دراسة جديدة تقلب النظرية: السكان الأصليون في أستراليا لم يصطادوا الحيوانات الضخمة حتى انقرضت

تحليل حديث لحفرَين استراليتين يقدر عمرهما بنحو خمسين ألف سنة يشير إلى أن شعوب أستراليا الأصلية لم تكن تنظر إلى الحيوانات الكبيرة بوصفها مصدرًا للّحم فقط، بل كانت تقدّر أحافيرها أيضًا، تجمع العظام وتنقلها لمسافات طويلة كقطع ذات قيمة.

لعقودٍ اعتبر العلماء علامات القطع على الأحافير دليلاً على أن الأستراليين الأصليين كانوا يصطادون فرائسٍ ضخمة ربما إلى حد الإبادة. حينما وصل الإنسان إلى القارة قبل نحو 65 ألف سنة، كانت أستراليا تشتمل على حيوانات عملاقة اختفت منذ زمن طويل، مثل الأكينيدنا ذي الأنف الطويل، والكنغر قصير الوجنة الذي كان يقف بطول يقارب ثلاثة أمتار، والجرابيات شبيهة الومبت ذات الأنياب والتي كانت بحجم وحيد القرن. ومع ذلك، بحلول نحو 46 ألف سنة مضت، كانت تلك الحيوانات الكبيرة قد اندثرت.

في ستينيات القرن الماضي، اكتشف العلماء علامة قطع بشرية على قصبة ركبة كنغر مؤّقــرٍنة عُثِرَ عليها بين عامَي 1909 و1915 في كهف الماموث بجنوب غربي أستراليا. حينها فُسّرت العلامة على أنها دليل على ذبح وفرم هذه الحيوانات العملاقة. لكن فحصًا حديثًا للتركيب الداخلي للعظم أعطى تفسيرًا آخر: الشقّ وُضع بعد موت الحيوان بزمن طويل—وربما بعد تحول بقاياه إلى أحفورة—مما يستبعد فرضية الذبح ويقترح أن العظم المحفوظ كان هو الهدف الثمينة، بحسب دراسة نُشرت في مجلة Royal Society Open Science.

أحفورة ثانية فحصها الباحثون—ضرس أمامي من الجرابي العملاق المنقرض Zygomaturus trilobus—قدّمت دلالة إضافية على جمع الأحافير. هذا النوع شائع في رواسب الأحافير بجنوب أستراليا وغير معروف في الشمال، ومع ذلك احتفظ رجل من السكان الأصليين في شمال البلاد بهذا الضرس كتميمة، مثبتًا في راتنج وموصولًا بخيط من شعر الإنسان. أهداها إلى عالم أنثروبولوجيا أواخر الستينيات، لكن لم يُعرف متى أو من أين أتى بها. قال الدكتور مايكل آرتشر، المؤلف الرئيسي وأستاذ باحث بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني، إنه من المرجح أنها جُمعت كحفرية في جنوب غرب الولاية ثم اُتُجرت على طول الساحل إلى إقليم كيمبرلي.

يقرأ  مجلة جوكستابوزآنا سيغوفيا — أعمال منفردة في جناح كوريمانزوتّو بمعرض فريز بلندن

معًا، يرويان الضرس والقصبة حكاية شعوب أصلية كثّفت جمع الأحافير، حسبما كتب آرتشر إلى شبكة CNN عبر البريد الإلكتروني. وتثير النتائج الشكوك حول الفرضية القديمة القائلة بأن سكان أستراليا الأصليين أهلكوا الميغافاونا بالصيد؛ فقد استندت تلك الفرضية جزئيًا إلى علامات على عظام قد يكون جامعوها هم من أحدثها، لا الصيادون.

تشدد النتائج على غياب أدلة قاطعة تدعم فرضية أن شعوب أستراليا الأصلية «كانت تفرط في القتل» بعد وصول الإنسان إلى القارة. بل إن الأدلة تشير إلى تعايش الإنسان مع هذه الحيوانات العملاقة لما لا يقل عن نحو خمسة عشر ألف سنة، على الأرجح إلى أن التغيرات المناخية أدت تدريجيًا إلى انقراضها.

كان معروفًا أن الشعوب الأولى تستعمل العظام والمحار كزينة أو كأغراض ثقافية، كما أوضحت عالمة الآثار الدكتورة جوديث فيلد، أستاذة فخرية بجامعة نيو ساوث ويلز التي لم تشترك في الدراسة. من أمثلة ذلك خرز محاري يزيد عمره على عشرة آلاف سنة من جزيرة بارو قبالة سواحل أستراليا الغربية، وعقد من أنياب دِب التسمانيا يعود إلى نحو سبعة آلاف سنة عثر عليه قرب بحيرة نيتشي. تقول فيلد: «هذه النتائج تتماشى مع فهمنا للسلوك البشري؛ الناس يجمعون الأشياء ويحركونها عبر المشهد».

وأضافت فيلد أن هناك موقعًا واحدًا فقط على القارة يضع البشر والميغافاونا بوضوح في المكان نفسه وفي الزمن نفسه: كادي سبرينغز. ومع أن البشر تداخلوا زمنياً مع بعض أنواع الميغافاونا، فإن تقلبات المناخ ساهمت أيضًا—على الأرجح—في انقراض أكبر حيوانات أستراليا، وليس الصيد وحده. وتضيف الدراسة بعدًا جديدًا يفيد بتعقيدات السلوك البشري.

عند فحص مقاطع عرضية من قصبة كهف الماموث، كشفت تَصاوُّحُات طولية أن العظم جفّ قبل أن يصبح جزءًا من الرواسب الأحفورية، والمنطقة التي وُجدت فيها علامة القطع اشتملت على كسر عرضي طرأ بعد تشققات الجفاف. في عام 2013، واستفادةً من أدوات تحليل أحفوري أدق، طلب آرتشر من د. بليك ديكسون إجراء مسح ميكرو-CT للعينة ليرى البنية الداخلية المرتبطة بالشقّ، وفوجئ الفريق بأن الدليل كان واضحًا: القطع حدث بعد أن صار العظم أحفورة.

يقرأ  إيمي نغ تتولى منصب كبيرة الأمناء في مجموعة فريك بنيويورك

بناءً على ذلك قال آرتشر إنه «من الواضح أنها ليست بأي حال إشارة إلى أن الحيوان قُتل أو ذُبح على يد البشر. كان القطع جزءًا من محاولة لجمع العظم المتحجر كفضول من قبل شعوب الأمم الأولى—فهم جامعون للأحافير، تمامًا مثلنا!»

المؤلفون لا ينفون أن الشعوب الأولى اصطادت حيوانات كبيرة، لكن فكرة أنها قضت على الميغافاونا تمامًا تعود جزئيًا إلى تحيّزات غربية متولدة عن قرون من أنماط الانقراض الجماعي التي تلت الاستعمار في أستراليا، غالبًا نتيجة الزراعة الأوروبية وإدخال أنواع غريبة تنافست مع الحيوانات المحلية. قال آرتشر إن بعض العلماء افترضوا بسذاجة أن كل الشعوب في الماضي أحدثت نفس النوع من الخراب عند دخولها أراضٍ جديدة.

وخلاصة ما يقترحه الباحثون أن الشعوب الأولى، على الأقل في حالة أستراليا، ربما سرعان ما أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نظم هذه القارة البيئية، مقدّرة ومستغلةً مواردها الأصلية بشكل مستدام، على عكس الأنواع الغريبة وممارسات الزراعة غير المستدامة التي جلبها الأوروبيون لاحقًا.

المقال كتبتها ميندي وايزبرجر، كاتبة علمية ومنتجة إعلامية، وظهرت أعمالها في مجلات مثل Live Science وScientific American، وهي مؤلفة كتاب Rise of the Zombie Bugs: The Surprising Science of Parasitic Mind-Control.

اشترك في نشرة CNN العلمية «Wonder Theory» لاستكشاف الكون عبر أخبار الاكتشافات المدهشة والتقدّم العلمي والمزيد.

أضف تعليق