مابوتو، موزمبيق — في صباح دافئ من أواخر سبتمبر، وقف الرئيس دانيال تشابو أمام قاعة تضم مندوبين ووزراء حكوميين وشخصيات معارضة، واعلن بدء مسار جديد «تنظر فيه موزمبيق إلى نفسها في المرآة، تستمع لصوتها، وتبني مستقبلها على قاعدة تنوعها وقوته».
في الثامنة والأربعين من عمره، يُعد تشابو أول رئيس مولود بعد استقلال البلاد. تولى رئاسة الدولة في كانون الثاني/يناير في ظرف بالغ الحساسية: اقتصاد متعثّر، أزمة إنسانية، تمرد مسلّح في الشمال، وظلّ توتر ما بعد الانتخابات يخيّم على المشهد العام.
لكن الرئيس الجديد يؤكد أن لديه رؤية وخطة تنفيذية، تبدأ بحوارٍ وطني شامل يمتد لعامين أطلقه في العاصمة في العاشر من سبتمبر. قال في حفل إطلاق الحوار مخاطباً ممثلي الأحزاب السياسية بمن فيهم فينانسيو موندلانى من قادة احتجاجات ما بعد الانتخابات: «كل الأصوات لها قيمة، كل الأيادي تساهم في البناء، وكل الأحلام لها مكان — لا يستبعد أي موزمبيقي».
أجرى تشابو مقابلة مطوّلة مع قناة إخبارية حيث تناولت الحوار الوطني كأداة لبناء مستقبل أكثر شمولية وسلاماً، وتطرق خلالها إلى التحديات والفرص التي تواجه البلاد.
«خمسمئة عام من الاستعمار»
خارج القصر الرئاسي في مابوتو تتلاصق عمائر استعمارية برتغالية قديمة مع بنايات حديثة ومآوٍ مؤقتة، صورة تمثل امتداداً تاريخياً طويل الأمد. لفهم موزمبيق اليوم لا بد من استحضار تاريخها كحقل للمشروعات الإمبراطورية، نضالها العنيف من أجل الاستقلال، والحرب الأهلية التي تلاها والتي أنهتْها حركة تحرير موزمبيق (فريليمو) بعد توقيع اتفاق سلام مع متمردي المقاومة الوطنية الموزمبيقية (رنامو) في 1992.
في غرفة مغلّفة بألواح خشبية داخل القصر، أوضح تشابو أن المقارنة بين «خمسمئة عام من الاستعمار» و«خمسين عاماً من الاستقلال» توضح مقدار الدمار والفراغ الذي خلفته سنوات الصراع: «ضمن هذه الخمسين سنة عشنا ستة عشر عاماً من حرب دمّرت منشآت عامة وخاصة، أحرقَت متاجر ومصانع وسكك حديد، وقتلت أكثر من مليون موزمبيقي». ويؤكد أن تجاوز الكثير من هذه التحديات مرّ عبر محاولات فاعلة للوحدة والقدرة على الإصغاء والتفاوض.
بدأ البرتغاليون فرض سيطرتهم على موزمبيق في القرن السادس عشر. وفي منتصف القرن العشرين، ومع انتشار حركات الاستقلال في القارة، تشكلت فريليمو كحركة تحررية مناهضة للاستعمار وأطلقت في 1964 كفاحاً مسلحاً استمر حتى أفضى التفاوض إلى اتفاق لوساكا في 1974 ومن ثم استقلال البلاد في يونيو 1975.
وبعد الاستقلال بعامين اندلعت تمردات رنامو المدعومة آنذاك من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وحكومة روديسيا البيضاء، فدخلت البلاد في عقد ونصف من العنف والتشريد الذي أودى بحياة نحو مليون شخص وأجبر ثلث السكان على الفرار عن ديارهم. انتهت الحرب بتوقيع اتفاقات روما للسلام العام في 1992.
يركّز تشابو على أهمية فهم قيادة رنامو ومنظومتها وأهدافها خلال عملية السلام، ويقول إن المسار تضمن مزيجاً من الدفاع المسلح لحماية المدنيين مع استمرار سعيهم للحوار.
تحديان أساسيان
يصف تشابو، وهو محامٍ مؤهل عمل صحفياً قبل دخوله الحقل السياسي، أن «إيجاد مسارات للسلام» من أولويات عهده. يصادف هذا العام الذكرى الخمسين لاستقلال موزمبيق؛ وتشابو، المولود بعد استقلال البلاد، نشأ في ظل الحرب الأهلية التي تركت ندوباً لا تزال تتطلب وقتاً للالتئام.
واعترف بوجود تحديات مستمرة: شعور واسع بالاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي، قلق بين الشباب، كوارث مناخية، وتمرد مسلح في إقليم كابو ديلغادو الغني بالموارد. لكنه طالب بوضع هذه التحديات في سياقها التاريخي، مؤكداً أن كثيراً منها ليس جديداً.
بعد انتخابات أكتوبر 2024 اتهمت أحزاب معارضة بوجود مخالفات انتخابية، ما أدّى إلى احتجاجات شعبية امتدت أسابيع في أنحاء البلاد. يرى تشابو أن أزمات ما بعد الانتخابات ظاهرة متكررة منذ انتهاء الحرب الأهلية: «كلما جرت انتخابات كل خمس سنوات، يتعرّض السلام للخطر… لم تنته أي دورة انتخابية منذ 1994 دون عنف أو زعزعة». ومن هنا تنبع مهمته في السعي إلى استقرار اقتصادي وسياسي واجتماعي شاملين.
يعتقد أن السياسة الحكومية التي ترتكز على «الشمول الاقتصادي والاجتماعي والسياسي» ستسمح تدريجياً لكل موزمبيقي — سواء كان من حزب الحكم أم لا — أن يشعر بأن التنمية تؤثر إيجابياً في حياته.
من الأولويات العاجلة تخفيف حدة التوترات بعد الاحتجاجات وإنهاء التمرّد في كابو ديلغادو. منذ 2017 تنشط مجموعة مسلحة ذات صلات بتنظيم الدولة الإسلامية في أجزاء من الإقليم، نفذت هجمات أودت بحياة وشرّدت آلاف المدنيين. يعتقد محلّلون أمنيّون أن دافع بعض المقاتلين هو شعورهم بالحرمان الاقتصادي والاجتماعي في منطقة تُستغلّ مواردها الطبيعية، رغم أن الجماعة لم تُعلِن عن أهدافها العلنية بوضوح.
تعمل القوات المسلحة الموزمبيقية، بدعم من قوات رواندا وتنزانيا وقوات مجتمع التنمية في جنوب أفريقيا، على الأرض لمواجهة الهجمات المسلحة، وفق تشابو الذي يعتبر التعاون الإقليمي عنصراً محورياً لردع العنف وبناء استقرار دائم. لكنه يؤكد أنه لا بد من بذل مزيد من الجهود للوصول إلى جذور المشاكل.
بالنسبة للصراعين الرئيسيين اللذين تواجههما البلاد في 2025، يعود تشابو دائماً إلى نفس الحل المقترح: التفاوض.
أُطلق الحوار الوطني الجديد للتحدث مع الأحزاب السياسية المتنافرة والاستماع إلى احتياجات كل طرف ومخاوفه، كما قال. وفي كابو ديلغادو، تعمل الحكومة على فهم «قيادة» التمرد ودوافعها — على غرار الطريقة التي سعت بها فريليمو لفهم رينامو لوضع حد للحرب الأهلية.
«كما حدث مع الاستقلال بعد خمسة قرون، وبعد الحرب الأهلية بعد ستة عشر عاماً، لم يأتِ السلام إلا عبر الحوار»، قال تشابو.
ومع ذلك، تحسَّنت الأوضاع فقط عندما ظلّ الموزمبيقيون «موحَّدين وغير قابليْن للتجزئة».
ناس في شوارع مابوتو، موزمبيق، بعد انتخابات 2024
شمول جميع المواطنيين الموزمبيقيين
مع تعاطي البلاد مع تحدياتها الأمامية، أبدى مراقبون خارجيون قلقهم.
غالباً ما تشير مؤسسات غربية ومحلّلون إلى تفشي انعدام الأمن والاقتصاد المتعثر وامتداد سنوات من الفساد المؤسسي. وقد خفّض البنك الدولي توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى نحو 3 بالمئة هذا العام.
لكن الحكومة تعمل على إبراز مجالات الفرص، ويبدو أن وزراء حكومة تشابو واثقون من رؤية القائد الجديد لإشراك جميع الموزمبيقيين.
«الرئيس تشابو شخص ذو رؤية واضحة لمسار التنميه»، أخبر أنطونيو غريسبوس، سكرتير الدولة للتجارة بموزمبيق، قناة الجزيرة. «هو لا يعتمد على الأرقام فحسب، بل يريد أن يشارك هذه الموارد — وأن تكون مرئية لدى المجتمعات التي تملكها.»
يتحمّس تشابو لإمكانات البلاد في الزراعة والسياحة والصناعة والطاقة والموارد المعدنية مثل الغاز والذهب والألماس، ويرى أن ذلك سيسهم في تحسين الاقتصاد إلى جانب سياسة خارجية تقوم على «أصدقاء أكثر، وأعداء أقل».
وفي المجالات التي تبدو فيها البلاد متأخرة، يشير الرئيس إلى المكاسب المحققة رغم العقبات.
«قبل الاستقلال كان لدينا جامعة واحدة فقط؛ واليوم لدينا أكثر من خمسين. وفي الصحة كان هناك أقل من خمسة أطباء قبل الاستقلال؛ واليوم تجاوز عددهم ألفين»، أضاف. كما تستضيف موزمبيق «أكبر جسر معلق في إفريقيا».
ومع أن مسارها نحو الديمقراطية استغرق زمناً أطول ومرّ بعقبات أكثر من بعض جيرانها، يرى تشابو أن ذلك كان نعمة إلى حدّ ما، لأنه أتاح للبلاد السيطرة على عملتها وبنكها المركزي وأراضيها ومواردها — أشياء لا تزال بعض الدول الإفريقية تناضل من أجلها.
«رغم طول الزمن اللازم لتحقيق استقلال نعتقد أنه كان يستحق، إلا أنه أفرز حريّة حقيقية للأرض وللشعب الموزمبيقي».
شعب صامد
اليوم تمتلك البلاد الحرية، لكن يلزم بذل مزيد من الجهد لتعزيز الوحدة وإعادة بناء الثقة، يعترف تشابو.
ومن هنا جاءت فكرة الحوار الوطني.
ستجمع المبادرة أصواتاً من طيف واسع — المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والشباب والنساء والزعماء الدينيين وجميع الأحزاب السياسية. «هدفنا»، قال تشابو، «بناء حكم شامل، حيث يُعتبر كل موزمبيقي، بغضِّ النظر عن العِرق أو الدين أو الانتماء السياسي، موزمبيقياً بالدرجة الأولى.»
خَطاب الرئيس من أجل الوحدة يأتي في وقت حاسم. فإذا نجحت مبادرة الحوار، فقد تعيد تعريف العلاقة بين الحكومة والمجتمع، وتكسر دورة النزاع الانتخابي، وتضع موزمبيق على طريق التنمية المستدامة. لكن بالنسبة للكثيرين الذين ما زالوا يعيشون في الفقر والعنف، تظل الجراح عميقة والشكوك مستمرة.
ويمضي تشابو متفائلاً برؤية طويلة الأمد لمكافحة الفساد، وتعزيز الجدارة، واحتضان التنوّع، وإشراك الشباب.
«لخمسين سنة قادمة رؤيتنا سلام وأمن وازدهار»، قال، «لبناء موزمبيق متقدمة ومزدهرة ومستدامة يتقاسم فيها كل المواطنون ثروة الوطن.»
يعتقد أن الاستماع المتبادل هو السبيل الوحيد لتحقيق الوحدة والسلام اللذين تستحقهما الأمة.
«تدلّ ممارسات حل النزاعات في العالم على أن كل الحروب تنتهي في نهاية المطاف على طاولة المفاوضات — سواء في أوكرانيا-روسيا أو إسرائيل-فلسطين أو جمهورية الكونغو الديمقراطية. وموزمبيق لن تكون استثناءً»، قال، محاطاً بجزء من الأعلام الموزمبيقية الحمراء والخضراء والسوداء والصفراء التي تحمل رموز الكتاب المفتوح والمحراث والبندقية.
«موزمبيق»، قال، «بلد ذو شعب صامد جداً.»