روسيا تطوّر طائراتٍ مسيّرة أكثر دقّة — وتستخدمها لاستهداف شبكة السكك الحديدية الحيوية في أوكرانيا

كييف — عندما اقتحمت طائرات روسية مسيّرة محمّلة بالمتفجرات محطة القطار في شوستكا بشمال شرق أوكرانيا في وقت سابق من الشهر الجاري، أودت بحياة رجل يبلغ من العمر 71 عاماً، وأصابت ما لا يقل عن ثمانية أشخاص، فيما تَشوَّهت عربات الركاب بألسنة اللهب وامتلأت بالفتات وشظايا القذائف.

هذه الحادثة تندرج ضمن موجة من الهجمات على شبكة السكك الحديدية، التي تشهد — بحسب مسؤولين أوكرانيين — تصاعداً منذ منتصف الصيف، في مسعى لقطع شريان حيوي للخدمات التجارية واللوجستية العسكرية.

تأتي هذه الهجمات كعنصر من حملة أوسع تستهدف البنى التحتية، وتنفّذ الآن بدقة متزايدة بفضل تطور تكنولوجيا الطائرات المُسيّرة بعيدة المدى، بما في ذلك إمكانية بث تغذية فيديو مباشرة إلى المشغّلين.

في هجوم شوستكا، الذي لا يفصل بينه وبين الحدود الروسية سوى أقل من 70 كيلومتراً، استهدفت طائرتان مُحمّلتان بالمتفجرات قطارين للركاب على نحو متتالٍ.

قال أولكسندر بيرتسوفسكي، الرئيس التنفيذي للسكك الحديدية الأوكرانية، لوكالة أسوشيتد بريس إن روسيا كثفت هجماتها على السكك خلال الأشهر الثلاثة الماضية بهدف إثارة الاضطراب في المناطق الحدودية عبر حرمان السكان من وصلاتهم بالسكك الحديدية. وأضاف: «المسألة ليست عدد الهجمات فحسب، بل أسلوب القوات المعادية. الآن، بعد أن أصبحت طائرات الشاهد دقيقة جداً، باتوا يستهدفون قاطرات منفردة».

وتزايدت وتيرة الاعتداءات

يفتخر مديرو السكك الأوكرانيون بسرعة عمليات الإصلاح وقدرتهم — حتى الآن — على إبقاء القطارات تعمل رغم الضربات المتكررة، لكن مسؤولين ومحلّلين يحذّرون من أن تطور قدرات الطائرات الروسية وتكثيف الهجمات يشكّل تهديداً خطيراً.

منذ بدء الغزو الروسي الشامل في أوائل 2022، كانت التقارير العامة تشير إلى ما يقارب هجوماً واحداً على السكك أسبوعياً. منذ منتصف الصيف الجاري تضاعفت هذه النسبة لتصل إلى هجومين أو ثلاثة أسبوعياً تقريباً، بحسب مراجعة لوكالة أسوشيتد بريس للتقارير المنشورة.

يقرأ  ١٠ معارض فنية لا تفوت في منطقة خليج سان فرانسيسكو — خريف ٢٠٢٥

ومع ذلك، ما يُنشر علناً لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من إجمالي الهجمات على البُنى ذات الصلة بالسكك، والتي تشمل أضراراً لخطوط الكهرباء والمحطات الفرعية والمسارات ومحطّات القطار ومنشآت أخرى.

قال أليكسي كوليبا، نائب رئيس الوزراء المكلف بإعادة الإعمار والتنمية، إن هناك نحو 300 هجوم على بنية السكك الحديدية منذ أغسطس وحده — ما يعادل نحو عشرة هجمات أسبوعياً.

تحمل شبكة السكك الأوكرانية أكثر من 63% من شحنات البلاد و37% من حركة الركاب، بحسب مكتب الإحصاء الحكومي. وهي ضرورية أيضاً لنقل صادرات الحبوب والمنتجات المعدنية إلى الموانئ أو إلى الحدود، ولإيصال المساعدات العسكرية من الدول الحليفة.

تطورات في قدرات الطائرات الروسية

أضافت القوات الروسية ترقية جوهرية إلى أسطولها من الطائرات منذ الصيف، وفق ما ذكر سيرهي بيسكريستنوف، خبير عسكري وأخصائي طائرات مسيّرة في فريق يدرس الطائرات الروسية التي تم اعتراضها.

فُرِضت كاميرات ومودمات راديوية تبثّ وتستقبل البيانات لاسلكياً على أنواع مختلفة من طائرات الضرب بعيدة المدى، ما يمكّن المشغّلين من تعديل مسار الطائرة في الوقت الحقيقي، ويزيد من دقتها بشكل حاد مقارنة بالنماذج المبرمجة مسبقاً.

قال بيسكريستنوف إن القاطرات عرضة بشكل خاص لهذه التكنولوجيا الجديدة لأنها بطيئة نسبياً وتتبع مسارات متوقعة. «إذا استمر الروس في استهداف القاطرات الديزلية والكهربائية، سيحين الوقت قريباً الذي تظل فيه المسارات سليمة — لكن لن يبق لدينا ما نسير عليه»، كما حذّر.

أخبر بيسكريستنوف أن الطائرات المعدّلة قادرة على الاختراق حتى عمق 200 كيلومتر داخل الأراضي الأوكرانية مع بثّ فيديو إلى المشغّلين في المناطق التي تحت سيطرة روسيا.

قال مسؤول في وزارة الدفاع الأوكرانية، متحدثاً شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه لم يكن مخوّلاً بالحديث للإعلام، إن القوات الأوكرانية استعادَت وفحصت طائرة من طراز «جيران» مزوّدة بكاميرا مدنية ومودم راديوي. ويُعدّ طراز «جيران» نسخة روسية من الطائرة الإيرانية المصمّمة «شاهِد».

يقرأ  ألمانيا تصادق على صادرات أسلحة بقيمة ٢٫٤٦ مليون يورو إلى إسرائيل بعد توقف جزئي

أظهرت النتائج أن موسكو تختبر بنشاط وتطوّر حلولاً تقنية جديدة، وأن الكاميرات تتيح للمشغّلين الروس تحديد مواقع أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية وتقييم الأضرار على الأرض.

الإصلاحات السريعة تُبقي البلاد تعمل

خلال الحرب استهدفت الطائرات والصواريخ الروسية مراراً بنية السكك الحديدية، وغالباً في المناطق القريبة من الجبهات. وفي مارس تعرّض المشغّل السككي أيضاً لهجوم إلكتروني كبير عطّل نظام حجز التذاكر والخدمات الإلكترونية لأسبوع.

تتنافس فرق الإصلاح الأوكرانية مع وتيرة الضربات الروسية. تُزال أكوام الحطام الناجمة عن الصواريخ في غضون ساعات، وتستعيد فرق المرافق الطاقة والمياه عادةً في غضون يوم واحد بعد معظم الضربات على كييف ومدن أخرى.

وتعمل فرق السكة على جدول زمني مماثل. استذكر قائد فريق إصلاح السكك في كييف، ماكسيم شيفتشوك، البالغ من العمر 30 عاماً، اليوم الذي دمّر فيه صاروخ 12 متراً من السكة: «استُؤنِفَت حركة القطارات بالكامل في نصف يوم».

تراجع حجم الشحنات المنقولة بالسكك الحديدية من يناير حتى أغسطس 2025 بنسبة 11.7% على أساس سنوي، بينما انخفضت حركة الركاب بنسبة 4.2%، وفق مكتب الإحصاء الحكومي الذي لم يحدد سبب الانخفاض.

وصفت ناتاليا كوليسنيشينكو، كبيرة الاقتصاديين في مركز الاستراتيجية الاقتصادية في كييف، الأثر حتى الآن بأنه «سلبي لكنه هامشي»، مِمّا عزته إلى سرعة أعمال الإصلاح وإعادة توجيه القطارات التي تُقلّص التأخيرات إلى حدٍّ أدنى.

قال بيرتسوفسكي إن الطواقم تفخر بقدرتها على إبقاء القطارات تتحرك رغم الهجمات. «بالنسبة إلينا، من الضروري أن نُظهِر للأوكرانيين — وللعدو — أن هذه الهجمات لن تُحقّق النتائج المرجوّة».

أضف تعليق