غزة: قلق وترقّب لدى الفلسطينيين مع انتظار تنفيذ إسرائيل لوقف إطلاق النار

دير البلح، غزة — يسود في مركز قطاع غزة، وتحديداً في دير البلح، شعور بالارتياح الحذر بينما تقف العائلات خارج خيامها تتبادل الأحاديث عن وقف إطلاق النار الذي من المقرّر أن يدخل حيز التنفيذ بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية.

بعض السكان يحتفلون، وآخرون يساورهم القلق أن تكون هذه الهدنة قصيرة أو ناقصة، كما حصل في اتفاقيات سابقة خرقتها اسرائيل.

«مَحْرَك الأمل»
رُوجَ لهذه الهدنة على أنها حل دائم وفق تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقالت اسرائيل إنها ستوقف قصف غزة بعد 24 ساعة من إقرارها في مجلس الوزراء الإسرائيلي، الذي يعقد اجتماعاً الخميس لمناقشتها.

«أظنّ أنه سيقبل بها»
نَصَر القرناوي (62 عاماً) جلس يحتضن جهاز الراديو على سرير داخل ملجأ عائلته، المكوّن من شرائح بلاستيكية وقطعة من القماش الأزرق. استمع إليه كل يوم طوال العامين الماضيين، ويبدو عليه الانبهار بالخبر الأخير الذي مرّ عبر الموجات.

«كان خبر الأمس قاسياً صباحاً. لكن الآن الأمور أفضل»، قال القرناوي. «أشعر أنها اقتربت، لكنه لم يقل كلمة “سلام”، نتنياهو لم يقلها. الآخرين قالوا كلمة “سلام”، لكنه لم يقلها».

«لذا ما زلنا غير متأكدين من نيته، لكن أعتقد أنه سيقبل… إذا جاء ترامب ووقع، فتنتهي المسألة».

تعوّل آمال كثيرة على ترامب، إما لثقة في مهاراته الدبلوماسية أو لعمق عدم الثقة في دوافع وأفعال رئيس الوزراء الإسرائيلي.

«لدي شبهات بنحو تسعين في المئة، لأن نتنياهو خائن وقذر»، قال خميس عثمان، النازح من مخيم البريج، لقناة الجزيرة. «هو يظنّ أن هذه ورقة رابحة لتحقيق مهامه. قد يستولي الإسرائيليون على ما هو لهم ويهاجموننا مجدداً».

في يناير أطلقت حركة حماس سراح 33 إسرائيلياً وخمسة تايلنديين كانوا محتجزين في غزة كجزء من صفقة تهدئة. ومع ذلك، انتهكت اسرائيل الهدنة من جانب واحد في منتصف مارس، واستأنفت حربها التي وصفها بعض السكان بـ”حرب إبادة” على غزة.

يقرأ  وزارة التعليم تُبرم شراكة مع منظمات محافظة لإعداد مناهج التربية المدنية

«لو كانوا فعلاً يهتمون بأسرىهم»، قال عثمان بغضب، «ما هاجموهم إلى جانب مقاومي المقاومة».

خميس عثمان، 42 عاماً، في دير البلح، غزة، 9 أكتوبر 2025 (عبد الحكيم أبو رياش/الجزيرة)

رغم كل شيء، يبدو أنه مستعد على الأقل للانتظار ومراقبة ما سيحدث: «من آخر ما سمعناه يقولون إن الجمعة هو موعد البدء، فالنأمل أن يبدأ يوم الجمعة».

«لا نستطيع العودة إلى بيوتنا»
إلهام الزعنين (أم مهدي)، 60 عاماً، نزحت مع خمسة من أبنائها وعشرة من أحفادها منذ بداية الحرب، وهي مشاعر مختلطة تجاه هذا الإعلان. من جهة تشعر بالارتياح لإمكانية وقف إراقة الدماء، ومن جهة أخرى ترتاح على فقدان الأمل في العودة إلى المنزل.

أم مهدي وعائلتها من بيت حانون في أقصى شمال غزة، وهي منطقة ستبقى تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي خلال المرحلة الأولى من الهدنة، ما يعني أن الأسرة ستبقى نازحة ولا تعرف إلى متى.

«عدنا لمنزلنا في بيت حانون أثناء الهدنة [في يناير]، لكن البيت لم يعد موجوداً، كل شيء اختفى. لذا عدنا وأقمنا مع أهل زوجي»، قالت أم مهدي. «كل شيء خراب وخسارة… أسأل الله أن يعوض ويعين؛ لكلٍ بلاؤه… بصراحة، نحن نعاني».

الألم يطال كل الأجيال في غزة، كما تقول ابنة عمّها اعتدال الزعنين (أم محمد)، مشيرة إلى أحفادها الذين بات مستقبلهم موضع خوف ويأس.

«أولاد ابني بدل أن يحلموا بما يريدون أن يصبحوا أو يلعبوا بلعبٍ، يمشون حاملين سكاكين، ويحملون جرار ماء ثقيلة لمسافات طويلة ليبيعوها. وفي بعض الأيام يأتون لي يحدثوني أنا ووالدتهم عن بقايا بشرية يجدونها متناثرة بعد الهجمات… يقولون لي: ’جدّتي وجدناهم مقطعين‘»، هزّت أم محمد رأسها باكياً.

«غداً سنصدم من الأعداد الحقيقية للشهداء والجرحى والمفقودين تحت الأنقاض»، قالت أم مهدي. «خلال هذين العامين رأيتُ كل شيء يمكن أن تتصوره من ألم. رأينا ذبحاً وموتاً، وشاحنات محملة بجثث، وعربات حيوانات».

يقرأ  بوتين: توصلت إلى «تفاهمات» مع ترامب بشأن إنهاء الحرب

هل نثق أم نشك؟
كل من تحدث إلى الجزيرة عبّر عن سعادته وارتياحه لأن إراقة الدماء قد تتوقف على الأقل، وأن بعض الناس قد يحصلون على فرصة للعودة إلى ما تبقى من بيوتهم.

أما عثمان فسيظل يترقب: «تسمع هذا كثيراً… كان هناك إنجاز ثم يفشل… التفاؤل شيء يعيش في الظلال».

اعتدال الزعنين (أم محمد) في دير البلح، 9 أكتوبر 2025 (عبد الحكيم أبو رياش/الجزيرة)

أم مهدي أيضاً تنتظر لترى: «لا يمكن الوثوق بإسرائيل. ترى في لبنان هم يقصفونهم كل يوم. نأمل أن يتدخل الوسطاء لحفظ أمننا».

حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، لا تعتقد أم محمد أن شيئاً سيعود كما كان. «أخواتي فقدن أولادهن، ومنازلنا دُمرت. حياتنا ومصيرنا كله أصبح ضائعاً. لا فرح حقيقي في قلوبنا، لكن على الأقل توقفت إراقة الدماء».

«توسّلنا للدول العربية والأجنبية والمسلمين الذين يشاركوننا الدين لمدة عامين، لكن لم يهتمّ بنا أحد أو بأطفالنا، أطفال رأوا الأجساد ممزقة قرب مستشفى الأقصى، ورأوا أطفالاً مثلهم شهداء».

تمسك القرناوي بتفاؤله بحماس يكاد يكون بقدر تمسكه بالراديو، رفيقه عبر عامين من المجزرة. «يأتون أحياناً ليستمعوا معي، بناتي أو جيراننا»، قال. «إن شاء الله سيعود الناس إلى بيوتهم. إن شاء الله تنتهي الحرب». «هدف الحرب واستئنافها كان التهجير كله. ولكن الآن انتهى الأمر؛ لقد ضاعت عليهم الفرصة». لم تزودني بأي نصّ.
ارسل النصّ الذي تودّ ترجمتة وإعادة صياغته، وسأتولى ذلك فوراً.

أضف تعليق