هدوء حذر يسود أُفيرا شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد استحواذ متمردي جماعة M23 على المدينة، حيث بدأت العائلات تخرج تدريجياً من ملاجئها بعد أيام من القتال.
الاستيلاء الذي وقع في وقت سابق من هذا الأسبوع يهدد بإفشال اتفاق سلام توسطت فيه الولايات المتحدة ووقّعتهُ واشنطن بحضور احتفالي قبل نحو أسبوع وإشراف الرئيس دونالد ترامب، فيما اتهمت الولايات المتحدة رواندا يوم الجمعة بإشعال الهجوم.
تقول السلطات الإقليمية إن العنف بين بوكاڤو وأُفيرا، اللتين أصبحتا الآن تحت سيطرة M23، أودى بحياة ما لا يقل عن 400 مدنٍ، من بينهم نساء وأطفال.
قناة الجزيرة هي الناقل الدولي الوحيد المتواجد في أُفيرا، حيث وصف مراسلها آلان ويكاني يوم السبت حالةً من السكون المتوتر في المدينة المينائية عند الطرف الشمالي لبحيرة تانگانتيكا، المقابلة مباشرة لمدينة بوجومبورا في بوروندي. وأضاف أن قوات الحكومة والميليشيات الحليفة المعروفة باسم «وازالندو»، التي كانت تستخدم المدينة مقرّاً لها، بدأت الانسحاب قبل دخول مقاتلي الجماعة.
النازحون الذين فرّوا أمام تقدم المجموعة المدعومة من رواندا بدأوا يعودون إلى منازلهم، لكن معظم المحلات التجارية والمؤسسات ما تزال مغلقة. وقال ويكاني: «الناس يخرجون، يشعرون أن الخطر وراءهم»، لكنه حذّر من هشاشة الوضع ووجود دلائل على معارك عنيفة منتشرة في أنحاء المدينة.
أحد سكان أُفيرا، بيفينيو مواتومابيري، قال للجزيرة إنه كان في عمله عندما اندلعت المواجهات وسمع إطلاق نار من قرية قريبة فاضطر إلى التوقف، مضيفاً: «اليوم لاحظنا أن الأمور تعود إلى طبيعتها». وقال ساكن آخر، باوليز بينفاي، إن السكان لم يتعرضوا للتحرش من قبل المتمردين لكن «سنرى كيف تسير الأمور في الأيام المقبلة».
دافع متحدث باسم M23 عن الهجوم واصفاً العملية بأنها «تحرير» لأُفيرا من ما سمّاه «قوات إرهابية»، فيما تقول الجماعة إنها تحمي مجتمعات التوتسي العرقية في شرق الكونغو الذي تصاعدت فيه المواجهات منذ مطلع العام.
وفق شركاء محليين للأمم المتحدة، فإن الهجوم الذي بدأ في الثاني من ديسمبر اضطر أكثر من 200,000 شخص إلى النزوح داخل مقاطعة كفو الجنوبية.
اتهمت سلطات كفو الجنوبية قوات خاصة رواندية ومرتزقة أجانب بالتواجد في أُفيرا «في انتهاك واضح» لاتفاقيات واشنطن الأخيرة ولقيود وقف إطلاق النار التي نُوقشت سابقاً في الدوحة. وفي مجلس الأمن يوم الجمعة، اتهم السفير الأمريكي مايك والتز رواندا بتقديم «دعم مباشر» يدفع بالمنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار والحرب، محذِّراً من أن واشنطن ستُحاسب من يعرقل السلام.
قال والتز إن رواندا حافظت على سيطرة استراتيجية على M23 منذ إعادة ظهورها في 2021، وإن بين 5,000 و7,000 جندي رواندي يقاتلون إلى جانب المتمردين في الكونغو حتى أوائل ديسمبر، في حين أشار إلى أن «كيغالي متورطة بعمق في التخطيط وتنفيذ الحرب في شرق الكونغو».
نفى سفير رواندا لدى الأمم المتحدة هذه الاتهامات متّهماً الكونغو بخرق وقف إطلاق النار، معترفا بوجود قوات رواندية في شرق الكونغو لكنها، بحسبه، تتواجد لحماية أمن رواندا من ميليشيات الهوتو التي عبرت الحدود بعد إبادة 1994.
أثار سقوط أُفيرا قلق بوروندي المجاورة، التي نشرت قوات في المنطقة؛ وحذّر سفير بوروندي لدى الأمم المتحدة من أن «التعقل له حدود»، وأن استمرار الهجمات قد يصعّب تجنّب مواجهة مباشرة بين البلدين. وقد فرّ أكثر من 30,000 لاجئ إلى بوروندي في الأيام الأخيرة.
طالبت جمهورية الكونغو مجلس الأمن بمساءلة رواندا، ووصفت وزيرة خارجيتها الإفلات من العقاب بَكارّاً طال أمده. كما أشار تقرير لمشروع «التهديدات الحرجة» التابع للمؤسسة الأمريكية للمؤسسات إلى أن رواندا قدمت دعماً ملموساً لهجوم M23 على أُفيرا، واعتبره الأهم للجماعة منذ مارس الماضي.
مراسلة الجزيرة لدى الأمم المتحدة، كريستين سالومي، نقلت أن أعضاء مجلس الأمن تلقوا إحاطة من خبراء أشاروا إلى أن المدنيين في الكونغو لا يستفيدون من الاتفاقات الأخيرة المبرمة بين كينشاسه وكيغالي وأن أكثر من مئة مجموعة مسلحة تتنازع السيطرة على شرق الكونغو الغنيّ بالمعادن، ما أفرز واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم مع أكثر من سبعة ملايين نازح في المنطقة.
تجدر الإشارة إلى أن جماعة M23 ليست طرفاً في المحادثات التي وسّطت فيها واشنطن بين الكونغو ورواندا، بل تشارك في مفاوضات منفصلة مع الحكومة الكونغولية تستضيفها قطر.