عندما يتحوّل أحد أقدس أماكن العالم إلى منتجع سياحي عملاق

دير القديسة كاثرين الذي يعود إلى القرن السادس، الواقع عند سفح جبل موسى، يعتبر أقدم دير مسيحي مستخدم بصورة مستمرة في العالم. المكان، المحاط بصحراء قاحلة ومرتفعات حجرية، كان لسنوات مقصدًا للزوار الذين يصعدون الجبل برفقة مرشدين بدو لمشاهدة شروق الشمس أو للقيام برحلات مشي بدوية تقليدية.

جبل موسى، المعروف محليًا باسم جبل موسى أو جبل موسى (جبل موسى/جبل موسى)، يرتبط في الوعي الديني اليهودي والمسيحي والإسلامي باللحظات الحاسمة من قصة موسى—حيث نزلت عليه اللوائح العشر، وحيث كلمه الله من الشجرة المتقدة بحسب الكتاب المقدس والقرآن. ويقع هناك أيضًا دير القديسة كاثرين التابع للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، الذي تحكمه تقاليد رهبانية عريقة.

في الأسابيع الأخيرة تصاعدت الاحتجاجات حول مشروع حكومي طموح لتحويل المنطقة إلى منتجع سياحي ضخم، ما أثار قلقًا واسع النطاق حول مصير الطابع الروحي والبيئي للموقع المدرج ضمن مواقع التراث العالمي. فمشاريع فندقية فاخرة، وفيلات، وأسواق تجارية قيد الإنشاء في محيط المنطقة، كما تُجرى أعمال لتوسعة مطار صغير وبناء مركز زوار وكابل كار يصل إلى جبل موسى.

المجتمع البدوي التقليدي المحلي من قبيلة الجبالية — الذين يُعرفون بحمايتهم لدير القديسة كاثرين — وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع هذه التحويلات. منازلهم ومخيماتهم البيئية السياحية هُدمت في كثير من الأحيان دون تعويض كافٍ، وحتى قُيِّد عليهم نقل رفاة من قبور مقابرهم المحلية لإفساح المجال لمواقف سيارات جديدة، بحسب شهود ومصادر محلية.

يقول بن هوفلر، كاتب سياحي بريطاني عمل عن كثب مع قبائل سيناء: «هذا ليس تنمية كما تراها قبيلة الجبالية أو طلبتها؛ بل هو نموذج مفروض من الأعلى لخدمة مصالح جهات خارجية على حساب المجتمع المحلي». وأضاف: «يُبنى عالم حضري جديد حول قبيلة بدوية ذات جذور رحلّة، عالم اختار هؤلاء البدو البقاء منفصلين عنه، ولم يوافقوا على بنائه، وسيُغيّر وضعهم في أرضهم إلى الأبد.»

يقرأ  أول زيارة رسمية لوزير الخارجية الألماني إلى كرواتيا

السلطات المصرية، تحت ضغوط دبلوماسية يونانية، صرّحت بأنها لا تنوي إغلاق الدير، وبعد حكم قضائي مصري صدر في مايو اعتبر أن أراضي دير القديسة كاثرين تقع على ملك الدولة وأثار جدلًا واسعًا. قضت المحاكم بأن الدير «مخول فقط باستخدام» الأرض والمواقع الدينية والاثار المحيطة به، وهو ما اعتبره كثيرون سلبًا فعليًا لملكيته.

أدان رئيس الكنيسة اليونانية في أثينا، البطريرك إيرونيموس الثاني، الحكم بسرعة، محذّرًا من «مصادرة ممتلكات الدير» ومن تهديد وجودي للنور الروحي للأرثوذكسية والهلينية. في المقابل، قال مطران الدير داميانوس في مقابلة نادرة إن القرار يمثل «ضربة قاسية ومهينة»، وقد أثار هذا الخلاف انقسامات داخل الرهبنة أدت إلى استقالته مؤخراً.

البطريركية الأرثوذكسية في القدس أكدت أن للموقع حماية روحية وتاريخية تمتد إلى رسائل ومنح تقليدية، ورأت في الدير رمزًا للتعايش بين المسيحيين والمسلمين، خاصة وأن الدير يضم أيضًا مسجدًا صغيرًا يعود إلى العصر الفاطمي. وحسب البطريركية، يمثل الدير «مأوى للسلام وأملاً لعالم غارق في الصراعات».

على مستوى دبلوماسي، أدت الأزمة إلى حركة اتصالات مكثفة انتهت بتصريح مشترك بين مصر واليونان يضمن حماية الطابع الأرثوذكسي الثقافي والهوية الدينية للدير، رغم استمرار الخلافات القانونية والقلق المحلي.

أطلق المشروع الحكومي تحت اسم «مشروع التجلي الكبير» في 2021، ووُصِف بأنه هدية مصر للعالم ولجميع الأديان، ويشمل بناء فنادق، ومنتجعات بيئية، ومركز زوار كبيرًا، وتوسيع المطار الصغير، وإنشاء تلفريك إلى جبل موسى. ويقول مسؤولون إن المشروع يهدف إلى تقديم خدمات سياحية راقية مع الحفاظ على الخصوصية البيئية والتراثية للمكان، لكن الواقع على الأرض يشير إلى تغييرات ملموسة في ساحة السهل والطرق والإنشاءات المحيطة.

اليونسكو أعربت عن مخاوفها منذ 2023، ودعت مصر إلى إيقاف الأعمال، وفحص أثرها، ووضع خطة حفاظية شاملة للموقع. المنظمة أكدت أن المشهد الجبلي الوعر يكوّن خلفية مثالية للدير، وأن اختيار موقعه كان تعبيرًا متعمدًا عن الربط بين الجمال الطبيعي والعزلة من جهة والالتزام الروحي البشري من جهة أخرى.

يقرأ  تحفيز ذكر جنسيًا لتجنُّب التزاوج بين الأقارب

النقاش مستمر بين من يرون في المشروع فرصة لتنمية سياحية مستدامة تُنعش المنطقة، ومن يخشون أن يتحول هذا المكان المقدس إلى منتجع ترفيهي يفقده هالته الروحية ويهمش سكانه البدوين المحليين، الذين يخشون فقدان مصدر رزقهم وارتباطهم بالأرض. هذا لم يحدث.

في يوليو أرسلت منظمة مراقبة التراث العالمي رسالة مفتوحة تطالب لجنة التراث العالمي في يونيسكو إدراج منطقة دير القديسة كاترين ضمن قائمة مواقع التراث العالمي المعرّضة للخطر. كما توجه ناشطون إلى الملك تشارلز بصفته راعي مؤسسة سانت كاثرين، وهي مؤسسة تجمع التمويل لصون ودراسة تراث الدير ومجموعته من المخطوطتا النادرة ذات القيمة التاريخية. وقد وصف الملك الموقع بأنه «كنز روحي عظيم ينبغي الحفاظ عليه للأجيال القادمة».

هذا المشروع العملاق ليس الأول في مصر الذي يثير انتقادات بسبب غياب الحساسية تجاه تاريخ البلاد الفريد. ومع ذلك ترى الحكومة في سلسلتها من المشروعات الفارهة وسيلة أساسية لإحياء اقتصاد يفترّ طاقته. قطاع السياحة المصري، الذي بدأ يتعافى من آثار جائحة كوفيد-19، تعرض لانتكاسة جديدة بفعل الحرب الوحشية في غزة وموجة جديدة من عدم الاستقرار الإقليمي، وتعلن الحكومة هدفها استقطاب 30 مليون زائر بحلول عام 2028.

تحت حكومات متعاقبة جرى التطوير التجاري لشبه جزيرة سينا دون استشارة المجتمعات البدوية الأصلية. احتُلّت شبه الجزيرة من قبل إسرائيل خلال حرب 1967 وعادت إلى مصر بعد توقيع معاهدة السلام عام 1979، ومنذ ذلك الحين يشتكي البدو من معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

بدأ تشييد منتجعات البحر الأحمر الشهيرة، بما في ذلك شرم الشيخ، في جنوب سيناء خلال ثمانينيات القرن الماضي، ويرى كثيرون تشابهاً بين ما حدث هناك وما يحدث الآن في منطقة سانت كاثرين. كما يقول الصحفي المصري مهند صبري: «كان البدو أهل المنطقة؛ كانوا المرشدين والعاملين ومصادر الإيجار»، ويضيف: «ثم دخل السياحة الصناعية ودُحروا — ليس فقط من الأعمال بل طردوا فعلياً من الواجهة إلى الخلف، بعيداً عن البحر».

يقرأ  إعادة الأطفال الأوكرانيين إلى الوطن من روسيا والمناطق المحتلة

فندق قيد الإنشاء في سهل الراحة (2024)

كما في مواقع البحر الأحمر، من المتوقع استقدام عمال من أنحاء أخرى من مصر للعمل في مشروع سانت كاثرين الجديد، مع إعلان الحكومة في المقابل عن «ترقيات» لمناطق سكن البدو. لقد صمد دير القديسة كاثرين أمام تحولات واضطرابات كثيرة على مدى أكثر من ألف وخمسمئة سنة، لكن عندما هاجر أول الرهبان الأكبر سناً إلى هناك كان المكان ملاذاً نائيًا ومعزولاً.

تغيّر ذلك تدريجياً مع توسع منتجعات البحر الأحمر الذي جعل آلاف الحجاج يقصدون الموقع في رحلات نهارية خلال مواسم الذروة. وفي السنوات الأخيرة اعتاد الناس على مشاهد الحشود الكبيرة وهي تمر بجانب ما يُقال إنه بقايا الشجرة المشتعلة، أو تزور متحفاً يعرض أوراقاً من الـ«كودكس سينائيتيكوس» — أقدم نسخة مكتوبة يدوياً وبحالة شبه كاملة للعهد الجديد لا تزال باقية في العالم.

الآن، وعلى الرغم من أن الدير والبعد الديني العميق للمكان سيبقيان، فإن محيطه وطرق الحياة التي استمرت لقرون يبدو أنها مقبلة على تغييرات لا رجعة فيها.

أضف تعليق