لاحقاً في عهد شيخة حسينة — لم تنجح لأن مبادئها وحِدَت التنظيم.

أشار أيضاً محي الدين أحمد إلى أن خليدة «دفعت ثمناً باهظاً، خصوصاً بعد 2006»، في إشارة إلى سنوات السجن والاضطهاد السياسي والضغوط المستمرة التي تعرّضت لها هي وأسرتها. «صواباً كان أم خطأً، نادراً ما تراجعت عن مواقفها المعلنة، وهو أمر لم نعهده عند كثير من السياسيين المعاصرين»، مستذكراً موقفها الصارم خلال حركة مناهضة إرشاد وإصرارها على إجراء انتخابات تحت حكومات انتقالية فقط.

كونها أول امرأة تصل إلى أعلى منصب منتخب في بلدٍ محافظ اجتماعياً ومتشكك تقليدياً تجاه القيادة النسائية سيبقى جزءاً من إرثها. كذلك قرارها النزول إلى المواجهة بدلاً من الفرار أثناء الأزمات — سواء بعد يناير 2007 حين أُجبر نجلها الأكبر على المنفى وسط قضايا متعددة، أو حين تعرّضت لردود فعلٍ قاسية في عهد حسينة — ساعد على الحفاظ على تماسك الحزب، بحسب محللين. «كان بوسعها أن تغادر، لكنها اختارت البقاء ومواجهة النتائج. تلك العزيمة ميّزتها»، قال أحمد.

كما لفت المؤرخ إلى ضبط النفس في خطابها السياسي: «حتى عندما كانت تتعرض لحملات تشهير وللغة مسيئة، لم ترد بالمثل». ومثال على ذلك رسالتها بعد سقوط حسينة في أغسطس 2024؛ فقد أُفرج عنها من الإقامة الجبرية في 6 أغسطس بعد احتجاجات طلابية أجبرت حسينة على الفرار إلى الهند، ودعت خليدة أنصارها إلى عدم الانتقام. قال محي الدين: «لدى كثيرين كان ذلك لحظة تكاد لا تُصدق؛ تفادَت اللغة التحريضية حتى حين انقلبت الموازين لصالحها».

يتذكّر كثير من البنغلاديشيين هذه الصفة كأساس في تذكّرهم لها. «حكمت كلتاهما البلاد جيداً، ولكن في رأيي خليدة أدّت أفضل»، قال ناظم رحمَن، البالغ 77 عاماً، متحدثاً إلى الجزيرة في أوائل ديسمبر بينما يَتسامر هو ورفاقه قرب مجمع تجاريٍ غير بعيد عن مستشفى إيفركير.

لكن سؤالاً محورياً يلوح الآن: ماذا ينتظر حزب الشعب الوطني في عهد ما بعد خليدة؟ في مركز أي إجابة على ذلك السؤال يقف ابنها الوحيد الباقي، طارق رحمن. «مثل الرابطة، أصبح الحزب حزباً مرتكزاً على شخصٍ واحد»، يقول محي الدين أحمد. «ومع أن قيادة طارق رحمن لم تُختبر بعد، يبدو أن الحزب سيواجه أزمة قيادية جادة».

قدّم الباحث تشاودهاري، الذي عرف خليدة عن قرب، تقييماً أكثر حدة: «من المرجح أن ينقسم قادة الحزب بعد خليدة إلى فصائلٍ اثنتين أو ثلاث، إذ كانت تمثل رمز الوحدة لأعضاء التنظيم.» أخشى أن يؤدي هذا التفتت الى خلق فراغ سياسي خطير في البلاد.

لكن ثمة أصوات معارضة لهذا التقدير.

أمير خاصرو محمود تشودري، الوزير السابق في حكومة خليدة زيا، يرى أن تاريق — الذي يقود الحزب كرئيس بالإنابة منذ 2018 من منفاه في المملكة المتحدة — قد استلم بالفعل الشعلة التي حملتها والدته عن والده، زياور رحمن.

عند عودته إلى داكا من المنفى يوم عيد الميلاد، استُقبل تاريق بتأييد جماهيري واسع من أنصار الحزب، ذلك قبل أسابيع من الانتخابات الوطنية التي يتنافس فيها حزب BNP بشراسة مع حليفه السابق، الجماعة الإسلامية، على مراكز الصدارة.

في أول تصريحات له منذ العودة، تحدث تاريق عن رغبته في بناء بنغلادش شاملة. ويعتقد بعض الخبراء أن الرجل الستيني قد ينجح أيضاً في إعادة ترميم العلاقات مع الهند، التي تدهورت منذ إزاحة شيخة حسينة وقرارها باللجوء إلى نيودلهي. وعلى الرغم من أن العلاقات بين نيودلهي وBNP لم تكن تاريخياً ودّية، فضلت الهند حزب عوامي ليغ بقيادة حسينة كشريك في داكا، إلا أن كلا الطرفين قد تبادلا مؤشرات تقارب في الأيام الأخيرة.

الاختبار الحقيقي، الآن، أمام BNP وتاريق: انتخابات فبراير لن تقرر فقط من سيقود البلاد، بل قد تكشف أيضاً إن كانت بنغلادش ستمنح ثقتها لوريثة خليدة كي تستمر في حمل إرثها.

أضف تعليق