سيول، كوريا الجنوبية — يستعد الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي-ميونغ للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمرة الأولى في زيارة تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية حساسة إلى أقرب حلفاء بلاده وأكثرهم أهمية.
وصل لي إلى واشنطن الأحد، قادمًا من طوكيو حيث عقد لقاءً ليوم واحد مع رئيس وزراء اليابان شيغيرو إشيبا، على أن يعقد لقاء عمل رسميًا في البيت الأبيض مع ترامب — وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها رئيسا الدولتين وجهًا لوجه.
يتصدر جدول الأعمال استكمال تفاصيل الاتفاق التجاري الذي أبرم في يوليو، والذي تضمن موافقة واشنطن على خفض الرسوم المتبادلة على الصادرات الكورية إلى 15% بدلًا من النسبة المقترحة أوليًا البالغة 25%. ويشمل الاتفاق التزامات كورية بشراء طاقة أميركية بقيمة 100 مليار دولار واستثمار 350 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، إلى جانب استثمارات مباشرة منتظرة من شركات كبرى.
يرافق الرئيس لي السيدة الأولى كيم هي-كيونغ ووفد رفيع المستوى يضم رؤساء أكبر التكتلات الصناعية الكورية مثل سامسونج للإلكترونيات، ومجموعة SK، وهيونداي موتور، ومجموعة LG. وتُظهر تقديرات صحيفة Maeil Business أن هذه الشركات الأربع وحدها قد تسهم بحوالي 126 تريليون وون (نحو 91.2 مليار دولار) في استثمارات مباشرة بالولايات المتحدة.
يرى محللون أن هذا اللقاء محوري لسيول، التي شهدت علاقاتها مع إدارة ترامب توترات نتيجة الاضطرابات السياسية الداخلية، لا سيما إثر إعلان حالة الطوارئ القصيرة الذي صاحبه عزل الرئيس السابق يون سوك-يول. وقالت تشوي يون-جونغ، باحثة أولى في معهد سيجونغ بسيول، إن على لي أن يكون واضحًا ومباشرًا في مفاوضاته مع ترامب لأن “كوريا الجنوبية في وضع صعب تجاريًا مقارنة بالماضي”.
وأضافت تشوي أن من المهم أن يشرح الرئيس كيف ستخدم الاستثمارات المصممة فوائد الأمن القومي الأميركي، وأن يذكر ترامب بأن البلدين شريكان تجاريان وثيقان اجتازا صعوبات كبيرة لتحقيق اتفاقية التجارة الحرة قبل أكثر من عقدين.
من جهته، قلل ماسون ريتشي، أستاذ السياسة الدولية في جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية، من وضوح مسار مفاوضات الاستثمار، واصفًا إياها بـ«غير القابلة للتوقع». وقال إن الرسوم الحالية بنسبة 15% مرجح بقاؤها، وأن بند الاستثمار قد يظل غامضًا وقابلًا لتعديلات مفاجئة من البيت الأبيض.
يركز الجانب الأميركي أيضًا على قطاع بناء السفن كأحد المجالات التي يرغب ترامب في أن تستعيد فيها الولايات المتحدة دورًا تنافسيًا، خاصةً لمجاراة الأسطول الصيني الذي يتقدم من حيث الكم والتطور التكنولوجي. وقد تضمن الاتفاق مع واشنطن شراكة تقارب قيمتها 150 مليار دولار للمساعدة في إعادة هيكلة صناعة بناء السفن الأميركية. وفي هذا السياق، سيتوجه لي بعد زيارته للبيت الأبيض إلى فيلادلفيا لزيارة حوض بناء السفن Philly Shipyard الذي اشترته العام الماضي مجموعة هانوهوا الكورية.
تظهر أيضًا رغبة أميركية واضحة في تعزيز قدرات البطاريات وإنتاج أشباه الموصلات، وهي قطاعات تتمتع فيها كوريا الجنوبية بخبرة ومستعدّة للمشاركة كشريك استراتيجي. وتقول تشوي إن الحكومة الكورية على استعداد للمساهمة بنشاط في «تحديث» التحالف مع الولايات المتحدة، بما قد يشمل زيادة المساهمات في الأمن والتنمية الإقليمية.
على الصعيد الدفاعي، ستكون سياسة البلدين تجاه التهديدات المتزايدة من كوريا الشمالية وتطوير تحالف استراتيجي للتعامل مع بيئة أمنية واقتصادية دولية متغيرة من بين النقاط الجوهرية. وتشير جيني تاون، مديرة برنامج البحث 38 نورث في واشنطن، إلى أن الضغوط من أجل تطور دور القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية تتزايد منذ سنوات، لا سيما مع تصاعد تنافس القوى الكبرى مع الصين.
تعمل إدارة ترامب على تعظيم الموارد لصالح أولوياتها، ومن المرجح أن تشهد هذه الفترة تغييرات محددة، وحجمها سيعتمد على عوامل عدة، بينها توازنات الجهاز السياسي الأميركي الذي يوفّر ضوابط وصلاحيات تنفيذية. ويتضمن مشروع قانون سياسة الدفاع الأميركي للسنة المالية 2026 حظرًا على استخدام أموال لتقليص عدد قوات الولايات المتحدة في كوريا (USFK) عن المستوى الحالي البالغ 28,500 عنصرًا، ما يجعل تغيير أعداد القوات أمرًا غير مرجّح على المدى الفوري، وفق تشوي.
وبالتالي، سيتركز الخلاف الأكبر على مهام تلك القوات وتوزيعها بما يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة، وهو ملف سيحظى بانتباه وبحث مفصّل خلال المحادثات الثنائية. ثمة احتمال أن يطالب ترامب كوريا الجنوبيه بتبنّي دور أوسع في الأمن الإقليمي، بما في ذلك المشاركة في أي صراع قد يطال تايوان.
وقد تمتد المباحثات المالية بين ترامب والرئيس لي لتشمل تفاصيل أمنية، إذ لطالما طالب الرئيس الأميركي بأن تتحمل كوريا الجنوبية مزيداً من تكاليف وجود القوات الأميركية على أرضها. ومنذ ولايته الأولى لم يتغير هذا المطلب.
إلى جانب إنفاقها أكثر من مليار دولار على تواجد قوات القيادة الكورية-الأميركية (USFK)، تكفّلت كوريا الجنوبية بكامل تكاليف بناء قاعدة كامب هامفريز، أكبر قاعدة أميركية خارج الولايات المتحدة، الواقعة على بُعد نحو 64 كيلومتراً جنوب سيول.
يريد ترامب أن يقترب إنفاق الحلفاء على الدفاع من نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يبلغ الآن إنفاق كوريا الجنوبية نحو 3.5% من الناتج.
قضية نقل قيادة العمليات في زمن الحرب — أي نقل سلطة قيادة القوات الكورية في حالات الحرب من الولايات المتحدة إلى سيول — تظل مطروحة في محادثات طويلة الأمد بين العاصمتين. وتطمح إدارة لي، وفق خطتها الخمسية، إلى إنجاز هذا الانتقال بحلول عام 2030.
تأتي قمة ترامب ــ لي في وقت تصاعدت فيه النبرة من جانب كيم يو جونغ، أخت زعيم كوريا الشمالية، التي رفضت حديثاً دعوات واشنطن وسيول لاستئناف الدبلوماسية الهادفة إلى نزع السلاح النووي من بيونغ يانغ، مؤكدة أن سيول لا يمكن أن تكون «شريكاً دبلوماسياً» مع بيونغ يانغ.
رأت الباحثة تاون في تصريحات كيم يو جونغ بعض الفوارق الدقيقة: فبينما رفضت أي سردية تقوم على نزع السلاح كأساس للمفاوضات، فإن تصريحاتها فتحت في الوقت نفسه نافذة للتفاعل يمكن للولايات المتحدة استغلالها لتحسين العلاقات العامة وتخفيف حدة التوتر. وقد ألمحت كيم إلى أن ثمة مصلحة في تجنّب العلاقات التصادمية بين دولتين تحملان أسلحة نووية، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت واشنطن تنوي بناء علاقة مختلفة مع كوريا الشمالية لا تقوم بالضرورة على ملف نزع السلاح، وكيف ينظر الحلفاء إلى مثل هذا المسار.
من جهته، يرى البروفيسور ريتشي أن احتمال تجاوز ترامب للرئيس لي في سياسة التعامل مع كوريا الشمالية يمثل مخاطرة جادة لسيادة النفوذ والأمن الكوريين الجنوبيين على المدى الطويل.
وهناك تباين واضح مع انعدام التواصل المباشر بين واشنطن وبيونغ يانغ اليوم، إذ شهدت ولاية ترامب الأولى تعليق تدريبات عسكرية مشتركة مع كوريا الجنوبية واجتماعات رئاسية ثلاثية مع زعيم كوريا الشمالية. كما قد تكون الرغبة في تعزيز سيرة السلام — وربما الفوز بجائزة نوبل — دوافع إضافية قد تدفع ترامب إلى مد يد الصداقة نحو كيم.
زيارة الرئيس الكوري الجنوبي إلى البيت الأبيض تتزامن أيضاً مع تدريبات عسكرية مشتركة واسعة النطاق بين البلدين تستمر 11 يوماً. وقد دان كيم، خلال جولته على أكثر سفن بلاده تطوراً الأسبوع الماضي، هذه التدريبات واصفاً إياها بتمارين تحضيرية لغزو والعمل «تعبيراً واضحاً عن إرادتهم لاستفزاز الحرب».
وكشف مشروع Beyond Parallel التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن الأسبوع الماضي عن قاعدة صاروخية كورية شمالية غير موثقة تبعد نحو 25 كيلومتراً عن حدود الصين، ويُرجّح أنها تضم صواريخ باليستية قادرة على بلوغ الولايات المتحدة.
وأشارت تاون إلى أن روسيا قد تلعب دوراً ثانوياً في مسار القمة: فقد يطرح لي مسألة كيف تشكّل علاقات موسكو مع بيونغ يانغ، ولا سيما التعاون العسكري، خطراً محتملاً على مصالح أمن التحالف. وقد تمتد المناقشات إلى مدى ما إذا كان علاقة ترامب مع الرئيس بوتين قد تسهم في التخفيف من حدة الوضع.
تُضفي التعاملات الأخيرة بين كوريا الشمالية وروسيا بعداً إضافياً على شبكة العلاقات الدولية هذه؛ فقد رسّخت التبادلات المتبادلة ــ من قوات مقابل غذاء ووقود وأموال وتقنيات وأسلحة ــ رابطاً استراتيجياً ثابتاً بين موسكو وبيونغ يانغ. كما أظهرت كوريا الشمالية رغبة متزايدة في تعزيز علاقاتها العسكرية والتقنية مع روسيا لما يخدم تطوير قدراتها واستدامتها الاستراتيجية.