رحّب زعيم حزب التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرّف، جوردان بارديلّا، بـ«القلق إلى حد كبير» الذي أثاره تقرير الاستراتيجية الوطنية للأمن القومي الصادر عن الرئيس الامريكي دونالد ترامب بشأن أوروبا.
نشرت البيت الأبيض الأسبوع الماضي وثيقة عرضت رؤية ترامب للعالم ووضع القارة الأوروبية، وصفتها كثير من التحليلات بأنها نقد حادّ لأحوال أوروبا.
في مقابلة مع نيك روبنسون ضمن بودكاست Political Thinking لهيئة الإذاعة البريطانية، أشاد بارديلّا بما وصفه «نداء ترامب للفخر الأمريكي» مع توضيحه أنه لا يريد لأوروبا أن تكون «خاضعة لأي قوّة كبرى».
قال إن «رياح الحرية والفخر الوطني تهبّ على الديمقراطيات الغربية كلها».
في حوارٍ واسع النطاق، تحدّث الشاب البالغ من العمر ثلاثين عاماً، والذي تشير استطلاعات الرأي إلى تقدّمه في سباق الرئاسة الفرنسية المقبلة، عن التاريخ السياسي للحزب ومواقفه من الهجرة.
أكَّد بارديلّا أنّه يتقاسم معظم المخاوف التي أوردتها إدارة ترامب بشأن ما وصفته بـ«انمحاء الحضارة الأوروبية»، وهو ما ربطته البيت الأبيض بسياسات عدة، من بينها سياسات الهجرة.
وأضاف: «الهجرة الجماعية وتهاون حكوماتنا على مدى الثلاثين عاماً الماضية في ملف الهجرة يقوّضان توازن الدول الأوروبية والمجتمعات الغربية، وعلى رأسها المجتمع الفرنسي».
أدّت الانتخابات التشريعية المبكرة في يونيو 2024 إلى أن يصبح التجمع الوطني القوة الفردية الأكبر في البرلمان، رغم أن ائتلافاً من أحزاب اليسار حسم النتيجة لصالحه.
تُجرى الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة عام 2027. وتشير استطلاعات حديثة لصحيفة لو فيغارو إلى أن بارديلّا سيحصد نحو 44٪ من الأصوات، متفوقاً بفارق طفيف على مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني، التي باتت ترشّحها محل شك بعد إدانتها بالاختلاس من أموال الاتحاد الأوروبي ومنعها من الترشّح لانتخابات لمدة خمس سنوات.
ستحدّد الاستئنافات المقررة أوائل العام المقبل ما إذا كانت لوبان ستتمكّن من الترشّح؛ وفي حال لم تُلغَ العقوبة، فالتوقّع السائد أن يحلّ بارديلّا مكانها.
ردّ بارديلّا على التكهنات بأن هذا الوضع يخلق توتّراً بينهما، مؤكّداً أنّهما موحّدان بـ«الثقة والصداقة».
قال في مقابلته: «سأقاتل إلى جانبها لكي تكسب الاستئناف. حتى الاستئناف سنناضل معاً، وبعده سنستمر يداً بيد».
تأسّس التجمع الوطني على يد جان-ماري لوبان عام 1972 تحت اسم الجبهة الوطنية، ومنذ ذلك الحين تحوّل إلى قوة حاسمة في الساحة السياسية الفرنسية. وقد أدين جان-ماري لوبان مرّات عدّة بإنكار المحرقة وكان متشدّداً وعنصرياً بلا توبة.
في مقابلته مع نيك روبنسون، أبعد بارديلّا نفسه عن تصريحات جان-ماري لوبان، كما فعل كثير من سياسيي التجمع في السنوات الأخيرة.
قال: «أخوض معركة ضد الصورة الكاريكاتورية التي تُلبس حركتي السياسية، وضد تحريف أفكاري»، مضيفاً أن مسؤوليته تكمن في جمع الشعب الفرنسي وتقديم «مشروع انتعاش وطني» للبلاد.
أضاف: «تطلعات شعبي لقطع مع الماضي كثيرة».
عند سؤاله عن التاريخ العنصري والمعادي للسامية لسلف الحزب، رفض بارديلّا اتهامات بأن الجبهة الوطنية قد طرحت يوماً سياسات من شأنها «إهانة» شرائح من السكان.
قال: «الكثير من اليهود يصوّتون لنا ويعتبروننا حصناً ضدّ التطرف».
يشتهر التجمع الوطني أساساً بمواقفه المعادية للهجرة، وقد طالَب طويلاً بفرض قواعد هجرة أشد صرامة في فرنسا، بما في ذلك تقييد الإنفاق الاجتماعي للمواطنين الفرنسيين فقط.
أعلن: «إن كنتُ رئيس حكومة غداً، فلن تكون فرنسا بعد اليوم هدفاً للهجرة الجماعية»، مضيفاً أن أول إجراء سيقوم به إن انتُخب هو إطلاق استفتاء حول الهجرة. «سيمكننا ذلك من استعادة السيطرة على حدودنا».
مع ذلك، ينص الدستور الفرنسي على أن الاستفتاء يقتصر على موضوعات معيّنة لا تشمل الهجرة، وبالتالي ينبغي تعديل الدستور أولاً؛ ولتنفيذ ذلك يتطلب الأمر فوز التجمع الوطني برئاسة الجمهورية وحصوله على أغلبية مطلقة في البرلمان أو حصوله على حلفاء كافين.
نشأ بارديلّا في منطقة باريس ولديه والدان من أصل مهاجر، وميّز بوضوح بين من وُلدوا في فرنسا «ويرفضون المؤسسات الجمهورية مثل الشرطة أو قيماً مثل العلمانية» وبين آخرين «يفعلون كل شيء لكي يصبحوا فرنسيين — يعتنقون اللغة والثقافة والتراث الوطني».
عندما طالَب بتعريف معنى أن تكون فرنسياً إذا لم يكن الميلاد وحده كافياً، قال إن كونه فرنسياً «شرف» يتجاوز البيروقراطية.
أردف: «أن تكون فرنسياً يعني التمسك بقيمٍ وأنماط حياة، والإيمان بالمساواة بين الرجل والمرأة».
قال أيضاً: «أدافع عن العلمانية وأرى أن الإسلاموية أصبحت اليوم مشروعاً سياسياً مستقلاً… تريد أن تفرض قواعدها على المجتمع الفرنسي»، قبل أن يَعِد بإغلاق المساجد الراديكالية ومنع «دعاة الكراهية» من دخول البلاد إذا انتُخب.
وعلى الرغم من أنه لم يتوسّع في الحديث عن الأزمات المالية المزمنة التي تعانيها فرنسا — إذ تجاوزت ديونها ثلاثة تريليونات يورو، أي نحو 114٪ من الناتج المحلي الإجمالي — فقد وصف بارديلّا الاقتصاد الفرنسي بأنه «مريض».
قال: «نواجه داءين: الضرائب المفرطة والتنظيم المفرط»، واعداً بتحرير البلد من «القيود» التي تكبّح النمو. وقد رفض التجمع الوطني مراراً موازنة الحكومات السنوية منذ العام الماضي، ووعد بالتصويت ضد الميزانية الحالية بالمثل.
يتباين موقف بارديلّا أيضاً بشأن الحرب في أوكرانيا عن موقف الحكومة الوسطية الحالية. فرغم اعترافه بأن روسيا تشكّل «تهديداً متعدد الأبعاد للمصالح الفرنسية والأوروبية» وأن كييف ستحتاج إلى ضمانات أمنية حتى في حال توقيع اتفاق سلام، فإنّه قال إنه «معارض بحزم» لإرسال جنود إلى أوكرانيا.
من جهةٍ أخرى، اقترحت حكومة إيمانويل ماكرون نشر وجود عسكري ثابت، وإن كان بعيداً عن خطوط الجبهة.
أوضح بارديلّا أن أي قرار من هذا النوع «سيسهم في التصعيد»، خصوصاً «في ظل امتلاكنا لأسلحة نووية وأن لروسيا، وربما لفلاديمير بوتين، نوايا حدودها غير واضحة».
إذا ترشّح بارديلّا للانتخابات الرئاسية المقبلة وفاز، فسيكون عمره 31 عاماً.
كان ماكرون في التاسعة والثلاثين عندما أصبح أصغر رئيس في تاريخ فرنسا عام 2017. وبينما شغل ماكرون منصب وزير المالية لمدة عامين في عهد فرانسوا هولاند، لم يشغل بارديلّا أي منصب حكومي من قبل.
قال مبتسماً: «صحيح أني في الثلاثين. للأسف لا أستطيع فعل شيء حيال ذلك».
وختم: «أدرك الأسئلة الوجودية التي تواجه بلادنا… وأفضّل أن يقال إن اليوم «ليس الوقت المناسب» بدلاً من أن يُقال غداً «فات الأوان»».