رئيس زامبيا هكايندي هيتشيليما يردّ بقوة بعد شهرٍ عسير شهد هجومًا بالحجارة خلال محاولة إلقائه كلمة، واقعة صوّرت مشاهده وهو ينحني خلف الميكروفون ثم يُقتاد بعيدًا من تجمع في مقاطعة الكوبر بيلت، ما صدم الرأي العام وزاد من استنفار مختلف التيارات السياسية.
في مؤتمره الصحفي الأول منذ ثمانية عشر شهرًا، سعى هيتشيليما إلى تفنيد الانتقادات وتوضيح إنجازاته في الملفات الاقتصادية وتوليد الطاقة. شدّد على أنه يشعر بمرارة الانقسام، ودعا الزمبيين إلى المحبة والتكاتف قائلاً إن مستوى الكراهية أصبح “صادمًا” ويمكن تلمسه، لكنه اعترف أيضًا بصعوبة إيصال هذه الرسالة لأولئك الذين يعايشون أزمات يومية حقيقية.
المشهد في تشينغولا حيث اضطر إلى مقاطعة كلمته ظلّ علامة فارقة؛ فقد كان قد وصل ومعه مبلغ كبير للمساهمة في إعادة بناء سوق محلي تهدّم في حريق، لكن حشدًا غاضبًا أجبره على المغادرة، والشرطة نسبت الفوضى إلى “عناصر بلطجية” ولإقدام قِطاعٍ غير مُنظّم من المنقبين على نهب المحلات، فيما جرى اعتقال العشرات بتهم العنف وإشعال الحرائق. وفي المؤتمر الصحفي حمّل الرئيس ما وصفهم بمنقبين حرفيين غير مرخصين مسؤولية العنف، مؤكّدًا أن حكومته لن تسمح بعودة البلطجة.
رغم أن هيتشيليما جاء إلى السلطة في 2021 على موجة شعبية كبيرة بعد خمس محاولات سابقة، مستفيدًا من تردّي الأوضاع حينها —تخلّف البلاد عن سداد ديونها، تضخم يبلغ نحو 25% وانقطاعات متكررة في الكهرباء— فإن الرصيد الشعبي تحول لدى بعض الفئات إلى امتعاض بسبب بطء تحسّن جوانب الحياة اليومية. يقول معارضون إن الرئيس فقد اتصاله “بنبض الناس الحقيقي” وأن الناس باتت ترميه الحجارة بدل الزهور، في تلميح إلى فجوة بين الوعود والواقع.
من جانب آخر، يفتخر الرئيس بسجله في معالجة أزمة الديون وإعادة التفاوض على المدفوعات وتثبيت أوضاع المالية العامة، كما سجل تحسّنًا في تصنيف الائتمان وتدفّق استثمارات أجنبية، وعودة القطاع المعدني الحيوي إلى الانتعاش. الاقتصاديون الذين يمدحون أداء الحكومة يشيرون إلى نجاحات في ضبط الميزانية وزيادة الإنفاق على البنية التحتية والتعليم والصحة وتوظيف عمال الدولة الأساسيين؛ كما تراجع معدل التضخم السنوي إلى ما دون 12% وتعافى الكواشا بعد تدهور حاد في السنوات الأولى لحكمه.
ومع ذلك، لا تزال أزمة الطاقة تمثل جرحًا نازفًا: سنوات الاعتماد على الطاقة الكهرومائية جعلت قدرات التوليد “مُبتورة” إثر جفاف حديث، مما ألقى بظلاله على الحياة اليومية للمواطنين وأثر على الكلفة المعيشية وفرص العمل. الرئيس وصف ذلك كنداء يقظ، وأعلن عن خطة لتعزيز مشاريع الطاقة الشمسية والحرارية لتعويض النقص.
النقاد لا يتوقّفون عند الشق الاقتصادي فحسب؛ فخلال خمسة عشر عامًا من المعارضة برز هيتشيليما كمدافع عن القيم الديمقراطية، لكن بعد توليه الحكم واجه اتهامات بالتراجع عن مبادئه، لا سيما بتأييده تشريعات مثيرة للجدل مثل قانون الأمن السيبراني الذي يُعتبر ضروريًا لمكافحة جرائم الإنترنت وحماية الأطفال، لكنه بحسب معارضة ومحللين يمنح الدولة صلاحيات واسعة للمراقبة قد تُستغل ضد معارضين. الأستاذ الجامعي سِشووا سِشووا قال إن هيتشيليما تحول خلال السنوات الأربع الماضية إلى ما كان ينتقده في سلفه، واتهمه باستخدام قوانين قمعية لاحتجاز منتقدين بتهم متفاوتة مثل التحريض والتجسس والتجمّع غير القانوني. هذه التهم قوبلت بنفي من قِبله، إذ يصرّ على احترام حكومته لسيادة القانون وعدم استهداف أي شخص لأسباب سياسية.
على صعيد دستوري، دعم الرئيس عملية مراجعة مثيرة للجدل تتضمن زيادة عدد الدوائر الانتخابية وإضافة نوّاب إلى البرلمان، مبرّرًا ذلك بضرورة إعادة التوزيع كل عشر سنوات حسب نصوص الدستور لضمان عدالة توزيع الموارد، بينما يعتبر معارضوه أن الخطوة قد تُستخدم لتقوية موقع السلطة. تزايد الاحتجاجات ضد هذه الخطط حتى بلغ الأمر دعوات لتنظيم صلوات وطنية رفضًا للعملية، وهو ما ردّ عليه قصر الرئاسة بالتأكيد على وجود مسارات تشاورية وقنوات قانونية للاعتراض.
مع اقتراب إنتخابات أغسطس 2026، يزداد الضغط على الرئيس: إنجازات مالية قابلة للقياس لا تبدو كافية أمام معايشة الناس اليومية، التي يحددها انقطاع التيار، ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وقِلّة فرص العمل — وهي مؤشرات يتساءل العموم إن كانت كافية للفوز بثقة ثانية. الرئيس يدعو إلى مناخ من الهدوء والصبر، مذكّرًا بأن برامج الاستثمار والتنمية طويلة الأمد تحتاج وقتًا لتُثمر، لكن مشاهد الحجارة التي رُميت في تلك التجمعات تُظهر أن صبر بعض المواطنين قد نفد.
في المحصلة، يظلّ ملف هيتشيليما مزيجًا من إنجازات في الاستقرار المالي وتحسين مؤشرات makروية، إلى جانب فشل نسبي في معالجة أزمات ملموسة تؤثر مباشرة على حياة المواطن العادي؛ هذا التوتر بين النتائج المؤسسية والتجربة اليومية سيحدد المسار السياسي للبلاد في الأشهر المقبلة.