عملاقُ العقاراتِ الصينيُّ يُشطبُ من البورصةِ بعدَ انهيارٍ مدوٍ

إلغاء إدراج «إيفرغراند» في بورصة هونغ كونغ بعد أكثر من عقد ونصف

أُزيلت أسهم المجموعة العقارية الصينية العملاقة إيفرغراند من سوق هونغ كونج يوم الإثنين، منهية حضورها في البورصة بعد أكثر من ست عشرة سنة من التداول. يمثل هذا الإجراء علامة قاتمة لشركة كانت يومًا من أكبر شركات العقارات في الصين، حيث كانت قيمتها السوقية تتجاوز 50 مليار دولار قبل انهيارها المدوي تحت وطأة ديون هائلة دفعت صعودها السريع.

يرى الخبراء أن قرار الإلغاء كان حتميًا ونهائيًا. كما قال دان وانغ، مدير شؤون الصين في شركة أوراسيا غروب المتخصصة بمخاطر السياسات: «بمجرد إلغاء الإدراج، لا عودة إلى الوراء».

اليوم باتت إيفرغراند معروفة بصورة أساسية بدورها في أزمة امتدت لسنوات وأثّرت على ثاني أكبر اقتصاد في العالم. قبل سنوات قليلة فقط كانت المجموعة نموذجًا لنجاح الصين الاقتصادي، وصاحبها ومؤسسها هوي كا يان ارتقى من أصول متواضعة في الريف الصيني إلى قائمة أثرياء آسيا على مؤشر فوربس عام 2017. منذ ذلك الحين انهارت ثروته إلى أقل من مليار دولار بعد أن كانت تُقدَّر بنحو 45 مليار دولار، وكانت سقوطه دراماتيكيًا بقدر ما كان صعود شركته.

في مارس 2024 فُرضت عليه غرامة بقيمة 6.5 مليون دولار وحُرم مدى الحياة من المشاركة في سوق رأس المال الصيني إثر اتهامات بتضخيم إيرادات الشركة بنحو 78 مليار دولار. كما يدرس القائمون على التصفية إمكانية استرداد أموال للدائنين من ممتلكات هوي الشخصية.

عند انهيارها كانت إيفرغراند تمتلك نحو 1,300 مشروع قيد التطوير في 280 مدينة داخل الصين، كما امتدت إمبراطوريتها لتشمل صناعة السيارات الكهربائية وأحد أنجح أندية كرة القدم في البلاد، غوانغتشو إف سي، الذي طُرد من الدوري هذا العام بعد فشله في سداد مستحقات بالقدر الكافي من ديونه.

يقرأ  وزير الدفاع كاتس: أتعامل بصرامة مع التسريبات التي تشوّه عمليات جيش الدفاع في غزة

بُنيت إمبراطورية إيفرغراند على نحو 300 مليار دولار من الاقتراض، مما منحها لقب أكثر مطور عقاري مديونية في العالم. بدأت مشاكلها بعد أن فرضت بكين قواعد جديدة عام 2020 للحد من حجم الاقتراض لدى المطورين الكبار. دفعتها تلك الإجراءات إلى طرح وحداتها السكنية بخصومات كبيرة لضمان تدفق السيولة، لكنها لم تستطع الوفاء بمدفوعات الفوائد فتسببت في عجز عن سداد بعض ديونها الخارجية.

بعد سنوات من المنازعات القانونية، أصدرت محكمة هونغ كونغ العليا أمر تصفية للشركة في يناير 2024. ومنذ ذلك الحين كانت أسهم إيفرغراند موقوفة عن التداول، ما جعل إلغاء إدراجها أمرًا متوقعًا. وخلال الأزمة فقدت الشركة أكثر من 99% من قيمتها السوقية.

أتى أمر التصفية بعد فشل الشركة في تقديم خطة عملية للتخلص من مليارات الدولارات من الالتزامات الخارجية. وكشف القائمون على التصفية هذا الشهر أن ديون إيفرغراند تبلغ حاليًا نحو 45 مليار دولار، وأنها لم تَنْجُ حتى الآن من بيع أصول تتجاوز قيمتها 255 مليون دولار. إلغاء إدراج إيفرجراند: رمزٌ تاريخي أم خطوة عملية؟

قيل إنّ إعادة هيكلة الشركة بالكامل «ستثبت أنها خارج نطاق القدرة»، فيما اعتبرت السيدة وانغ أن «الإلغاء الآن رمزي بالطبع، لكنه يمثل علامة فارقة». وما تبقّى الآن هو تحديد أي الدائنين سيُسددون وإلى أي مدى ضمن إجراءات الإفلاس، وفق ما يوضحه البروفيسور تشيتونغ تشياو من جامعة ديوك. من المقرّر أن يُعقد الجلسة القادمة بشأن التصفية في سبتمبر.

كيف تأثّر الاقتصاد الصيني؟

تواجه الصين سلسلة من المشكلات الكبرى: رسوما جمركية فرضتها الولايات المتحدة، ديون حكومات محلية مرتفعة، ضعف في الاستهلااك والإنفاق الخاص، بطالة، وتقدّم في متوسط العمر السكاني. إلا أن انهيار إيفرجراند، إلى جانب المشكلات الجدية التي تواجهها شركات تطوير عقاري أخرى، كان له الأثر الأكبر على الاقتصاد الوطني.

يقرأ  داخل دونيتسكنزوح السكان هربًا من هجمات على الإقليم الأوكراني الذي يسعى بوتين للسيطرة عليه

يقول خبراء إن تراجع سوق العقارات كان أكبر عامل كابح للنمو الاقتصادي والسبب الجوهري لكبح الاستهلاك. إذ كان قطاع العقارات يشكّل نحو ثلث النشاط الاقتصادي الصيني، وكان مصدراً رئيسياً لإيرادات الحكومات المحلية. والبروفيسور تشياو يرى أن الصين لم تجد حتى الآن بديلاً قابلاً للحياة لمساندة الاقتصاد بنفس هذا الحجم.

أدى الانكماش العقاري إلى تسريح جماعي واسع من قبل مطورين مثقلين بالديون، وفق جاكسون تشان من منصة أبحاث الأسواق المالية Bondsupermart، كما أن الكثير من العاملين الذين احتفظوا بوظائفهم عانوا من تخفيضات أجور كبيرة. وتأثّر العديد من الأسر أيضاً لأن مدّخراتهم غالباً ما تُستثمر في العقارات؛ ومع هبوط أسعار المنازل بما لا يقل عن 30٪، تآكلت قيمة مدّخرات عائلات كثيرة، بحسب أليسيا غارسيا-هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك ناتكسيس. وهذا بدوره يقلّل من حافز الإنفاق والاستثمار.

رداً على ذلك، أعلنت بكين سلسلة من المبادرات لإحياء سوق الإسكان وتحفيز الإنفاق الاستهلاكي ودعم الاقتصاد ككل، تتراوح بين تدابير لمساعدة الملاك الجدد ودعم السوق المالية إلى حوافز لشراء السيارات الكهربائية والسلع المنزلية. ومع أن الحكومة ضخّت مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد، فإن معدل النمو الصيني الذي كان يتسم بالسرعة قد هدأ إلى نحو 5%—معدل قد يرضي دولاً غربية، لكنه بطيء بالنسبة لبلد كان يسجل نمواً يتجاوز 10% سنوياً قبل عقدٍ أو نحو ذلك.

هل انتهت الأزمة العقارية؟

باختصار: على الأرجح لا. فبينما لا تزال إيفرجراند تتصدر العناوين، تواجه عدة شركات عقارية صينية أخرى تحديات جسيمة. في وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت المحكمة العليا في هونغ كونغ أمراً بتصفية شركة China South City Holdings، لتصبح بذلك أكبر مطور يُجبر على التصفية منذ إيفرجراند. وفي المقابل، لا تزال مجموعة كانترى جاردن تحاول التفاهم مع دائنيها لشطب أكثر من 14 مليار دولار من الديون الأجنبية، بعدما أُرجئت جلسات متعدّدة، والجلسة المقبلة بتهم التصفية محدّدة في يناير 2026.

يقرأ  رفض منح الإفراج المشروط لإريك مينينديزبعد عقود من قتل والديه

يقول البروفيسور تشياو: «القطاع العقاري بأكمله يعاني. المزيد من شركات التطوير الصينية ستنهار». ورغم إجراءات الحكومة لدعم السوق وإنعاش الاقتصاد، لم تتدخل بكين بشكل مباشر لإنقاذ المطورين مالياً. ويقول تشان إن تلك المبادرات بدأت تظهر تأثيراً إيجابياً: «نعتقد أن القاع قد تم الوصول إليه وأن الانتعاش سيكون بطيئاً. ومع ذلك، لا نتوقع أن يكون الانتعاش قوياً جداً».

حذر عملاق الاستثمار وول ستريت غولدمان ساكس في يونيو من أن أسعار العقارات في الصين قد تستمر في الانخفاض حتى عام 2027. وتتوقع السيدة وانغ أن يصل سوق العقارات المتعثر إلى «القاع» في نحو عامين عندما تتقارب أخيراً قوّة الطلب مع المعروض، فيما تصف غارسيا-هيريرو الوضع بلهجة أكثر تشاؤماً قائلة: «لا ضوء حقيقي في نهاية النفق».

أرسلت بكين رسالة واضحة بعدم إنقاذ قطاع الإسكان بصورة مباشرة؛ فقد تجنبت اتخاذ تدابير قد تشجّع سلوكيات محفوفة بالمخاطر من قِبَل صناعة مثقلة بالديون. ومع أن السوق العقاري كان في حقبة الازدهار محركاً أساسياً للنمو، فإن أولويات الحزب الحاكم تحوّلت الآن إلى صناعات ذات تكنولوجيا متقدمة مثل الطاقة المتجددة، السيارات الكهربائية والروبوتات. كما تقول السيدة وانغ: «الصين في مرحلة انتقال عميق نحو عصر تطوير جديد.»

أضف تعليق