عامان على حرب غزة — إسرائيل منقسمة ومعزولة، بحسب محلّلين

عامان على حربها في غزة — التي أودت بحياة أكثر من 67,000 شخص وأغرقت أعداداً لا تحصى في مجاعة ونكبات متكررة — وتجد اسرائيل نفسها على نحو متزايد معصولَة على المسرح الدولي ومنقسمة على نحو حاد في الداخل، بحسب محللين.

خلال افتتاحية الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، خرج مندوبون عن المجلس تلو الآخر احتجاجاً من مخاطبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في مشهد يرمز إلى مستوى العزلة الدبلوماسية الذي وصلت إليه الدولة. دولٌ شريكة مثل المملكة المتحدة وفرنسا وحتى ألمانيا عبّرت عن إدانتها للحرب على غزة، ما أعطى الانطباع بأن إسرائيل باتت تعتمد بصورة شبه مطلقة على دعم الولايات المتحدة وحدها.

داخلياً، أهلكت سنتان من الحرب الصورة التي وصفها المراقبون طويلاً بأنها ديمقراطية ليبرالية تقدمية، وحلّ مكانها واقع أكثر ظلامية وتطرفاً. مشاعر الألم والوصم الدولي تتقاطع مع تغيّر في المشهد السياسي والاجتماعي: خطاب أُكتوبر السابع ما يزال يهيمن على السرد العام، وتكرر وُسم الهجوم وقُبِل كتبرير شبه مطلق لأي إجراء يُتخذ باسم الردّ.

الوسائط الإخبارية الإسرائيلية أعادت تكرار هجمات 7 أكتوبر وتضخيمها، فيما استخدم سياسيون تلك اللحظة لتأطير المجتمع الإسرائيلي وكأنها معيار يبرر جميع السياسات المتبعة ضد غزة وسكانها. وبحسب محللين، العالم تحرك إلى ما بعد تلك اللحظة، لكن إسرائيل بقيت عالقة عندها، مع استمرار رؤية الجميع في قطاع غزة متواطئين في الاعتداء، حتى بعد مقتل عشرات الآلاف.

المشهد الاجتماعي يتردى: انقسام بين مؤيد ومعارض ومتجاهل للحرب، وتلاشي المواضيع المحرجة من الحوارات اليومية — كقضية الأسرى الذين ما زالوا في غزة رغم عشرين شهراً من القصف المتواصل، أو الحديث عن أعداد القتلى المتصاعدة وحالات الجوع والتهجير المتكررة للناجين.

أسرى الحرب ما زالوا محوراً للاحتجاجات والمطالبات السياسية بالإفراج عنهم، فيما عودة آلاف المقاتلين الاحتياط إلى عائلاتهم خلفت آثاراً نفسية وصحية واجتماعية واسعة: ارتفاع في حالات الانتحار، وتعاظم العنف الأسري، وما وصفه أطباء محليون بوباء اضطراب ما بعد الصدمة. آثار الحرب باتت مرئية في التفاصيل اليومية: سائقون صاروا لا يستخدمون الإشارات على الطرق، وتوجيه رسائل لأعضاء حمامات السباحة لحثّهم على تجنّب أي تعبير عن عدائية لفظية أو جسدية.

يقرأ  لماذا تم إعلان مجاعة في غزة؟تغطية أخبار الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

على المستوى البرلماني والسياسي، يقود الصراع على مستقبل الهوية السياسية لإسرائيل معركة وجودية؛ معارضة رسمية تركز في الغالب على تفاصيل إدارة الحرب بينما تهمّش المعارضة الشاملة لها إلى الأطراف. ولدى دخول وزراء من أقصى اليمين، أمثال إيتامار بن غفير وبِزالِئيل سموتريتش، مركزية في دعم تحالف نتنياهو، اكتسبت القفّة اليمينية المتطرفة قدرة شبيهة بالفيتو على رسم السياسات.

المحللون يصفون المشهد بأن السياسة الإسرائيلية تخوض معركة على روحها: لم تبدأ هذه الديناميكية مع الحرب بل تسارعت بفعلها؛ جذورها تمتد إلى الانتخابات الأخيرة وتطبيع قواسم مسيحية-مسيحوية متطرفة بغطاء سياسة انتهازية من قِبل رئيس حكومة طماع لشرعية البقاء. منذ إعادة انتخابه عام 2022 وحتى اندلاع الحرب، كافح نتنياهو لتشكيل ائتلاف مستقر، جزئياً بسبب تعارض سياساته اليمينية لمحاولة كسب قاعدته المتشددة، وجزئياً بسبب محاكماته المستمرة في قضايا فساد تعود إلى 2019.

في المقابل، يرى بعض المحللين أن معارضة نتنياهو تعاني من ضعف كفاءتها؛ ابتلاعها لدورات مؤقتة من الشراكة في حكومات إنقاذية منحته مشروعية مؤقتة قبل انسحاباتها، في ظاهرة تُعيد إنتاج خطاب أن يجب على الجمهور دعم الحكومة أثناء الحرب — حجة لم تعد تقنع الجميع على الرغم من استمرار تسويقها. «ما دام نتنياهو يربط مصيره بهولاء المتطرّفين من اليمين، فبوسعه أن يظلّ في السلطة»، قال بينكاس.

من هدم رفح في مايو 2024 إلى كسر الهدنة في مارس والاعتداءات المستمرة على مدينة غزة، طغت وجهات نظر اليمين المتطرّف على آرَاء الجمهور والجيش والمجتمع الدولي وعائلات المختطفين الذين لا يزالون في غزة. ارتفع الدخان إثر هجوم إسرائيلي في 13 أغسطس 2025 على رفح، مشهداً يرمز إلى اشتداد العنف وتصاعد الأثر الإنساني.

يرى اليمين المسيوَسية وحركات المستوطنين أنفسهم في مهمة لتقويض الديمقراطية الإسرائيلية بصورة دائمة؛ حرب غزة ساهمت في تعجيل هذا المسار، كما شرح ميكلبرغ. ولذلك يسعون إلى السيطرة على الوزارات وإدارة الشؤون الداخلية في الضفة الغربية، وهو ما ينذر بفترة مظلمة في تاريخ إسرائيل قد يصعب الشفاء منها.

يقرأ  رئيس وزراء إسبانيا يدعو لاستبعاد إسرائيل من الرياضة الدولية

المنبوذون

في الأشهر الأخيرة، تراجعت تأييدات كانت ثابتة سابقاً: المملكة المتحدة وكندا وفرنسا وأستراليا دانت حرب حليفها على غزة واعتبرت تصاعد أعداد القتلى وعمليات الاقتحام العنيفة في الضفة سبباً للاعتراف بدولة فلسطين. والاتحاد الأوروبي، الداعم التقليدي أيضاً، يدرس تعليق اتفاقية التجارة مع إسرائيل وفرض عقوبات على وزرائها اليمينيين المتطرفين.

على صعيد الأمم المتحدة، اعترفت فلسطين 159 دولة من أصل 192 في الجمعية العامة، وأربعة من أصل خمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن، بينما تظل الولايات المتحدة الوحيدة الرافضة. «في البداية قال الناس إن الأمر سوء فهم أو معاداة للسامية — كل الكليشيهات المعتادة»، قال بينكاس. «ثم قالوا إن المشكلة نتنياهو فقط، لكن هذا لم يعد مجدياً. العالم يقيم الدول بأفعالها، وعلى مدى العامين الماضيين كانت أفعال إسرائيل إلحاق كارثة إنسانية بغزة وارتكاب جرائم حرب واتهامها بالإبادة الجماعية.»

في حملته الانتخابية عام 2019، استخدم نتنياهو صوراً له إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تحت عنوان: «دوري مختلف». أما اليوم، فإسرائيل في «دوري» آخر — دولة مكروهة دولياً بقدر كره العالم لكوريا الشمالية.

أضف تعليق