مارك بوينتينج، مراسل شؤون المناخ والعلوم في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)
حذر عشرات العلماء المتخصصين في مناطق القطبين من خطورة مشاريع تهدف لمحاربة تغيّر المناخ عبر التلاعب ببيئة القطبين، معتبرين أن مثل هذه المقترحات قد تكون ضارة، قليلة الجدوى، ومشتتة عن الحاجة الحقيقية للتخلي عن الوقود الأحفوري.
تتضمن تقنيات “الهندسة الجيولوجية” القطبية المقترحة طرقاً غير تقليدية لتبريد كوكب الأرض، مثل تكثيف جليد البحر صناعياً أو إطلاق جسيمات عاكسة دقيقة في الغلاف الجوي لتقليل الإشعاع الشمسي الوافذ.
حازت هذه الأفكار على اهتمام كأدوات محتملة لمواجهة الاحترار العالمي إلى جانب إجراءات خفض الانبعاثات، إلا أن أكثر من أربعين باحثاً حضروا على أن تنفيذها قد يتسبّب في “أضرار بيئية جسيمة” ودعوا الدول للتركيز ببساطة على الوصول إلى حياد الكربون (صفر صافي)، وهو السبيل المثبت الوحيد للحد من ارتفاع درجات الحرارة.
الهندسة الجيولوجية، أي التدخّل المقصود في نظام المناخ الأرضي لمواجهة آثار الاحتباس الحراري، تُعد واحداً من أكثر مجالات أبحاث المناخ إثارة للجدل. بعض فروعها مقبولة إلى حد ما—كإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي عبر التشجير أو الآليات الميكانيكية—والتي تُعد جزءاً معترفاً به من جهود الوصول إلى صِفر صافي.
مصطلح “صفر صافي” يعني موازنة كمية غازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية مع الكمية التي تُزال فعلياً من الغلاف الجوي.
لكن بعض الأفكار الجذرية في الهندسة الجيولوجية، مثل عكس جزء من ضوء الشمس، تتعامل، وفق ما قال البروفيسور مارتن سيغرت من جامعة إكستر، “مع أعراض تغيّر المناخ بدل التعامل مع أسبابه”.
بالنسبة لمؤيدي البحث في هذا المجال، يجدر استكشاف تقنيات قد تساعد في ضبط ارتفاع درجات الحرارة السريع الذي بدأ يُحدث تأثيرات شديدة على الناس والنُّظم الإيكولوجية حول العالم. أما المعارضون فاليقظة تجاه المخاطر كبيرة، خاصة في المناطق القطبية الهشّة التي لا يزال ثَمّة كثير لا نعرفه عنها.
الورقة التي أُعدّت ونُشرت في مجلة Frontiers in Science راجعت الأدلة الخاصة بخمس من أكثر أفكار الهندسة الجيولوجية القطبية تداولاً، وخلصت إلى أن جميعها تفشل في تلبية معايير أساسية للجدوى وتثير مخاطر بيئية محتملة.
من بين الاقتراحات إطلاق جسيمات عاكسة دقيقة—الهوائيات الجوية—عالياً في الغلاف الجوي لتبريد الكوكب، وهو ما يثير قلق البعض ليس فقط من ناحية الفعالية بل من حيث تعطيل أنماط الطقس العالمية. ومع هذه الآثار الممكنة تنبثق أيضاً مسألة مَنْ يملك الحق في اتخاذ قرار تطبيق مثل هذه الإجراءات—وهو سؤال حادّ في منطقتَي القطبين اللتين لا يخضع حكمهما لهيكل حوكمي بسيط.
حذّرت الدكتورة فالييري ماسون-ديلموت من جامعة باريس ساكلاي من أن نشر مثل هذه الإجراءات من دون توافق دولي قد “يزيد التوترات الجيوسياسية في المناطق القطبية”.
وخوف آخر أن بعض الأفكار، وإن كانت ممكنة نظرياً، فإن التكاليف الضخمة والوقت اللازم لتوسيعها يجعلان فرصة تأثيرها الحقيقي ضئيلة. على سبيل المثال، تُشير تقديرات إلى أن ضخ مياه بحرية فوق سطح جليد البحر في القطب الشمالي خلال الشتاء لتكثيفه قد يتطلّب عشرات الملايين من المضخات إذا رُغِبَ في تغطية نسبة صغيرة من المساحة—مما يجعل المشروع عملياً غير قابل للتطبيق.
هناك أيضاً قلق أساسي من أن طرح هذه المشاريع قد يخلق وهم وجود بديل عن خفض انبعاثات الغازات الدافئة. كما قال البروفيسور سيغرت: «إذا رُوّجت… فستكون تشتيتاً لأن بعض الناس سينظرون إليها كحل لأزمة المناخ لا يتطلب إزالة الكربون».
حتى الأفكار الموجهة إلى إنقاذ كتل جليدية محددة، مثل اقتراح تركيب “ستارة بحرية” ضخمة لحماية نهر جليدي مثل ثوايتس في أنتاركتيكا من مياه دافئة، تُعتبر في الدراسة مكلفة جداً وعلى الأرجح غير نافعة.
يعترف بعض مؤيدي أبحاث الهندسة الجيولوجية بأنها قد تكون، في أحسن الأحوال، مكملاً لجهود الوصول إلى صفر صافي لا بديلاً عنها. يقول الدكتور شون فيتزجيرالد، مدير مركز إصلاح المناخ بجامعة كامبريدج، إن “أولوية خفض الانبعاثات تظل المقدّمة… فكل ما نقوم به يكاد يكون بلا جدوى بدونه”.
ورغم أن تقييم الدراسة يثير «مخاوف مشروعة جداً» بشأن بعض الاقتراحات، يرى مؤيدون آخرون أن هذه المخاوف يجب أن تُوازن مع المخاطر الناجمة عن الحالة الخطيرة للمناخ، وأن المزيد من البحث قد يمكّن المجتمع من اتّخاذ قرارات أكثر استنارة حول ما إذا كانت هذه المقترحات ستساعد أم تعيق مكافحة تغيّر المناخ.
أعلنت جهة دعمتها الحكومة البريطانية مؤخراً عن تمويل يقارب 60 مليون جنيه إسترليني لأبحاث من هذا النوع، مع إقرار الحكومة بعدم وجود خطط لنشر هذه التقنيات حالياً. ومع ذلك، يرى مؤلفو التقييم الجديد أن هذه المشاريع غير واقعية لدرجة أن توجيه الجهود والتمويل نحو إزالة الكربون والبحث القطبي التقليدي سيكون خياراً أفضل.
يخلص البروفيسور سيغرت إلى أن “ثمّة حقائق بديهية لا تحتاج إلى قدر هائل من البحث لتستنتج أنها ليست عملية بالفعل”، محذّراً من أن الانشغال بمثل هذه الحلول يمكن أن يخلق إلهاء عن الإجراءات الحقيقية الضرورية لحماية كوكبنا والبيئه.