انتشرت القوات الروسية بسرعة داخل مدينة بوكروفسك في شرق اوكرانيا، التي تحوّلت خلال الأسبوع الماضي إلى بؤرة تركّز للقوات والابتكارات التكتيكية، في ما قد يشكل ذروةٍ نهائية لمعركة امتدت 21 شهراً.
قال معهد دراسة الحرب في واشنطن إن لقطات جغرافية أظهرت تمركز القوات الروسية في وسط المدينة وشماليها وشماليها الشرقي.
ترى موسكو أن السيطرة على بوكروفسك والجارة ميرنوهراد أمر حاسم لتحرير بقية أجزاء دونيتسك التي لا تزال خارج سيطرتها، وقد وجهت أنظارها نحو المدينة بعد سيطرتها على أفدييفكا قبل نحو عامين (على مسافة 39 كم شرقاً).
من منظور كييف، فإن الدفاع عن بوكروفسك وسائر نقاط المواجهة يهدف إلى استنزاف الكتلة البشرية الروسية وكسب الوقت لالتفاف «حزام الحصون» المتمثل في كوستيانتيكيفكا، دروجكيفكا، كراماتورسك وسلوفيانسك — أكبر المدن المتبقية والأشد تحصيناً في دونيتسك.
أعضاء وحدة «الملاك الأبيض» من عناصر الشرطة الأوكرانية، المكلفون بإخلاء المدنيين من البلدات والقرى الأمامية، يواصلون التحقّق من وجود سكان في المناطق المتأثرة.
طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتسليم هذه المدن كجزء من صفقة تبادل أرضي ووقف لإطلاق النار تحدث عنه مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في آب/أغسطس الماضي، وهو ما رفضته اوكرانيا.
ذكرت تقارير استخباراتية أميركية أخيراً أن عزيمة بوتين على الانتصار ميدانياً في أوكرانيا ازدادت، بحسب تقرير لشبكة NBC.
يبدو أن روسيا تفوّقت على أوكرانيا تكتيكياً بضرب مشغلي الطائرات من دون طيار قبل أن تتسنى لهم عمليات الإقلاع، وبتقطيع طرق التجهيز عند نقاط حاسمة. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن «الطائرات التشغيلية والتكتيكية، مدعومة بالدرونز، عطّلت بشكل كبير لوجستيات الجيش الأوكراني في بوكروفسك»، وأضافت أنها دمرت جسريْن من أصل ثلاثة عبر نهر فوفشا المستخدمين لإيصال الإمدادات إلى المدينة.
أعربت وحدة درون أوكرانية تعرف باسم Peaky Blinders عبر قناة على تلغرام عن يأسها: «الحركة مكثفة لدرجة أن مشغلي الدرونز ببساطة لا يجدون وقتاً لإطلاق الطائرات»، في تعبير عن ضغط العمليات الميدانية.
بحسب تقارير قيادية، كان تعداد القوات الروسية داخل بوكروفسك نحو 200 عنصر في 29 تشرين الأول، لكن Peaky Blinders أفادت أن موسكو تُدخِل ما يصل إلى 300 مقاتل يومياً «في مجموعات من ثلاثة أشخاص مع توقع أن يُستَهدف اثنان منهما».
من خلال تحييد مشغلي الدرونز الأوكرانيين واستخدام طائرات أليافٍ بصرية محمية من التشويش، حصلت روسيا على تفوّق عددي للطائرات من دون طيار في محيط المدينة. كما استغلت أحوال الطقس الرطبة التي أقصت فعالية الدرونز الخفيفة بنظام الرؤية الأولى للشخص.
يرى المراقب العسكري الأوكراني قسطنطين ماشوفِتس أن القيادة الروسية طورت تكتيكات اختراق جديدة لاستغلال هشاشة الجانب الأوكراني، المتمثلة بنقصِ الأفراد وفراغات بين الوحدات. وأضاف أن القيادة الروسية «جرّبت خيارات مختلفة» قبل الوصول إلى هذه الصيغة.
أشار المعهد إلى ابتكارات فنية روسية مثل درونز الرؤية الأولى ذات المدى الأطول، رؤوس حربية حرارية-انضغاطية، و«درونز نائمة» على طول خطوط الاتصال الأرضية، ما مكّن القوات الروسية من تقييد تحركات القوات الأوكرانية وعمليات الإخلاء وسلاسل الإمداد.
وإلى جانب المعارك الأرضية، واصل الصراع حملة عميقة من الضربات الجوية. قالت روسيا إنها أطلقت من 30 تشرين الأول إلى 5 تشرين الثاني 1,448 طائرة من دون طيار و74 صاروخاً نحو عمق أوكرانيا؛ واعترفت كييف أنها اعترضت 86% من الطائرات من دون طيار ونحو أقل من نصف الصواريخ، ما أسفر عن إصابة 208 طائرات و41 صاروخاً لأهدافها.
ومع دعم أميركي، ردّت أوكرانيا بضرب مصافي بترول ومحطات تصدير نفط روسية، ويُعتقد أنها استهدفت محطة في توابس على البحر الأسود حيث أظهرت لقطات حريقاً في ناقلتين مدنيتين أجنبيتين، وأكد حاكم منطقة كراسنودار تعرض سفينتين مدنيتين لأضرار جرّاء هجوم بالطائرات من دون طيار.
أعلنت وزارة الدفاع الروسية أيضاً اعتراضها لعدد كبير من الطائرات الأوكرانية بعيدة المدى في ضربات ليلية متعاقبة، فيما أعلنت كييف أنها استهدفت مصفاة لوك أويل في كستوفو ومحاولة لاستهداف منشأة بتروكيماويات في باشكورتوستان.
وقال رئيس جهاز الأمن الأوكراني (SBU) إن القوات الكييفية ضربت هذا العام نحو 160 منشأة نفطية وطاقة داخل روسيا. وأضاف فاسيل ماليك أن عملية خاصة للجهاز دمرت صاروخاً باليستياً فرط صوتياً من طراز «أوريشنيك» على الأراضي الروسية، موضحاً أن أحد ثلاثة صواريخ من هذا النوع دُمر بنجاح في كبوستين يار، بعد أن كشف عن الصاروخ عبر ضربة على مدينة دنيبرو قبل عام، وأن موسكو تعتزم نشره في بيلاروس بحلول ديسمبر.
تضغط أوكرانيا على الإدارة الأميركية للحصول على صواريخ كروز من طراز توماهوك بمدى يصل إلى 2,500 كم، سعياً لتوسيع قدراتها الهجومية بعيدة المدى. حتى الآن رفض ترامب ذلك مبرراً موقفه بأن «نحن بحاجة إليها أيضاً».
وقد اذن البنتاغون لأوكرانيا بتلقي صواريخ توماهوك، بعد أن خلص إلى أن ذلك لن يحرم القوات الأمريكية من المخزون الذي تحتاجه، وفق تقرير لسي إن إن نقل عن هاولاء المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين الأسبوع الماضي.
والقرار السياسي الآن بيد ترامب بشأن ما إذا كان سيُرسل تلك الصواريخ أم لا. التقرير لم يحدد عدد الصواريخ التي قد تحصل عليها أوكرانيا.
(الجزيرة)