فصائل مسلّحة معارضة لحماس تسعى إلى دور في إطار خطة سلام مستقبلية لغزة

لوسي ويليامسون، مراسلة شؤون الشرق الاوسط — القدس

تثار تساؤلات ملحّة حول الفوضى المسلّحة التي ظهرت في غزة خلال الأشهر الماضية، إذ ظهرت مجموعات مسلّحة متباينة الأصول والدوافع تتصدّى لحماس. تشمل هذه المجموعات عشائر عائليّة، عصابات إجرامية، وفصائل جديدة بعضها تلقى دعماً غير معلن — كما اعترف رئيس وزراء إسرائيل مؤخراً. كما تُشير تقارير إلى أن عناصر داخل السلطة الفلسطينية، الخصم السياسي لحماس وحاكم أجزاء من الضفة الغربية، قد تكون تُقدّم دعماً سرياً لتلك القوى.

تتوزّع هذه الفصائل عملياً في مناطق محلية داخل نحو 53% من مساحة قطاع غزة التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية حالياً، لكنها لم تُضمّن رسمياً في خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تقترح نشر قوة دولية لتمديد الاستقرار وتدريب جهاز شرطة فلسطيني جديد لتأمين المرحلة القادمة في غزة.

من أكبر هذه الميليشيات “قوات الشعب” بقيادة ياسر أبو شابّاب، التي تنشط قرب مدينة رفح الجنوبية. في تسجيلات على وسائل التواصل ظهر نائب القائد يتحدّث عن تنسيق مع “مجلس السلام” — الهيئة الدولية المزمع أن تدير غزة بموجب الخطة.

قائد آخر بارز هو حسام الأستال الذي يقود ما يُعرَف بـ”قوة ضرب مكافحة الإرهاب” قرب خان يونس. قال الأستال لوسائل إعلام إسرائيلية هذا الأسبوع إن «ممثّلين أمريكيين» أبلغوه أن مجموعته ستلعب دوراً في جهاز الشرطة المستقبلي لغزة، بينما قال مسؤول أمريكي إنه لا توجد إعلانات في هذا الشأن حتى الآن. الأستال، الذي عمل سابقاً لدى السلطة الفلسطينية، يقود قوة صغيرة قد لا تتجاوز عشرات المنخرطين، لكن ثقتها تتزايد وهي تُدير مخيّماً مؤمَّناً جيداً ومزوَّداً بالقرب من خان يونس.

قال الأستال في حديث سابق إنه يتعاون مع الجانب الإسرائيلي لتأمين إمدادات من طعام وسلاح وغيرها، مؤكّداً أن مواردهم لا تَأتي من مصدرٍ واحد وأن دعمًا من أنحاء العالم يَصل إليهم، نافياً أن يكونوا «وكلاء لإسرائيل». في موقعه الجديد داخل ما يُعرَف بـ«الخط الأصفر» الذي يميّز الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بحسب اتفاق وقف إطلاق النار، أقام عشرات العائلات سكناً جديداً، مع وصول المزيد أسبوعياً. «نحن يوم غد غزة الجديدة»، صرّح الأستال، وبيّن استعداده للتعاون مع السلطة الفلسطينية أو الأمريكيين أو أي طرف يتوافق معه، واصفاً مجموعته كبديل لحماس.

يقرأ  من هم الصحفيون الخمسة الذين قُتلوا في هجوم على مستشفى بغزة؟ | أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

إلا أن كثيرين من سكان غزة، حتى من المستائين من حكم حماس، قلقون من التفويض الواسع الذي حظيت به تلك الفصائل الصغيرة والمجزّأة. يقول صالح سويدان، المقيم في غزة: «عدد قليل من الرجال الذين لا دين لهم ولا أخلاق انضمّوا إلى هؤلاء المجرمين… كانت هناك حكومة تدير شؤوننا، ورغم المشقات فإن أي حكومة أفضل من عصابات». ويصف زاهر دوله أن تعاون هذه الجماعات مع الاحتلال بأنه «أسوأ ما أنتجته الحرب»، وأن الانخراط معهم يمثل خيانة وخطورة.

ثلاثينيّون أمثال منتصر مسعود روى أنه انتقل مع زوجته وأولاده الأربعة قبل شهرين إلى مخيّم الأستال، عابراً «الخط الأصفر» ليلاً وبالتنسيق مع قوات إسرائيلية لتجنّب احتكاك مع حماس. لكن أقاربه الذين بقوا في مناطق تابعة لحماس انتقدوه، معتبرين أن خيارهم لا مستقبل له. أثناء المكالمة معها، ظلّ صوت إطلاق نار كثيف في الخلفية، فأوضح منتصر أن الجيش الإسرائيلي قريب لكنه «ليس هدفنا».

تتعدد الاتهامات بشأن بعض هذه المجموعات؛ فمثلاً اتُهمت مجموعة أبو شابّاب بنهب قوافل المساعدات المتوجهة إلى غزة، وتناولت تقارير إسرائيلية كذلك وجود روابط سابقة لبعض أعضائها مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). علّق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التقارير قائلاً إن دعم مثل هذه الفصائل «أمر جيد» لأنه «يوفّر أرواح الجنود»، وزعم أن الكشف عن هذه المعلومات لم يفد سوى حماس.

من جانبه يؤكد اللواء أنور رجب من أجهزة السلطة الفلسطينية أنه لا يمكن اعتماد عملية إدماجٍ شاملة لهذه العناصر في جهاز الشرطة الجديد بغزة، فيما يصر نتنياهو على أن غزة لن تُدار لا من قبل حماس ولا من قبل السلطة — موقف يضيف طبقة أخرى من التعقيد على مشهدٍ أمني وإنساني هشّ بالفعل. بموجب الخطة الأميركية للسلام، ستدير لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية قطاع غزة مؤقتاً تحت إشراف دولي، لحين إتمام إصلاحات مؤسساتية داخل السلطة الفلسطينية.

يقرأ  فيديو لاحتجاج سائقي تطبيقات النقل في إندونيسيا لا علاقة له باحتجاجات أغسطس ورُبط بها زوراً

ورفض مسؤول فلسطيني رفيع مزاعم استال بأن مقاتليَه سيُدمَجون ضمن قوة الشرطة المستقبلية في القطاع.

وقال اللواء أنور رجب، المتحدث باسم قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، في مقابلة مع البي بي سي، إنه لا يمكن تطبيق سياسة إدماج شاملة لكل عناصر الفصائل المسلحة في غزة، خصوصاً وأن بعض هذه الفصائل تحظى بدعم من اسرائيل.

«قد تطالب اسرائيل بإدماج هذه الميليشيات لأسباب سياسية وأمنية خاصة بها،» أضاف. «لكن مطالب اسرائيل لا تعود بالضرورة بفائدة على الفلسطينيين. تريد اسرائيل أن تستمر في فرض سيطرتها على قطاع غزة بطريقة أو بأخرى.»

أفراد من «جيش الشعب – القوات الشمالية» خلال دورية في شمال غزة

يبقى سؤال مصير الميليشيات الجديدة في غزة في ظل سلام دائم دون جواب حاسم حتى الآن.

ويرى مايكل ميلشتاين، الذي شغل منصب رئيس شؤون فلسطين في جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلي سابقاً، أن قرار اسرائيل بدعم أعداء عدواها في غزة دليل على أنها لم تتعلم من دروس التاريخ. «هذا نفس الخطر الذي واجهه الأميركيون في أفغانستان قبل ثلاثين عاماً،» قال؛ «لقد دعموا طالبان ضد السوفييت، ثم استُخدمت الأسلحة التي حصلت عليها طالبان ضد الأميركيين أنفسهم.»

وأضاف أن اسرائيل تراهن الآن على مجموعات لها ماضٍ مشكوك فيه على أمل أن تشكّل بديلاً سياسياً واجتماعياً وأيديولوجياً لحماس. «سيحين وقتٌ ستوجهون فيه بنادقهم — البنادق التي حصلوا عليها من اسرائيل — نحو جيش الدفاع الإسرائيلي،» حذر.

يقول منتقدون إن دعم اسرائيل لميليشيات محلية متباينة قد يُسهّل تقسيم المعارضة الفلسطينية لإسرائيل، ويمنح تل أبيب قدرة على الحفاظ على نفوذ داخل غزة بعد انسحاب قواتها.

ويرى آخرون أن تسليح مجموعات متفرقة سيصعّب إقناع حماس بالتخلي عن سلاحها، ويعرقل تدخل قوى دولية لتأمين القطاع.

يقرأ  «والدة ماتان أنغريست: ابني أُجبر على تحمل استجوابات مروعة»

خلاصة المخاطر لإسرائيل هي أن تلك المجموعات التي ساعدت على تسليحها قد تصبح في يوم من الأيام العدو الجديد الذي تواجهه.

قبل أربعين عاماً شجعت اسرائيل تنظيماً إسلامياً متشدداً في غزة لمواجهة تزايد نفوذ الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات — ذلك التنظيم الذي تحوّل لاحقاً إلى حركة حماس.

تقرير إضافي: ناومي شيربل-بول، سامانثا غرانفيل وفريق غزة المستقل

أضف تعليق