«رئيس تيب‑إكس أم المخلّص المرتقب لملاوي؟»

بعد خمس سنوات فقط على الإطاحة به بحكم قضائي دراماتيكي، يعود بيتر موثاريكا ليقبض على زمام السلطة كرئيس لمالاوي.

موثاريكا، الذي تولى الحكم بين 2014 و2020، بدا فائزاً في الانتخابات العامة الأخيرة، مقلّصاً الفارق مع خصمه القديم، الرئيس لازاروس تشاكويرا، ومعلناً عودة محتملة إلى القمة بعد فترة من الاندفاع السياسي والانتقادات.

خلال حملته الانتخابية، خاطب موثاريكا الناخبين مؤكداً أن حياة الناس كانت أفضل في عهده، مستفيداً من تدهور اقتصادي حاد شهدته البلاد منذ تولي تشاكويرا، حيث ارتفعت معدلات التضخم ونمت آفاق الفقر المتشدّد بفعل الأعاصير والجفاف وتآكل الاحتياطيات الأجنبية.

سجل موثاريكا، البالغ من العمر ثمانية وثمانين عاماً، ليس خالياً من الشوائب: اتهامات بالفساد، وأحداث أدت إلى نهاية فترته الأولى بالرئاسة، ومحاكمات اتهمته فيها جهات رسميّة بتدبير مؤامرات بعد وفاة شقيقه الرئيس السابقة بينغو، قبل أن تُسقط هذه التهم لاحقاً. الرياسة كانت مسرحاً لصراعات دستورية وسياسية عزّزت انقساماً حاداً في المشهد الوطني.

لم يكن الدخول إلى السياسة مساراً مُتوقعاً بالنسبة إليه؛ فقد وُلد عام 1940 في منطقة ثيولو المعروفة بزراعة الشاي، ونشأ في أسرة تربوية — والديه كانا معلمين — ما شكّل لديه شغفاً عميقاً بالتعليم. درس القانون في ستينيات القرن الماضي بجامعة ييل الأميركية، وتنقّل كمحاضر وأستاذ جامعي بين جامعات في الولايات المتحدة وتنزانيا وأوغندا وإثيوبيا، حتى اكتسب خبرة معتبرة في قضايا العدالة الدولية.

عاد موثاريكا إلى مالاوي عندما تقلّد شقيقه بينغو السلطة عام 2004، فشغل منصب مستشار للرئيس الجديد ثم فاز بمقعد برلماني عن حزب التقدم الديمقراطي الحاكم عام 2009، وتدرّج في حكومته كوزير للعدل ثم للتربية ثم للخارجية. صعوده السياسي بدا سلساً نسبياً، لكن التوترات ظهرت في 2010 مع شائعات رغبة بينغو في ترشيحه لخلافته، ما أثار اتهامات بالمحسوبية.

يقرأ  اعتُقل نحو 540 شخصاً خلال احتجاجات مناهضة للتقشّف في فرنسا فيما أدى رئيس الحكومة الجديد اليمين الدستورية

أُجهضت هذه الخطط فجأة في أبريل 2012 حين تعرض الرئيس لذبحة قلبية فارق على إثرها الحياة عن 78 عاماً. ومع شغور المنصب اشتدت المنافسة الدستورية، إذ نص الدستور على تولّي نائبة الرئيس المنصب، لكن الصراعات داخل الحزب أدت إلى محاولة بعض أنصار بينغو تنصيب موثاريكا، قبل أن تنتصر جويس باندا وتصبح أول رئيسة في تاريخ مالاوي. وُجّهت لاحقاً إلى موثاريكا تهم تتعلق بالتآمر والتستر على وفاة شقيقه، لكن هذه التهم سقطت بعدما انتخب رئيساً في 2014 بفارق بسيط من الأصوات.

يذكر مؤيدوه فترات تحسّن اقتصادي خلال ولايته الأولى، مستشهدين بالقروض الكبيرة من الصين التي مهدت لإعادة تأهيل البنى التحتية، وتراجع حاد في التضخم من مستوى يزيد عن 24% إلى أرقام أحادية. مع ذلك، شهدت ولايته أيضاً انقطاعات متكررة في الكهرباء ونقصاً في الغذاء وفضائح فساد متكررة أثرت في الرأي العام.

في 2018 اتهمت هيئة مكافحة الفساد في مالاوي موثاريكا بتلقي عمولة على عقد توريد أغذية للشرطة بقيمة كبيرة، فاحتج المواطنون على ذلك لكنه برّأ لاحقاً. وقد ظل يدافع عن نفسه بوصفه مناهضاً للإسراف والفساد، ملمحاً إلى بساطة حياته مقارنة ببعض القادة حين صرح بأنه من الرؤساء الأفارقة القلائل الذين يسافرون بالرحلات التجارية.

فوزه المزعوم عام 2019 لم يدم طويلاً؛ فالمحكمة الدستورية أبطلت تلك الانتخابات بعد اكتشاف تلاعب واسع، شمل أموراً رمزية مثيرة للسخرية مثل استخدام سائل تصحيح على أوراق النتائج — فما يُسمّيها المنتقدون بـ«رئاسة تيب-إكس». وأمرت المحكمة بإعادة الانتخابات في 2020، وفاز فيها تشاكويرا بغالبية ساحقة بلغت نحو 59%، ما قوبل بإشادة دولية باعتبار المحكمة قد دانت التدخّل وضمنت مبادئ الحكم الديمقراطي.

على الرغم من أن موثاريكا أبدى في مرحلة ما أنه لن يترشح مجدداً، إلا أنه فاجأ الرأي العام بدخوله سباق هذا العام، قائلاً إن أنصاره طلبوا منه إنقاذ البلاد من سياسة تشاكويرا. حضور موثاريكا خلال الحملة كان أقل من منافسه؛ فقد غاب كثيراً عن التجمعات العامة بينما تناول تشاكويرا البلاد بجولات وحشد جماهيري، ما غذّى الشائعات حول صحته وقدرته على تحمل أعباء الحكم مجدداً في سنّ متقدم. ومع ذلك، منحه الناخبون ثقتهم وفاز حتى في مناطق كانت تُعد معاقل لتشاكويرا مثل ليلونغوي ونكوتاكوتا.

يقرأ  رئيس الاستخبارات الأوكرانية: مجنّدو الكرملين يحققون انتصارات ساحقة وقد تُرفع أهداف عام ٢٠٢٥

حياته الشخصية تظل هادئة نسبياً؛ يُوصف بأنه شخص rezerv(محجوز في التعاطي العام) — كانت تلك ملاحظة صحفية جنوبي أفريقية — ويُعرَف عنه حبّه للكتب وابتعاده عن الضجيج الانتخابي. لديه ثلاثة أبناء من زوجته الأولى كريستوفين التي توفيت عام 1990، وتزوَّج لاحقاً في يونيو 2014 من النائبة السابقة عن حزبه جيرترود ماسيكو. الزوجان سيتوجهان مرة أخرى إلى القصر الرئاسي، لكن الملفات هذه المرّة أثقل، والتحديات أعمق.

الكثير من المالاويين يعانون الآن كما اعترف هو نفسه في خطاباته الانتخابية؛ فإذا ما هدأت الاضطرابات بعد عودته المفاجئة، ستراقب الأمة عن كثب لترى ما إذا كان موثاريكا قادرًا على الوفاء بوعده بإعادة البلاد إلى حالة أفضل أم أن المشكلات البنيوية والاقتصادية ستظل تقوض أي إنجازات. المؤثرون والمنظمات الدولية سيرصدون سياساته الاقتصادية ومكافحة الفساد على وجه الخصوص، لأن مستقبل ملايين المالاويين مرتبط بسرعة وفعالية الاستجابة لتدهور الظروف المعيشية.

أضف تعليق