قبل أقل من ثلاثة أسابيع على انتخابات رئاسة بلدية نيويورك، اصطدم المرشحون الثلاثة الأبرز في المناظرة التلفزيونية الأولى من سلسلتين، في مواجهة قد تغيّر موازين الحملة.
زوهران ممداني، المرشح الاشتراكي الديمقراطي، لا يزال يحافظ على تقدم واضح في استطلاعات الرأي، لكن المناظرة الممتدّة لساعتين يوم الخميس منحت منافسيه فرصة لعرض حججهم ومحاولة تضييق الفارق.
أندرو كومو، حاكم نيويورك السابق، وكورتيس سليوا عن الحزب الجمهوري أعادا ترديد خطوط هجوم مألوفة ضد ممداني، النائب الشاب (34 عاماً) الذي برز كوجه صاعد داخل الحزب الديمقراطي. وعلى الرغم من أن السباق منصب بلديّ، إلا أن تداعياته تجاوزت حدود المدينة وربما الدولة.
انتصار ممداني الساحق في الانتخابات التمهيدية في يونيو ضد كومو أحدث صدمة سياسية في الولايات المتحدة، واعتُبر نصراً بارزاً للتيار التقدمي في حزب الديمقراطيين بينما لا يزال الحزب يبحث عن مسارات جديدة بعد خسارته الكبيرة في انتخابات 2024 العامة. كما أسهم فوزه في تعزيز زخم السياسات المساندة للفلسطينيين في الساحة الأميركية، لا سيما أن ممداني انتقد بشدة هجوم اسرائيل على غزة — ودفع ذلك بعض الديمقراطيين التقليديين إلى موقف أكثر تحفظاً.
برزت في المناظرة أيضاً الفجوة بين ممداني وكومو عندما أعلن الأخير استئناف حملته كمرشح مستقل بعد خسارته في التمهيديات، ولاحقاً انكشف أنه انضم العام الماضي إلى فريق الدفاع عن رئيس الوزراء الإسرائيلي لدى المحاكم الدولية، ما أثار انتقادات لصلاته بشخصيات متورطة في اتهامات بجرائم حرب.
ركزت أغلب فقرات المناظرة على الخلاف بين ممداني وكومو ورؤيتهما المتباينة للمدينة، بينما وجد سليوا نفسه يكافح للحصول على وقت بث بعدما تحوّلت المواجهة إلى تبادل لانتقادات قاسية بين الاثنين، واصفاً المشهد في لحظة بأنه «شجار في ساحة المدرسة».
يُجرى الاقتراع في الرابع من نوفمبر. وفيما يلي أبرز النقاط المستخلصة من مناظرة الخميس:
إسرائيل وفلسطين في صدارة النقاش
لم تكن إسرائيل وفلسطين جزءاً من أحياء نيويورك الخمسة، لكن الحرب على غزة طفت كأحد أوائل المواضيع المطروحة واستُحضرت مراراً طوال الليل. طُلب من ممداني التعليق على تصريحاته لشبكة فوكس الإخبارية التي بدا فيها متردداً بشأن الدعوات التي تطالب حماس بإنهاء سلاحها. فأجاب مبدِّياً موقفه بوضوح: «بالطبع أعتقد أنهم يجب أن يلقوا أسلحتهم».
وأضاف أن فَرض وقف إطلاق النار يعني أن كل الأطراف يجب أن تكفّ عن القصف وتضع السلاح، مؤكداً أيضاً على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للصراع: الحصار والاحتلال وما وصفه نظام فصل عنصري في الأراضي الفلسطينية. وقد أعلنت الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية أن احتلال الأراضي الفلسطينية غير قانوني.
ردّ كومو، بنبرة غاضبة متصاعدة، باتهامات لا أسس لها بأن انتقادات ممداني لانتهاكات إسرائيل تقرّب من إنكار حق قيام الدولة الإسرائيلية. وقال إن عبارة ممداني «يعتمد على حالة الاحتلال» تُفهم كرمز لعدم الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. ردّ ممداني بالتنبيه إلى علاقة كومو بنيتينياهو، المُلاحَق بمذكرة اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية العام الماضي، مشيراً إلى أن إشارة «الاحتلال» هي إشارة إلى القانون الدولي وانتهاكه — وهو ما تجاهله، بحسبه، من انضم إلى فريق دفاع نتنياهو أثناء ما وصفه حملة عنف وإبادة.
حاول كومو أيضاً تشويه موقف ممداني لعدم إدانته لعبارة «عولمة الانتفاضة»، وهو شعار يستخدمه بعض المناصرين تضامناً مع الفلسطينيين. شرح ممداني أنه استمع إلى مخاوف يهود نيويورك الذين يربطون العبارة بهجمات انتحارية خلال الانتفاضة الثانية، وأنه منذ ذلك الحين حثّ على تجنّب استخدامها. وللتوضيح، «الانتفاضة» بالعربية تعني «الانتفاض» وقد أطلق هذا المصطلح على انتفاضتين فلسطينيتين في أواخر الثمانينيات والألفين، اللتين شهدتا أشكالاً سلمية وأخرى عنيفة من الاحتجاج.
العلاقة مع الجاليات اليهودية والمسلمة
كانت علاقة ممداني مع الجالية اليهودية في نيويورك مادة رقابية عبر وسائل الإعلام طوال الحملة، بينما تحتضن المدينة في الوقت ذاته أكبر تجمع للمسلمين في البلاد. سأل أحد معدّي المناظرة كومو عن علاقته بالمجتمع المسلم بعدما وصف ممداني، الذي يعتنق الإسلام، بأنه «متعاطف مع الإرهابيين». أجاب كومو، الذي استقال في 2021 بعد اتهامات متعددة بالتحرش الجنسي: «لا أرى أن النائب يمثل المجتمع المسلم. أكنّ للمجتمع المسلم مودة كبيرة»، وأضاف أن كثيراً من مواقف ممداني «لا تتوافق حتى مع تعاليم الدين الإسلامي».
رد ممداني أن زيارة كومو لمسجد جاءت بنتيجة الضغوط التي فرضها وجود مرشح مسلم نافس بقوة في التمهيديات، وأنه لأول مرة زار كومو مسجداً خلال حملته الشهر الماضي. وختم الممداني بالقول إن ما تريده الجاليات المسلمة في المدينة هو ما تريده كل المجتمعات: المساواة والاحترام، وأنه أمَر مخجِل أن يكون وجودهم مرئياً فقط حين تتبدل معطيات الحملة.
الخبرة الإدارية محور هجوم كومو
افتتح كومو هجومه بالقول إن ممداني لا يملك الخبرة اللازمة لقيادة أكثر المدن اكتظاظاً في الولايات المتحدة — مدينة يقطنها نحو 8.4 مليون نسمة — واستند في نقده إلى خبرته الشخصية في إدارة الولاية لعقد كامل، وإلى عمله في وزارة الإسكان والتنمية الحضرية في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون. وحذّر من أن هذا المنصب «ليس مجالاً للتدريب أثناء العمل»، وأنّ رؤساء بلديات فشلوا سابقاً لأنهم افتقروا للخبرة الإدارية وإدارة المؤسسات، مسلطاً الضوء على أهمية خبرة الإدارة التنفيذية في قيادة مدينة بهذا الحجم. «لا تفعلها مرة أخرى»، قال كومو، البالغ من العمر 67 عاماً، متسائلاً عما إذا كان ممداني قادراً على قيادة المدينة خلال جائحة أو إعصار.
ردّ ممداني بمحاولة تقويض ذلك الهجوم عبر سرد إنجازاته كنائب في الجمعية التشريعية للولاية، منها تأمين تمويل لبرنامج حافلات مجاني داخل المدينه. ثم انتقل للهجوم المضاد.
«إذا واجهنا جائحة صحية، فلماذا سيلجأ نيويوركيون إلى حاكم أرسل كبار السن إلى موتهم في دور الرعاية؟» تساءل ممداني.
أظهر تقرير صدر عام 2021 عن المدعية العامة ليتيسيا جيمس أن مكتب كومو قلّص من عدد الوفيات في دور الرعاية خلال المراحل الأولى من جائحة كوفيد-19.
«ما أملك من خبرة أعوضه بالنزاهة»، قال ممداني لكومو. «وما تفتقده من نزاهة لا يمكن لأي خبرة أن تعوضه».
ترامب.. ترامب.. ترامب
ظل ظل الرئيس دونالد ترامب يخيّم على المناظرة، بعد تهديده بقطع التمويل الفيدرالي عن نيويورك وإرسال قوات عسكرية إلى المدينة.
اتفق المرشحون الثلاثة على أنه لا حاجة لنشر الحرس الوطني في نيويورك.
رغم أنه من نيويورك وتبادله مع كومو خلافات متكررة خلال جائحة كورونا، بدا ترامب كأنه يؤيد كومو عملياً، ودعا الأخير إلى البقاء في السباق وامتنع عن دعم المرشح الجمهوري سليوا.
كما شن ترامب هجمات متكررة على ممداني واصفاً إياه بـ«الشيوعي الصغير»، وفي تصريحات حديثة ألمح إلى أن استمرار الدعم الفيدرالي لمدينة نيويورك مرتبط بخسارة ممداني في انتخابات العمدة.
مع ذلك، قال ممداني لمديري الجلسة إنه مستعد للتعاون مع الرئيس—ولكنه سيقف في وجهه إذا تطلب الأمر ذلك. «سأوضح للرئيس أنني مستعد ليس فقط للتحدث معه، بل للعمل معه إذا كان ذلك يعني تخفيف كلفة المعيشة على نيويوركييّن»، قال ممداني. «هذا ما بنى عليه حملته الرئاسية، ومع ذلك كل ما نجح في تحقيقه حتى الآن هو ملاحقة خصومه السياسيين ومحاولة تنفيذ أكبر برنامج ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة».
وانتقد ممداني أيضاً كومو لكونه يحظى بدعم بعض كبار مانحي ترامب، بمن فيهم مدير صندوق التحوط بيل أكمان، الذي تبرع بمئتي ألف—أو نصف مليون—دولار لمجموعة تدعم ترشّح الحاكم السابق.
«أنا لست ممولاً من نفس المانحين الذين منحونا فترة ولاية دونالد ترامب الثانية، وهذا ليس أمراً يستطيع أندرو كومو قوله»، قال ممداني.
حاول كومو إقحام قضية دعم مانحي ترامب عليه بربطها بمواقف ممداني من ما يجري في غزة. «هناك الكثير من سكان نيويورك الذين يدعمونني، وهناك كثير من اليهود في نيويورك يدعمونني لأنهم يعتقدون أنك معادٍ للسامية»، قال الحاكم السابق لممداني. «لذلك المسألة ليست عن ترامب أو الجمهوريين، بل عنك أنت».
مواقف ممداني من الشرطة وخطط تمويل مشاريعه
واجه كل من كومو وسليوا ممداني بشأن قضايا الأمن العام، مستشهدين بتصريحات أدلى بها في 2020 وصف فيها شرطة نيويورك بـ«العنصرية» ودعا إلى سحب التمويل منها.
ردّ المرشح المتصدر باعتذار عن تلك التصريحات، التي صدرت في أعقاب القتل الوحشي لجورج فلويد على يد ضباط شرطة في مينيابوليس، مؤكداً أنه خلال السنوات الخمس الماضية تعلّم أن العدالة والمساءلة والسلامة العامة عناصر متداخلة ومتكاملة.
«هذا يعني قيادة مدينة تعترف بشجاعة الرجال والنساء الذين ينضمون إلى شرطة نيويورك ويضعون حياتهم على المحك»، قال ممداني، «وفي الوقت نفسه تمثيل المسلمين الذين خضعوا لمراقبة غير قانونية في منطقته والسود وسكان البشرة السمراء الذين كانوا ضحايا وحشية الشرطة».
من بين خططه لتقوية السلامة العامة إنشاء وحدة متخصصة للرد على حوادث الأزمات النفسية.
وكُشف أيضاً عن كيفية تمويل وعوده الطموحة، بما في ذلك الحافلات المجانية ورعاية الأطفال: عبر فرض ضرائب أعلى على أغنى واحد في المئة من سكان المدينة بزيادة 2 في المئة ورفع معدلات الضريبة على الشركات داخل حدود المدينة.
وعلى نطاق أوسع عبر عن تفاؤله بقدرته على تنفيذ مشاريع كبيرة، مستذكراً فوزه غير المتوقع في الانتخابات التمهيدية في يونيو، وهو التحول الجذري لسباق كان بدأ بتراجع استقصاءات الرأي التي وضعته بأقل من 2 في المئة.
«كثيرون اعتبروا حملتي في البداية مشروعاً خاسراً، والآن أقف أمامكم فخوراً كمرشح ديمقراطي حصل على أكثر الأصوات في تاريخ الانتخابات التمهيدية للمدينة»، قال. «وأعتقد أننا سنشهد ذات النتيجة ونحن ندفع نحو التأكد من أن أغنى الناس وأكفأ الشركات يدفعون الحصة العادلة التي يجب أن يدفعوها». لم يتم تزويدي بأيِّ نصّ. ارسل النصّ المراد إعادة صياغته وترجمته وسأقوم بذلك.