تحذير دولي من تفشٍّ للمجاعة في شمال قطاع غزه مع احتمال امتدادها إلى الوسط والجنوب بنهاية سبتمبر. أصدرت مبادرة تصنيف الأمن الغذائي المتكاملة (IPC) تقريراً يحذر من أن المقاطعات الشمالية تحترق جوعاً، وأن الوضع مرشح لأن يصل إلى محافظتي دير البلح وخان يونس قبل نهاية الشهر المقبل.
بعد 22 شهراً من الصراع، تواجه أكثر من نصف مليون شخص حالة مجاعة رسمية (المرحلة 5 وفق IPC)، وهي حالة كارثية تتسم بالمجاعة الحادة وسوء التغذية الوخيم وارتفاع الوفيات. وهناك نحو 1.07 مليون شخص — أي حوالي 54% من السكان — في حالة طوارئ (المرحلة 4)، وحوالى 396 ألف شخص (20%) في أزمة (المرحلة 3).
وتتوقّع المبادر ة تفاقماً إضافياً بين منتصف أغسطس ونهاية سبتمبر 2025، مع امتداد المجاعة إلى مناطق دير البلح المركزية وخان يونس الجنوبية. وبنهاية تلك الفترة، قد يواجه نحو ثلث سكان غزة — أي ما يقارب 641 ألف نسمة — ظروفاً كارثية (المرحلة 5)، بينما سيرتفع عدد من هم في حالة طوارئ إلى نحو 1.14 مليون شخص (بنسبة تقارب 58% من السكان).
هذه التدهّيات هي الأشد منذ أن بدأت شراكة الـIPC، التي تضم 21 منظمة بينها وكالات أممية ومنظمات غير حكومية وهيئات فنية وإقليمية، رصد التحليلات المتعلقة بانعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية الحاد في القطاع. والتقرير يمثل أيضاً أول تأكيد رسمي بحدوث مجاعة في غزة.
ووصفت المبادرة الوضع بأنه “سباق مع الزمن” مؤكدة أن “المجاعة يجب أن تُوقف بأي ثمن” وأن سوء التغذية الحاد مرشح لأن يتفاقم بسرعة. وأشارت إلى أن ما لا يقل عن 132 ألف طفل دون الخامسة سيكونون عرضة لخطر الموت جراء سوء التغذية الحاد بحلول يونيو 2026 — رقمالتقدير تضاعف مقارنة بتقارير مايو 2025 — ومن بينهم نحو 41 ألف حالة شديدة معرضة لخطر الموت. كما سيحتاج نحو 55.5 ألف امرأة حامل أو مرضع مصابة بسوء التغذية إلى استجابة غذائية طارئة.
كارثة من صنع الإنسان
قال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن مجاعة غزة “كارثة من صنع الإنسان، وإدانة أخلاقية، وفشل للإنسانية نفسها.” أضاف: “المجاعة ليست مسألة طعام فحسب؛ إنها انهيار متعمد للأنظمة الضرورية لبقاء الإنسان. الناس يموتون جوعاً، والأطفال يعيشون على حافة الموت، ومن عليهم واجب التحرك يقصرون.”
وحذّر غوتيريش من أن إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال عليها التزامات لا تقبل التأويل بموجب القانون الدولي، بما في ذلك ضمان وصول الغذاء والإمدادات الطبية إلى سكان غزة. “لا يمكننا السماح لاستمرار هذا الوضع من دون محاسبة. لا مزيد من الأعذار. وقت العمل ليس غداً — إنه الآن.”
وقال المسؤول الأممي لشؤون المساعدات توم فليتشر إن المجاعة تقع “على بعد مئات الأمتار من الغذاء”، في إشارة إلى توقف قوافل المساعدات على المعابر نتيجة قيود إسرائيلية على الشحنات التجارية والإنسانية، مضيفاً أن “المجاعة تُروَّج علناً من قبل بعض القادة الإسرائيليين كسلاح حرب.” وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف “الانتقام” وفتح المعابر أمام دخول المساعدات دون قيود: “أوصلوا الغذاء والإمدادات المطلوبة وبالحجم الضخم الذي تقتضيه الإنسانية.”
نفي إسرائيلي وتضارب روايات
ترفض إسرائيل وجود سوء تغذية واسع النطاق بين الفلسطينيين في غزة وتشكك في أرقام الوفيات الناجمة عن الجوع، مؤكدة أن العديد من الحالات تعود لأسباب طبية أخرى. وردت وزارة الخارجية الإسرائيلية على تقرير الـIPC بالقول إنه لا توجد مجاعة في غزة، مشددة على أن أكثر من 100 ألف شاحنة مساعدات دخلت القطاع منذ بداية الحرب، وأن تدفّق الإمدادات الأساسية “أدى إلى هبوط حاد في أسعار الغذاء في الأسواق.”
في المقابل، شن السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هكا بي هجوماً مسبقاً على نتائج التقرير عبر منشورات على منصات التواصل، واتهم حركة حماس بأنها تسرق مخزونات وتمنع توزيعها على الجائعين، وزعم أن الأسرى الإسرائيليين المخطوفين هم من يتعرّضون للتجويع والتعذيب.
ومنذ فرض الحصار الكامل على غزة في مارس وتقييد دخول المساعدات بشدة منذ مايو، ظلت قوافل المساعدات عالقة على المعابر وتحت رقابة مشددة، ووقعت عشرات الحوادث في مواقع توزيع المساعدات التابعة لبرنامج GHF والتي تُديرها القوات الإسرائيلية ومتعهدون أمريكيون خاصون، حيث قُتل أكثر من ألفي فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات.
منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية اتهمت إسرائيل بتنفيذ “سياسة متعمدة للتجويع” في غزة وتدمير منظومة الصحة والرفاه الاجتماعي والنسيج الاجتماعي الفلسطيني بشكل ممنهج.