على بُعد أربعة آلاف ميل عن أوكرانيا

ستيف روزنبرغ — محرر شؤون روسيا من فلاديموستوك

جميع لاعبي فريق الهوكي على الجليد لذوي الاحتياجات الخاصة «سويز» فقدوا أطرافهم أثناء القتال في أوكرانيا.

في حلبة جليد بفلاديفوستوك، بشرق روسيا البعيد، يتدرّب دميتري أَفاناسيف، البالغ من العمر 30 عاماً، مع زملائه من فريق سويز للهوكي البارالمبي. نزَع اللاعبون أرجُلهم الاصطناعية وجلسوا في زلاجات مصمّمة خصيصاً؛ يستخدمون عصي الهوكي لدفع أنفسهم حول الحلبة. يأمل دميتري أن يصبح في يوم ما بطلاً بارالمبياً في رياضة الهوكي على الجليد، لكن الطريق إلى ذلك ليس سهلاً: فقد مُنع الرياضيون الروس من المشاركة في دورة الألعاب البارالمبية الماضية نتيجة الحرب في أوكرانيا. وكما حال كل زملائه، كان دميتري في الخطوط الأمامية.

«قذيفة ناسفة أتت نحوي»، يتذكّر دميتري، الذي جرى تجنيده للقتال في أوكرانيا. «سقطت على الأرض وشعرت كما لو أن ساقي تحترق. نظرت إلى أسفل وكان كل شيء ممزقاً. وضعت رِحلة ضمّ ذاتي وطلبت من الرجال أن يسحبوني إلى الخارج.» زوجته جراحة، فأرسل لها صورة ساقه فردت: ‹من المحتمل أن يضطروا لبترها›. قال: «حسناً. سواء كانت ساقاً واحدة أو اثنتين، لا يهم.»

مدينة الميناء فلاديموستوك تبعد أكثر من أربعة آلاف ميل عن أوكرانيا وعن عاصمة روسيا؛ هذه آسيا فعلًا: الحدود مع كوريا الشمالية تفصلها نحو 80 ميلاً، والصين على بعد نحو 35 ميلاً فقط. ومع ذلك، فإن تبعات حربٍ بعيدة في أوروبا تبدو جلية هنا أيضاً.

على تل يطلّ على فلاديموستوك، تمتد صفوف القبور الطازجة: جنود روس قتلوا في أوكرانيا. إلى جانب الصلبان الأرثوذكسية ترفرف رايات عسكرية وأعلام روسيا فوق كل شاهد قبر. وفي جزء آخر من المقبرة يقف نصب تذكاري «لأبطال العملية العسكرية الخاصة»، الاسم الرسمي الذي لا تزال الكرملين تَستخدمه لوصف حرب روسيا على أوكرانيا؛ هنا قبور إضافية لجنود ويمثل التمثال جندياً روسياً مسلّحاً. نقش على النصب يقول: «الجنود يعيشون إلى الأبد».

يقرأ  مظاهرات إسرائيلية تطالببالإفراج عن الرهائن ووقف الحرب

بأوامر من الرئيس بوتين، عبرت القوات الروسية الحدود إلى أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وشكّل الغزو الشامل للمجاورة محاولة للكرملين لإعادة فرض نفوذه على كييف. وبعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف، لا تزال الحرب مستمرة.

في البثّ، يُسألني كثيراً: ماذا يفكر الشعب الروسي في الحرب على أوكرانيا، وفي المواجهة مع الغرب، وفي الرئيس بوتين؟ سؤال «ماذا يعتقد الروس؟» ليس سهلاً. فروسيا كبيرة ومتنوعة؛ أكبر دول العالم تمتد عبر قارتين و11 منطقة زمنية. بعض مناطقها، مثل كورسك وبيلغورود، تلامس أوكرانيا، فيما مناطق أخرى، كإقليم بريمورسكي حيث أنا الآن، بعيدة جداً عن الجبهات — فلاديموستوك هي مركزها الإداري. هذه أقصى رحلة قمت بها داخل روسيا منذ اندلاع الحرب، وفرصة لالتقاط نبض مجتمع في جزء مختلف كلياً من البلاد.

«بالطبع نحن قلقون»، تقول سفيتلانا في حديقة بفلاديموستوك عندما أسألها عن أوكرانيا. «هذا الوضع مستمر منذ سنوات ونرغب أن ينتهي في أسرع وقت. كنا نأمل أن يغيّر قمة ألاسكا [بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين] شيئاً — ولم يغير.» تضيف: «الناس هم الناس؛ سواء كانوا بريطانيين أو أمريكيين أو يابانيين أو أوكرانيين. لا أدري من أين يأتي كل هذا الكره.»

أتحدث مع إيليا، الذي يزعم أن الحرب في أوكرانيا لم تغير حياته في روسيا تغييراً جوهرياً. «ما زال بالإمكان كسب الرزق والعيش هنا»، يقول. «مستوى المعيشة لا يرتفع، لكنه لم ينخفض كذلك. نأمل أن تتحسّن العلاقات مع الدول الأخرى وأن نعود إلى الفضاء العالمي.»

في وسط فلاديموستوك توقّفت لأستمع إلى فرقة موسيقية تعزف في الشارع. حشد كبير تجمع للاستمتاع بحفل روك مرتجل. بين الأغاني تحدثت مع المغنّي الرئيسي، شاب محلي يعرّف عن نفسه بـ«جوني لندن». سألته: «هل يتحدّث الناس كثيراً عمّا يحدث في أوكرانيا؟» أجاب: «أشخاص في عمري لا نناقش هذه الأمور عادة. نادراً. أستطيع القول إننا لا نتحدث عنها أبداً.» فسألته: «لماذا؟» رد: «لا يمكننا فعل شيء حيال ذلك. خارج أيدينا وخارج متناولنا. نأمل أن يعود كل شيء إلى طبيعته بعد سنة أو سنتين.» قلتُ: «وما هي الطبعـة؟» قال: «لا حرب، أظن. سيكون أمراً جميلاً.»

يقرأ  قاضٍ أميركي يوقف ترحيل قاصرين غواتيماليين غير مصحوبينأخبار دونالد ترامب

عند انتهائي من حديثي مع «جوني لندن» اقترب مني متقاعد يدعى فيكتور. تعرف عليّ؛ شاهدني على التلفزيون العام الماضي في مؤتمر صحفي مع فلاديمير بوتين. «سألت بوتين سؤالاً، أليس كذلك؟ أنت مع الـBBC»، قال. فيكتور مُحب كبير — ليس لـBBC، بل لبوتين. انتقد سؤالي الذي اعتبره «استفزازياً» للرئيس حول الحرب في أوكرانيا، ودافع عن النظام السياسي الروسي ووجّه انتقاداً لإدارة بايدن بشأن انتخابات 2016 الامريكية. «بمساعدة بطاقات الاقتراع البريدية سرق بايدن الانتخابات من ترامب»، قال فيكتور. قلت: «هذا ما يقوله ترامب.» فرد فيكتور: «ليس هو فقط. بوتين يقول ذلك أيضاً.» قلت له: «قول بوتين لا يَحوّل الأمر إلى حقيقة.» أقرّ فيكتور: «صحيح. لكن هذا ما يعتقده شعبنا.»

يعتقد فيكتور أيضاً أن الغرب يفقد قوته ونفوذه. «انظر ماذا يحدث»، قال. «هذا الأسبوع في الصين اجتمع قادة الهند والصين وروسيا، ومع دول كثيرة أخرى أيضاً. لكن لم يكن هناك ترامب، لا بريطانيا، لا ألمانيا، لا فرنسا.» الهند والصين وحدهما يقطنهما ثلاثة مليارات شخص.

في طريق عودته من الصين، توقف فلاديمير بوتن في فلاديفوستوك. يقترح فيكتور أن أطرح على الرئيس سؤالًا آخر، ويقترح أن يكون حول “النظام العالمي الجديد”.

تتهيأ المدينة لاستقبال زعيم الكرملين ومشاركته في المنتدى الاقتصادي الشرقي. على جانب الطريق المؤدي إلى مكان الانعقاد، استعمل الفنان الشارعي فيليب دولماشنكو 1800 علبة رذاذ طلاء لابتكار لوحة جدارية استثنائية.

تُظهر الجدارية العملاقة فلاديمير بوتين بزيٍ عسكري وهو يعانق نمر سيبريا، صورة تجمع بين القوة والوحشية في آن واحد.

يقول فيليب إنه عندما كان مراهقًا كان يتعرض لمشكلات مع الشرطة بسبب فنّه في الشوارع، إلا أن هذه الجدارية حظيت بموافقة رسمية من السلطات الإقليمية.

يقرأ  يوروفيجن تكشف عن هوية عالمية جديدة للاحتفال بالذكرى السبعين — تصميم حصري لوكالة فردية من شيفيلد

يضيف فيليب: «نمر الآمور كان دائمًا رمزًا للحياة البرية، وفلاديمير بوتين رمز روسيا».

ورغم أن العبارة التي رُشّت بجانب الصورة تتحدّث ببساطة عن شروق الشمس في أقصى الشرق الروسي، فإن الجمع بين صورة النمر وصورة رئيسٍ يرى أنه يعيد للقوة الروسية مكانتها يجعل من تلك الكلمات إشارة ذات أبعاد أعمق:

«الفجر يبدأ هنا.»

أضف تعليق