ضحايا الكارتلات العنيفة لـ«بي بي سي»: أصبحنا نختبئ الآن من السلطات الأمريكية

إجازة إلى ديزني تحولت إلى ممر نجاة من رعب الكارتلات

كانت غابرييلا قد وعدت ابنتها برحلة إلى ديزني وورلد في فلوريدا، لكن ما بدأ كعطلة تحول بسرعة إلى طريق هروب من “الإرهاب”. غابرييلا — اسم مستعار — من مدينة غواياكيل في اكوادور، حيث كانت تعيش حياة وسطية اعتيادية: عملت في محطة تلفزيونية لمدة خمسة عشر عاماً، كانت مُلزمة بقرض عقاري، وابنتها تدرس في مدرسة خاصة.

مع تصاعد عناوين الأخبار حول تزايد العنف — صراعات عصابية على طرق تهريب الكوكايين، ارتفاع حاد في جرائم القتل، وانتشار الابتزاز — ظنت أولاً أن الابتزاز موجَّه إلى “ملايينيرات”. لكن التهديد الأول جاء عبر اتصال هاتفي يطالَبها فيه بدفع مال لعصابة وإلا فستُقتل؛ المتصل كان يعرف مكان عملها ولوحة سيارتها. وفي محيط وقت الرحلة المخطط لها اختُطف جد ابنتها. طُلِب من العائلة عشرات الآلاف من الدولارات، وأُرسلت لهم فيديوهات تظهر قطع أصابعه. في النهاية قُتل الرجل، وتركوا أصبعه داخل زجاجة كاستفزاز.

خشى شريكها على سلامتها فطالَبها بأن تأخذ ابنتهما إلى الرحلة وألا تعود. اليوم تُعد غابرييلا واحدة من ملايين الأشخاص في الولايات المتحدة لديهم طلبات لجوء معلّقة. الأرقام الدقيقة غير متاحة، لكن كثيرين من طالبي اللجوء من أميركا اللاتينية يقولون إنهم اضطروا للمغادرة بسبب عنف الكارتلات الذي تفاقم في عدة دول، من بينها اكوادور.

خبراء الهجرة يؤكدون أن إثبات مثل هذه الحالات في المحاكم الأميركية أصبح أصعب. قانون اللجوء الأميركي يستند إلى اتفاقية اللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية ويعترف بخمسة أسباب لمنح الحماية: الاضطهاد بسبب العرق، الدين، الجنسية، الرأي السياسي، أو الانتماء إلى مجموعة اجتماعية معينة. وتقول خدمات المواطنة والهجرة الأميركية إن اللجوء يُمنح «فقط» للذين يفرون من اضطهاد قائم على أحد هذه الأسباب الخمسة، في حين أن عنف الكارتلات لا ينسجم بسهولة مع أي من هذه الفئات.

بحسب كاثلين بوش-جوزيف من معهد سياسات الهجرة، ثمة «قدر كبير من التفسير» للقانون. في عهد الرئيس دونالد ترامب، شُدّدت الشروط أمام طالبي اللجوء بسبب عنف العصابات أو العنف الأسري؛ وأصدر المدعي العام آنذاك توجيهاً رافعاً سقف الإثبات بأن يثبت مقدم الطلب أن الحكومة إما غضت الطرف عن الأعمال الخاصة أو عجزت عن حماية الضحايا. ذلك أمر بالغ الصعوبة في بلدان مثل اكوادور، حيث تقول غابرييلا إن الإبلاغ عن التهديدات محفوف بالمخاطر: «لو حُكِمَ عليهم وأُلقي القبض على المجرم، فلربما يُفرج عنه في اليوم التالي ويحاول قتلك انتقاماً».

يقرأ  في نادي المناظرة: يتعلّم المراهقون مهارات قد طواها النسيان لدى البالغين

ألغت إدارة بايدن ذلك التفسير، لكن القانون لم يتغير، وما يزال كثيرون يواجهون حالة من اللايقين. من جهة أخرى، ركز ترامب سياساته على الكارتلات، وعيّن بعضاً منها منظمات إرهابية وطرد من زعم انتماءهم إلى تلك العصابات في حالات لم تُقدَّم فيها أدلة واضحة. تقول بوش-جوزيف إن الأمر قد يذهب في محكمين: قد يُصنَّف بعض الفارين كضحايا «إرهابيين»، وفي المقابل هناك مخاوف من أن من اضطروا لدفع فديات يُتهمون بتقديم «دعم مادي» لتلك الجماعات — حتى لو كان الدفع تحت الإكراه.

غابرييلا تتفق مع وصف ترامب لأعضاء الكارتلات بأنهم «إرهابيون» وتطالب بأن تُعترف الحالات كهؤلاء كحالات ضحايا يستحقون اللجوء: «أريد أن يمنح الرئيس اللجوء للذين يفرون من عنف هؤلاء الإرهابيين». ماريو راسل، المدير التنفيذي لمركز دراسات الهجرة في الولايات المتحدة، يرى أن تعريفات القانون لمن يحق له المطالبة باللجوء بحاجة إلى تحديث. حالياً، كثيرون يلجأون إلى أسلوب المطالبة على أساس سياسي، بحجة أن للكارتلات سُلطة اجتماعية وسياسية واسعة تجعلها تتصرف «كما لو كانت جهة حاكمة».

«المشكلة أن هؤلاء الناس يتعرضون للعنف والاضطهاد، وبالاضطهاد نعني الرعب. الخوف على الحياة حقيقي»، يقول راسل. غابرييلا تخطط لطلب اللجوء السياسي خلال مقابلتها التي لم يُحدَّد موعدها بعد، مشددة على أن فساد بعض عناصر الشرطة والقضاة في بلدها وارتباطهم بالعصابات جعلها لا تثق بقدرة الدولة على حمايتها. وفق راسل، يُرفض نحو سبعين بالمئة من طلبات اللجوء حالياً، وما تغيّر في عهد ترامب هو ازدياد احتجاز المهاجرين غير النظاميين الذين يطالبون باللجوء: نحو 60 ألف شخص محتجزون حالياً بانتظار عرض قضاياهم، وهو عدد قياسي. الاحتجاز «يُغيّر المعادلة» لأنهم لا يستطيعون مواصلة حياتهم بشكل نسبي هادئ أثناء الانتظار، ويُستخدم كوسيلة ضغط لدفعهم إلى الاستسلام وقبول الترحيل طوعاً.

يقرأ  تويوتا تمنح هيساي عقدًا لتوريد أنظمة ليدار

أوامر تنفيذية جديدة وسّعت نطاق الترحيلات وصلاحيات اعتقال وكالة الهجرة والجمارك، شملت تعليق دخول العديد من المهاجرين غير الموثقين. النتيجة، كما تقول بوش-جوزيف، خلق بيئة يواجه فيها القضاة «ضغطاً هائلاً» لرفض القضايا التي لا تُعد كافية قانونياً. القضايا السياسية الواضحة قد تُقَبَل بسرعة، لكن قضايا الكارتلات معقدة وغالباً ما تُرفض في المراجعة الأولى، فيضطر هؤلاء للقتال من أجل الحماية بينما يواجهون من أعلى مخاطر الترحيل.

بالنسبة إلى غابرييلا، هذا يعني العيش في حالة شبه إغلاق: «خائفون منذ أن تولى ترامب منصب الرئاسة». هي تملك تصريح عمل وتعمل فترات طويلة في مصنع بالأعمال اليدوية. «حياتنا مختزلة في العمل والمنزل والعمل، لا شيء آخر. لا أريد تعريضنا لصراع أو صدمة جديدة». تشكو من التوتر وعدم القدرة على الخروج أو الاسترخاء، ومن الخوف من أن تُبلغ عنها السلطات وتُعتقل. تخشى حتى مخالفات بسيطة في السرعة لئلا تكون ذريعة لترحيلها أو رفض طلبها، وتجيب الجميع بأدب حتى إن تعرضت للعنصرية.

تشاركها المخاوف ماريا، وهي شابة مثلية من مدينة دوران التي تُعد من أكثر المدن عنفاً في العالم. حاولت عصابة ابتزازها عبر رسائل تهديدية. قدمت شكوى لدى النيابة في الاكوادور، لكن بعد أسبوع اختطفها مراهِقون من على درّاجتها النارية، وأُجبرَت على الدفع مع تعليقات تهكمية حول ميولها الجنسية. باعت الدرّاجة وفرّت إلى امريكا حيث تعمل الآن غسالة صحون في نيويورك. أخبرت مسؤولي الهجرة بشكواها، لكن موعد جلستها للنظر في لجوئها لم يُحدَّد إلا في عام 2028، وما يعنيه ذلك لـِماريا هو أنها «لا تستطيع التمتع بحياتها»: «عليك أن تختبئ؛ لا تدري متى قد تقتحمهم مداهمة».

هناك تراكم قضايا لجوء في الولايات المتحدة يقارب أربعة ملايين قضية تنتظر البت، والعملية تمتد لسنوات في حالات كثيرة. لويس، سائق تاكسي فرّ من دوران إلى الولايات المتحدة بعد أن حاولت عصابات ابتزاز سائقي تعاونيته. «لم أفكر أبداً في الهجرة، لكن الكثير من أصدقائي قُتلوا»، يقول عن أولئك الذين رفضوا الدفع.

يقرأ  رجل يضرم النار ويحطم الشاشات بمطرقة

تُشير شركة محاماة متخصصة في قضايا الهجرة إلى أن تصنيف بعض الكارتلات كمنظمات إرهابية قد يؤدي إلى نتائج عكسية: أشخاص دفعوا لمرشدي تهريب أو دفعوا مال حماية في مدينة تسيطر عليها العصابات قد يُعتبرون مرتبطين بتلك المجموعات ويُرفض طلبهم. متحدث باسم خدمات المواطنة والهجرة قال إن قانون اللجوء الأميركي يحمي «عددًا محدودًا جدًا من الأجانب المضطهدين»، ويلقي باللوم على الازدحام في القضايا على «مطالبات احتيالية أو تافهة» قدمت في عهد إدارة بايدن، ويقترح تشريعات لرفع رسوم طلبات اللجوء للحد من الاحتيال. «طلب اللجوء المعلق لا يجعل الأجانب بمنأى عن تطبيق قوانين الهجرة»، أضاف المتحدث.

الرأي العام الأميركي منقسم تجاه إجراءات ترامب في الهجرة: استبيان مؤسسة بيو في يونيو أظهر أن 60% يعارضون تعليق معظم طلبات اللجوء، و54% يعارضون زيادة الحملات الميدانية، لكن الانقسام شديد على أساس حزبي؛ بينما يرى 65% أن هناك طرقاً قانونية لبقاء المهاجرين غير الموثقين، يخشى 23% أن يُرحَّل هم أو أحد من أقربائهم.

غابرييلا وماريا ولويس يُصرون على أن المطلوبين هاربون من عنف الكارتلات يُساء فهمهم. هم لا يبررون الجرائم، لكنهم يرون أن المهاجرين الذين يحترمون القانون ويدفعون ضرائبهم يستحقون البقاء: «نريد ما يريده الجميع: العمل، والعيش في دولة تقوم فيها سيادة القانون، وأن لا نعيش تحت تهديد مستمر لا ندري هل سنعود إلى بيتنا أو يعود أطفالنا سالمين».

أضف تعليق