غادر عبد الله غزة للعلاج في تركيا… لكن الأوان كان قد فات — أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

اسطنبول، تركيا – تحت أضواء الفلوريسنت القاسية في مستشفى أضنة للتدريب والبحوث، تُلقي الظلال على وجه حامد أبو زرقاء النحيل بينما يقف بجانب سرير ابنته الرضيعة التي لم تتجاوز ستة أشهر.

تتزعزع يدا الرجل المهترئتان وهو يردِّد الغطاء على حبيبة، فيما يئن قلبه من العجز. ابنُه عبدالله، الذي لم يتجاوز أربع سنوات ونصف، فارق الحياة صباح الثلاثاء في نفس الغرفة، جسده الصغير استسلم في النهاية لسوء التغذية الذي كان يفتك به منذ شهور مع فرض الحصار على غزة.

تحولت أسرة أبو زرقاء إلى رمز للمجاعة المفروضة على نحو 2.1 مليون نسمة في غزة بعد انتشار فيديو لعبدالله قبل أسابيع، ظهر فيه الطفل هزيلاً وهو يصرخ جوعاً طالباً طعاماً بينما تبكي والدته عاجزة.

أسرع الانتباه الدولي القصة وأدى إلى إجلاء طبي نقل العائلة إلى تركيا، والتي بدت وكأنها خلاص — لكن فجاة فات الأوان بالنسبة لعبدالله.

باسمة أبو زرقاء، ثلاثينية، تجلس في الزاوية ممسكة بكومة صغيرة من ملابس ابنها، تتكلم قليلاً وتبكي بصمت.

«فقدنا طفلنا. نعيش ألماً هائلاً»، يقول حامد بصوت اجتاحه الخشونة.

يصف حامد بمرارة شعور العجز وهو يرى أطفاله يذبلون أمام عينيه، وصوته ينقطع وهو يستعيد الأسابيع الأخيرة في غزة، حين أصبح إيجاد طماطم واحدة حلماً مستحيلاً.

«لا ماء للشرب النظيف هناك. القنابل تتساقط؛ الجوع والموت في كل مكان.»
«عبدالله وحبيبة كانا بحاجة إلى علاج فوري»، يكمل حامد وعيناه مثبتتان على ابنته.

«كل يوم كانا أصغر وأضعف.»

جاء الإجلاء إلى تركيا عبر برنامج إنساني لوزارة الخارجية، مع تحرُّكات دبلوماسية تركية لتأمين مرور العائلة. لكن الإجراءات استغرقت أسابيع — وقت لم يكن جسد عبدالله المتهالك يتحمله.

«اتصل بنا المسؤولون الأتراك ورافقونا حتى وصولنا هنا»، يشرح حامد. «نشكر كل من ساهم في مساعدتنا. لكننا وصلنا ومعنا أطفال صاروا أشباحاً لأنفسهم.»

يقرأ  إصابةُ العشراتِ في صربيا جراء اندلاعِ اشتباكاتٍ خلال احتجاجاتٍ مناهضةٍ للحكومة

كانت رحلة الطائرة إلى أضنة أول مرة يغادر فيها أي من الطفلين غزة. عبدالله، الذي كان بالكاد واعياً نتيجة لسوء التغذية، ربما لم يشعر بالرحلة. حبيبة، الأصغر، بكت بصوت خافت عند الإقلاع.

معركة طبية ضد الزمن

في مستشفى أضنة، أدرك الطاقم الطبي خطورة حالتي الطفلين على الفور.

وصل عبدالله وهو يعاني من مضاعفات شديدة ناجمة عن سوء تغذية مزمن: فشل أعضاء، انهيار في الجهاز المناعي، وتأخر نمائي يشير إلى شهور من التغذية غير الكافية.

د. محمد يلماز، رئيس قسم العناية المركزة للأطفال في المستشفى، الذي عالج العديد من الأطفال النازحين من مناطق صراع، أُصيب بالصدمة من حالة الأشقاء أبو زرقاء.

«غالباً ما يصل هؤلاء الأطفال وقد تراكم الضرر لديهم لأشهر»، يوضح الطبيب.

عملت الفرق الطبية على مدار الساعة لعشرة أيام لمحاولة إنقاذ عبدالله، مُعطينَه تغذية متخصصة، ومعالجين الجفاف الحاد، ومراقبين أعضاءه الحيوية التي كانت تكافح لتأدية وظائفها. لكن جسده المستنزف بفعل شهور الجوع لم يستجب للعلاج.

«كان صغيراً جداً»، تتذكر الممرضة عائشة دمير، التي اعتنت بعبدالله في أيامه الأخيرة. «حتى مع كل معداتنا وأدويتنا، لم نستطع أن نعكس ما فعله الجوع بجسده الصغير على مدى شهور.»

تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 90 بالمئة من سكان غزة يواجَهُون انعدام أمني غذائي شديد، مع كون الأطفال أكثر عرضة لمضاعفات الناجمة عن سوء التغذية.

النضال من أجل حبيبة

تحارب حبيبة الرضيعة نفس المعركة التي خسرها أخوها.

هيكلها الرفيع يروي قصة جوع ممتد: ذراعاها كالعيدان، أضلاعه تظهر تحت جلد شفاف، وعيون تبدو كبيرة بالنسبة لصغر وجهها.

يبدي الطاقم الطبي حذراً متفائلاً بشأن آفاق تعافيها، مشيرين إلى أن صغر سنها قد حماها جزئياً من بعض المضاعفات الأكثر حدة.

يقرأ  تأشيرات إتش‑١بيما هي وكيف قد تغيّرها إدارة ترامب؟

يحافظ والداها على سهر طويل يمزج بين الأمل والحزن؛ ينامان على كراسي جانب سريرها، ويتقاسمان وجبات المستشفى بينما تتردّد في ذهنهما ذكريات أوقات العائلة على مائدة البيت في غزة.

لا يعرف الزوجان ما الذي سيحدث لاحقاً. عودتهما إلى غزة مرهونة بتعافي حبيبة وبالوضع في وطنهم. وفي الأثناء، عليهما التعامل مع الفقدان بعيداً عن العائلة الممتدة، والطقوس الثقافية، والألفة التي عادة ما تمنح العزاء في زمن الحزن.

دُفن عبدالله في مقبرة حي غولباهجي في أضنة، في مراسم هادئة حضرها سكان محليون لم يعرفوا الطفل لكنهم فهموا لغة الفقد الأبوي العالمية. أمَّ المصلِّي محمد طاشجي الصلوات بالعربية بينما وقف الجيران الأتراك باحترام إلى جانب الأسرة الثكلى.

«دفنا ابننا في أرض غريبة»، يقول حامد والصوت يختنق تماماً. «كان يجب أن يكبر يركض في شوارع غزة، يلعب مع أطفال الحي، يتعلم الأذكار من جدته. بدل ذلك، قبره بعيد آلاف الكيلومترات عن كل من كان ينبغي أن يراه يكبر.»

قادة المساجد المحلية والأسر التركية في الحي نظموا دعماً مستمراً للعائلة الفلسطينية، مقدمين الوجبات والمساندة النفسية طوال فترة إقامتها الطويلة في المستشفى.

ثمن البقاء

«يسألني الناس متى سنعود إلى وطننا»، يشرح حامد. «لكن كيف تعود إلى مكان شاهدت فيه أطفالك يذبلون؟ كيف تدخل الغرف التي بكى فيها ابنك طالباً طعاماً لم تستطع تقديمه؟»

كانت تركيا من الأنشط دولياً في إجراء عمليات الإجلاء الطبي لمرضى غزة، إذ استقبلت مئات الفلسطينيين للعلاج في مستشفياتها منذ اندلاع الصراع. ومع ذلك، تفيد منظمة الصحة العالمية أن جزءاً بسيطاً فقط ممن يحتاجون إلى إجلاء طبي استطاعوا المغادرة.

عاش عبدالله أربع سنوات ونصف، قضى معظمها في زمن حرب. اليوم، يفجع والداه بفقده بينما يكافحان لإنقاذ طفلتهما المتبقية.

يقرأ  أستراليا تردّ على نتنياهو مع احتدام الخلاف الدبلوماسي بشأن غزة

نُشر هذا التقرير بالتعاون مع إيجاب. لم تُزَوِّدْني بأي نصّ للترجمة. أرجو لصق النصّ الذي ترغب في إعادة صياغته وترجمته إلى العربية بمستوى C2.

أضف تعليق