خبراء: لا يحمل صاروخ روسيا المشغّل بالطاقة النووية أي سمات ثورية أخبار الحرب الروسية‑الأوكرانية

كييف، أوكرانيا — زعمت وزارة الخارجية الروسية أن الغرب الجماعي يشعر بالخوف من صاروخ كروز روسي يعمل بالطاقة النووية لأنه قادر، وفقاً لتصريحاتها، على بلوغ أي نقطة على سطح الأرض متجاوزاً أكثر منظومات الدفاع الجوي والصاروخي تطوراً.

قالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا لوكالة ريا نوفوستي: «هم خائفون مما سنكشفه لهم لاحقاً». وأضافت موسكو في أيام سابقة أنها «أُرغمت» على تطوير وإجراء إختبارات على الصاروخ الذي أطلق عليه اسم بوريڤيستنيك، أي طائرُ العاصفة من فصيلة طيور البحر، رداً على ما وصفته بعدائية حلف الناتو تجاه روسيا.

ووصفت وكالة إيتار-تاس تطويره بأنه «عمل اضطراري للحفاظ على التوازن الاستراتيجي»، معتبرةً أن روسيا «تحتاج إلى الرد على الإجراءات المتصاعدة المزعزعة للاستقرار في مجال دفاع الصواريخ» من جانب الناتو. وبحضور احتفالي، قدَّم الرئيس فلاديمير بوتين الثلاثاء جوائز الدولة لمطوري بوريڤيستنيك، كما مُنح مصممو بوسيدون — طوربيد نووي بحري يعمل بالطاقة النووية — جوائز مماثلة، والتي تقول موسكو إنها خضعت لاختبارات ناجحة أيضاً.

تزعم روسيا أن بوسيدون قادر على حمل رؤوس نووية تُحدث تسونامي إشعاعيًا يقضي على مساحات شاسعة من السواحل، وأن «الطوربيد الفائق» يمكن أن يتحرك بسرعة تقارب 200 كم/س ويتعرج لتفادي الاعتراض. أما عن بوريڤيستنيك فقال بوتين في الكرسي الرئاسي: «من حيث مدى الطيران، فقد فاق بوريڤيستنيك كل الأنظمة الصاروخية المعروفة في العالم… وكما تفعل أي قوة نووية أخرى، تطور روسيا قدراتها النووية والاستراتيجية… وهذا العمل الذي نتحدث عنه هو متابعة لجهود أُعلن عنها منذ زمن طويل». لكن خبراء عسكريين ونيولييرون نوويين يسخرون من فعالية وخطورة هذه الأسلحة الجديدة.

ليس من الغريب أن تتباهى موسكو بتجهيزاتها بينما يواصل هجومها على أوكرانيا؛ إذ يرى المحللون أن مثل هذه التصريحات ليست سوى وسيلة رعب رامية إلى ثني القوى الغربية عن مواصلة دعم كييف. وقال بافيل بودفيج، مدير مشروع القوات النووية الروسية في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح، إن «بوريڤيستنيك ليس ثورة حقيقية. يمكنه التحليق مسافات طويلة وهناك جوانب جديدة فيه، لكن لا يوجد ما يدعم ادعاءاته بأنه سيغير كل شيء مطلقاً… لا يمكن القول إنه لا يقهر».

يقرأ  مجوهرات «لا تُقدَّر بثمن» تُسرق في غارة على متحف اللوفر

ويرى دبلوماسي روسي سابق أن اختبار الصاروخ يدخل في استراتجية إعلامية تهدف لتخويف الغرب بينما تبدو خطوط الجبهة في أوكرانيا متدهورة. وكتب بوريس بونداريف، الذي استقال من وزارة الخارجية الروسية احتجاجاً على الغزو الشامل لأوكرانيا عام 2022، أن الصاروخ «ليس اختراقاً تقنياً بل منتج دعاياتي يرمز إلى اليأس»، ومضى قائلاً إنه «رمزٌ للضعف لا للقوة — لغياب أدوات تأثير سياسية لدى الكرملن سوى التهديدات».

القضية أن السلطات كشفت حتى الآن القليل جداً عن بوريڤيستنيك، الذي أطلق الناتو عليه تسمية SSC‑X‑9 Skyfall، وهو يُروَّج بأنه مزود بمفاعل نووي يتيح له البقاء في الجو لفترات طويلة. عند إعلان بوتين في 26 أكتوبر عن نجاح اختبار الصاروخ كان برفقته رئيس الأركان فاليري غيراسيموف، وقال بوتين إن «هذا عنصر فريد؛ لا يملكه أحد في العالم». وذكر غيراسيموف أن بوريڤيستنيك حلق مسافة 14 ألف كيلومتر خلال 15 ساعة في اختبار حديث، وأنه قادر على المناورة والتأهب في الجو وإطلاق حمولته النووية بدقة مضمونة ومن أي مسافة.

مع ذلك، اعتبر خبير عسكري أوكراني أن الكثير من تقارير الكرملين «مضللة»، وأن الصاروخ «دون صوتي ويمكن رصده وتدميره بواسطة منظومات الدفاع الصاروخي». كما حذر خبراء من أن بوسيدون — إن كانت مواصفاته صحيحة — سلاح مدمر للغاية ومتاح أساساً كقدرة للرد الثاني فقط بعد اندلاع حرب نووية، وأن نقص التفاصيل عن كلا السلاحين يبعث على الشك في مزاعم الكرملين.

ترافقت تصريحات موسكو مع إلغاء قمة كان من المقرر أن تجمع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبوتين في بودابست، حيث وصف ترامب اختبار بوريڤيستنيك بأنه «غير ملائم» وأمر البنتاجون باستئناف إختبارات الأسلحة النووية والصواريخ في الولايات المتحدة. وقبل انتخابات التجديد النصفي المقبلة، قد يسعى ترامب لعرض أنه أجبر الكرملين على كبح عدوانه في أوكرانيا — وهو ما يتطلب ممارسة ضغوط حقيقية على روسيا، على حد قول محللين عسكريين.

يقرأ  مواطن إسرائيلي يعود إلى إسرائيل بعد قضاء ثلاثة أشهر في السجن بالأردن

ما لم يذكره بوتين هو أن اثنين فقط من نحو عشرة اختبارات لبوريڤيستنيك منذ 2019 اعتُبرت ناجحة. وإطلاق 2019 قرب بحر الأبيض في شمال غرب روسيا أدى، بحسب خبراء غربيين، إلى وفاة خمسة خبراء نوويين على الأقل إثر انفجار وتسرّب إشعاعي؛ واعترفت وكالة الطاقة النووية الروسية ببعض الوفيات، غير أن تقارير رسمية وإعلامية لم تُنشر معها لقطات فيديو أو صور تفصيلية أو مسارات اختبار واضحة تجعل من الصعب التحقق أو النفي المطلق لادعاءات الكرملين. وفي سبتمبر تمكّن خبراء غربيون من تحديد موقع محتمل لنشر النظام قيد التطوير. المعروفة باسم «فولوغدا‑20» أو «تشيبسارا»، يُعتقد أنها تقع على بعد 475 كيلومتراً (295 ميلاً) شمال موسكو، وتضم تسع منصات إطلاق قيد الإنشاء، بحسب تقرير لوكالة رويتزر العام الماضي.

قادت قدرة هذا الصاروخ إلى انقسام في آراء المحللين العسكريين.

قالت «مبادرة التهديد النووي» — وهي مجموعة أمنية أميركية غير ربحية — في تقرير صدر عام 2019 بعد أول اختبار جزئي ناجح للصاروخ: «في حالة التشغيل، سيحمل بوريفيستنيك رأساً نووياً (أو رؤوساً)، ويحلّق حول الكرة الأرضية على ارتفاع منخفض، متجنباً منظومات الدفاع الصاروخي، ومتملصاً من حدود التضاريس، ثم يفرغ الرأس/الرؤوس عند موقع يصعب التنبؤ به (أو في مواقع متعددة).»

وبعد عام، صرّح مركز الاستخبارات الجوية والفضائية الوطني التابع للقوات الجوية الأمريكية بأن بوريفيستنيك، إذا أُدخل إلى الخدمة، سيمنح موسكو «سلاحاً فريداً بقدرة مدى عابر للقارات».

بوريفيستنيك: خدعة أم حقيقة؟

يشكك آخرون في جدوى هذا المشروع عملياً. يقول بافل لوزين، باحث زائر في جامعة تافتس بولاية ماساتشوستس، إن «بوريفيستنيك يُعد تضليلاً منذ الإعلان الأولي قبل سبع سنوات ونصف». ويضيف لوزين أنه «من المستحيل ابتكار مفاعل نووي مدمج وقوي بما يكفي لتأمين حركة صاروخ كروز؛ هذا أمر من مبادئ الفيزياء الأساسية».

يقرأ  ازدواجية المعايير في التعامل مع أزمة لاجئي غزة مقارنةً بأوكرانيا وسوريا

تصرّ موسكو على أن بوريفيستنيك يستخدم دفعاً نووياً بدلاً من محركات التوربوجيت أو التوربوفان التقليدية في صواريخ كروز أو البالستية. لكن لوزين يشير إلى أن أصغر المفاعلات النووية المستخدمة لتشغيل الأقمار الصناعية تزن نحو طنّاً مترياً واحداً، وتنتج عدة كيلوواطات من الطاقة — أي ما يعادل تقريباً استهلاك منزل عادي — بينما تطلق نحو 150 كيلوواط طاقة حرارية. أما المفاعلات التجريبية التي طوّرت في خمسينيات وستينيات القرن العشرين للاستخدام الجوي فقد كانت تزن أطناناً عدة وكانت بحجم عربة قطار.

ويستطرد بأن المحرّك العادي لصاروخ كروز يزن حتى نحو 80 كيلوجراماً، ويوفر حوالى 4 كيلوواط للطاقة الكهربائية للأنظمة الداخلية، وحوالي 1 ميقاواط للطاقة اللازمة لدفع الصاروخ.

في المقابل، يرى محللون آخرون أن محرك بوريفيستنيك النووي قد يكون عملياً من الناحية التقنية، غير أنهم لا يعتبرون هذا السلاح ثورة تكنولوجية بالمعنى الذي يقدَّم به في التصريحات الرسمية.

أضف تعليق