رئيس أركان الجيش الفرنسي شيل: أوروبا تواجه إمبراطوريات ودولاً تابعة ومخاطر حرب

باريس — قال الجنرال بيير شيل، رئيس أركان الجيش الفرنسي، إن الغزو الروسي لأوكرانيا واستخدام الولايات المتحدة للقوة الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسية يشيران إلى نهاية نظام عالمي يقوم على احترام السيادة وحل الأزمات عبر التفاوض، وإلى عودة ظاهرة الإمبراطوريات على الساحة الدولية.

أوضح شيل، خلال تقديمه لكتابه الأول «Le sens du Commandement» في مكتبة لا بروكور بمركز باريس الأسبوع الماضي، أن العالم يمر بمنعطف قد يوازي على الأقل نهاية الحرب الباردة، وربما يقارن بنهاية الحرب العالمية الأولى من حيث عمق التحوّل.

«أمام الإمبراطوريات، إما أن تكون عدواً أو تابعاً»، هكذا لخّص شيل المأزق الراهن. والسؤال المطروح لأوروبا ولفرنسا هو: كيف نؤثر في مصيرنا كي لا نصبح تابعين في العالم الذي يبزغ؟

قوة أوروبا تكمن في العمل الجماعي عبر الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي؛ فالعهدان يتضمّنان التزامات بالدفاع المشترك. وبالنسبة لفرنسا، يعني ذلك أنها قد تُسحب — للأسف — إلى آليات التزام كبرى حتى وإن لم تكن هناك تهديدات على حدودها، وهو ما وصفه الجنرال بأنه حزْن وقوة في آن واحد.

في الإطار الجيوسياسي المتغير، قد تمثّل الحرب في أوكرانيا انعطافة تشبه الحرب العالمية الأولى، التي بيّن شيل أنها كانت «ثورة صناعية فوق حرب، أو حرب فوق ثورة صناعية». ففي مطلع القرن العشرين كانت الكهرباء في مهَدها والنفط قليلاً الاستخدام، ولم تكن الطائرات منتشرة، أما بنهايتها فشهد العالم تطوراً هائلاً نتيجة انخراط كتلتين عظميين بكل آلياتهما الصناعية في النزاع.

واليوم، قال شيل، ربما نعيش تحوّراً مماثلاً بفضل ثورة رقمية، والطائرات المسيّرة، والفضاء والأقمار الصناعية، والأتمتة — وربما يتبلور هذا كله في المعركة الضخمة التي نراها الآن في أوروبا الشرقية. التكنلوجيات الحديثة تُغيّر وجه القتال ووتيرة النزاعات.

يقرأ  بعد هجوم في قطر... سفير إسرائيل لدى واشنطن: «سننتقم منهم في المرة القادمة» | أخبار الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

المستقبل بحسب شيل سيحمل «حروباً أشد وأوسع نطاقاً»، تعيد اللوجستيات إلى الواجهة؛ لذا من الضروري أن يتأقلم جيشنا مع العالم الآتي، بتعديل هياكله وزيادة قدرة النيران المدفعية للعمق. كما طرح أسئلة حول احتمال عودة التجنيد الإلزامي وزيادة أعداد الاحتياطين في فرنسا.

مصدر القوة في العالم الجديد سيعتمد على القدرة على التكيّف مع التقنيات المتطوّرة حتى على المستويات الدنيا من القيادة. العالم الحديث وعالم القتال المستقبلي سيكونان في جوهرهما عالمين لا يحتملان الجمود: الابتكار المستمر ضرورة — ليس فقط في التكنولوجيا بل في التكتيكات أيضاً.

دعا شيل إلى «القيادة بالمعنى» أو القيادة وفق النوايا؛ نهج يحدد الهدف والغرض لكن يمنح هامش المبادرة للمستويات الدنيا، كأفضل منهجية تتلاءم مع متطلبات القتال الحديث ومع جيل المجندين الشاب الباحث عن معنى ودور.

ورغم أن للجيش الفرنسي تقليداً طويلاً في إصدار أوامر موجزة تترك مجالاً للمبادرة، فقد لاحظ تحوّلاً نحو أسلوب قيادي أكثر تفصيلاً وتعقيداً، نتيجة تبنّي مبدأ الحيطة، وتطور منظومات قيادة أقوى تتكامل معها تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومعايير التشغيل البيني الدولية.

استشهد شيل بانسحاب كاو بانغ في الهندوصين عام 1950 كمثال على عملية كان «الخطة فيها مثالية ودقيقة»، لكن غياب خطة بديلة عندما تغيّرت الظروف الميدانية جعل التمسك الحرفي بالخطة يسهم في الهزيمة. بالمقابل، استشهد بتحرير باريس على يد الفرقة المدرعة الثانية تحت قيادة الجنرال فيليب لوكلير 1944 كنموذج نصري اعتمد على تحديد الأهداف وترك مساحة للمبادرة، تكفيها نصف صفحة أوامر لا أكثر.

«في مواجهة تعقيد العالم، من الضروري المحافظة على المبادرة في المستويات الدنيا، لأنّ هناك يكمن أقصى أثر وفعالية».

أضف تعليق