أزمة إعادة فرض الخدمة العسكرية في المانيا: فِعلٌ سياسي أم فوضى تفاوضية؟
خطط إعادة إدخال التجنيد الإلزامي في ألمانيا دخلت في حالة فوضى نتيجة خلاف مفاجئ في اللحظات الأخيرة بين أحزاب الائتلاف الحاكمة. الانقسام أدى إلى سقوط تسوية كانت تنطوي على احتمال فرض جزئي للتجنيد.
المضمون السياسي والعسكري
المستشار فريدريش ميرتس أعلن عن طموح لجعل ألمانيا تملك أقوى جيش تقليدي في أوروبا، ودفع إلى تسريع زيادة الإنفاق وإضافة عناصر بشرية إلى القوات المسلحة. لكن المؤتمر الصحفي الذي كان مقرراً لإعلان المقترحات أُلغِي فجأة قبل أن يُعرض مشروع القانون على البرلمان، بينما نفى وزير الدفاع بوريس بيستوريوس اتهامات بأنه “قام بتفجير” الخطة.
خلفية التمويل والاستعداد
رغم أن ألمانيا تملك أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فقد ظل تمويل قواتها ضعيفاً لعقود منذ نهاية الحرب الباردة، ما دفع برلين الآن إلى محاولة تعويض التأخر عبر رفع الموازنات وتضخيم الكتلة البشرية دفاعياً، وسط تحذيرات بأن حلفاء الناتو الغربيين يجب أن يستعدوا لاحتمال هجوم روسي خلال أربع سنوات.
الحساسية السياسية والاجتماعية
المسئلة العسكرية تظل شديدة الحساسية في المجتمع الألماني بسبب نتاجات التاريخ في القرن العشرين؛ لذلك ثمة قطاعات واسعة تحفظت على إعادة التسليح والتجنيد. ومع ذلك، أظهر استطلاع فورسا لصالح مجلة شترن أن 54% من الألمان يؤيدون خدمة إلزامية، مقابل 41% معارضة، بينما ارتفعت نسبة الرفض بين الفئة العمرية 18–29 لتصل إلى 63%.
تفاصيل المقترح المثير للجدل
تهدف الخطط إلى توسيع القوات الفاعلة من نحو 183,000 عسكري حالياً إلى 260,000 بحلول 2035، إضافةً إلى 200,000 من الاحتياط. وفق المشروع الذي عُلن هذا الصيف، سيُطلب من جميع الشبان البالغين 18 عاماً ملء استمارة إلكترونية تبين خلفياتهم واستعدادهم للخدمة لمدة لا تقل عن ستة أشهر؛ ويُقترح أن تكون الإجابة على الاستمارة إلزامية للذكور وخياراً للإناث.
مآلات التوافق داخل الائتلاف
الاتفاق الحكومي بين ميرتس (التحالف المسيحي) والحزب الاشتراكي الديمقراطي تضمن إعادة الخدمة بصورة تطوعية “في البداية”، لكن نواب وحزبي اليمين أعربوا عن مخاوف من أن نظاماً تطوعياً بحتاً لن يلبي الاحتياجات. المفاوضات بين الحزبين أنتجت تسوية مركبة ذات مراحل، تضمنت احتمالاً لاستخدام سحب قرعة إذا لم يكفِ عدد المتطوعين، واستدعاء مجموعة من الشباب للفحص الطبي أو حتى للخدمة الإلزامية في حال فشل تحقيق الأهداف التجنيدية.
مواقف الحزب الاشتراكي وبدائل عملية
داخل صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي ثمة مقاومة قوية لأي شكل من أشكال التجنيد الإلزامي. وزير الدفاع الاشتراكي بوريس بيستوريوس يدعم بناء قدرة دفاعية أقوى، لكنه يرى أن بعض الصيغ المقترحة غير عملية؛ فبدلاً من اللجوء إلى قرعة، اقترح إجراء فحوصات طبية لجميع الشباب المؤهلين اعتباراً من يوليو 2027 ليحصل الجيش على صورة واضحة عن الإمكانيات البشرية المتاحة. رغم الخلافات، يؤكد بيستوريوس أن القانون الجديد سيمر في وقت يسمح بتطبيقه اعتباراً من العام المقبل، على أن تُعرض المقترحات الأصلية التي تُركّز على التجنيد الطوعي على البرلمان قريباً، مع توقع نقاشات حادة لاحقاً.
التحديات اللوجستية والتاريخية
وزارة الدفاع تواجه تحديات لوجستية هائلة لبناء البُنى التحتية اللازمة لاستيعاب القوة الموسعة. تجدر الإشارة إلى أن التجنيد الإلزامي ألغي في ألمانيا عام 2011، وكان أمام الشباب حينها خيار الخدمة العسكرية أو اختيار الخدمة الاجتماعية كبديل للامتناع الضميري.