فنزويلا كارثة «وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)» الشبه سرية قيد التكوّن سياسة

نشرت وكالة رويترز يوم السبت تقريرًا حصريًا، ذكرت فيه أن الولايت المتحدة «على وشك إطلاق مرحلة جديدة من العمليات المرتبطة بفنزويلا في الأيام المقبلة». استند التقرير إلى أربعة مسؤولين أميركيين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، وأكد اثنان منهم أن الخطوة الأولى في هذه «التحرك» الجديد قد تكون عمليات سرية تستهدف مباشرة الرئيس نيكولاس مادورو.

وليس في هذا خبراً غريبًا بالكامل، إذ قبل أكثر من شهر أعلن ادارة ترامب بنفسه أنه فوّض وكالة الاستخبارات المركزية بتنفيذ عمليات سرية داخل فنزويلا — نهج فريد نوعًا ما لأن ما يفترض أن يبقى سريًا لا يُعلن عنه عادة بهذه الصراحة.

من الواضح أن الولايات المتحدة تشرف على تعبئة عسكرية ضخمة في المنطقة، مع نحو خمسة عشر ألف جندي أميركي متمركزين هناك تحت ستار مكافحة «الإرهاب المرتبط بالمخدرات». ومنذ أوائل سبتمبر، أشرف الرئيس ترامب على عمليات تنفيذية خارج إطار القضاء في البحر الكاريبي، متضمنة أوامر متكررة بقصف زوارق يزعم أنها متورطة بتهريب المخدرات.

تلك الضربات، بخلاف مخالفتها للقانون الدولي والقانون الأميركي، لم تُثمر إلا عن زيادة الرعب بين صيادي السواحل المحلية، مع نتائج عملية ضئيلة تُذكر على صعيد مكافحة الاتجار بالمخدرات.

ولا غرو أن الولايات المتحدة لم تترك حرب المخدرات التي لا تحبّها أبدًا؛ فسردية «حرب المخدرات» توفّر ذريعة مريحة لزرع الفوضى عالميًا، ولعسكرة نصف الكرة الغربي، ولتجريم فقراء أميركا وتبرير سياسات أخرى كثيرة. ولا ينبغي أن نغفل أن مؤسسات مالية أميركية ربحت لعقود من تجارة المخدرات الدولية، وأن علاقة الاستخبارات بالمخدرات قديمة قدم الوكالة نفسها، كما ذكرت تقارير عدة.

وعليه، ليس مفاجئًا أن الرئيس الذي ترشّح مع وعود بعدم دخول الولايات المتحدة في حروب ثم أمر سريعًا بقصف إيران، يجد اليوم نزاعًا جديدًا ليدخّل بلاده فيه. وكما هو معتاد في عدوانية الإمبراطورية الأميركية، المسوغات المعلنة ضد فنزويلا تبدو هشة عند بحثها بعين المنطق.

يقرأ  ابن يخبر «بي بي سي»: والده الأفغاني، الذي تسرّبت بياناته في بريطانيا، معرض لخطر طالبان إذا رُحّل

فمثلاً، سعت إدارة ترامب إلى توريط مادورو في أزمة الفنتانيل داخل الولايات المتحدة، بغضّ النظر عن أن فنزويلا لا تنتج هذا الأفيون الصناعي أصلاً. وكما أشار إعلام معتدل مثل NBC، تتركز شبكات المخدرات الفنزويلية على تصدير الكوكايين إلى أوروبا أكثر من تهريب الفنتانيل إلى الولايات المتحدة.

ومع ذلك، غرّد وزير الدفاع بيت هيغسث — أو بنكهة ساخرة «وزير الحرب» — على منصة X ليطمئن الجمهور أن التعبئة العسكرية الهائلة قبالة سواحل فنزويلا «تدافع عن أرضنا، وتُبعد الإرهابيين المرتبطين بالمخدرات عن نصف كرتنا، وتحمي مواطنينا من المخدرات القاتلة». تصريحات تبدو متناقضة مع حقيقة أن الحكومة نفسها كانت توشك على حرمان أميركيين فقراء من مساعدات غذائية أساسية، كل ذلك في إطار تهديد بانقطاع الدعم، ما يشير إلى أن «حماية شعبنا» ليست دائمًا أولوية ملموسة.

إلى جانب ذلك، شُطّ التخصيص الفدرالي لبرامج الوقاية من العنف المسلح في بلد يموت فيه الناس كل يوم برصاص شبه روتيني؛ ولا ننسى عمليات القتل الجماعي في المدارس الابتدائية التي تزهق أرواحًا دون أن تشكل سببًا كافيًا لإعلان حالة طوارئ مماثلة لتلك المشددة ضد فنزويلا.

المفارقة أن الفقر نفسه قاتل في أميركا، وأن القطاع الصيدلاني المحلي مسؤول جزئيًا عن أزمات الأفيونات، ومع ذلك لم تستدع هذه المشكلات حملة عسكرية أو ترويجًا لخطاب «الإرهاب المخدري» على مستوى القارة.

مثل سلفه هوغو تشافيز، ظل مادورو شوكة في جسد الهيمنة الأميركية، ومن هنا تأتي محاولة تشويه سمعته بتسمية «إرهابي مخدرات» تمهيدًا لتغيير النظام. والسيناتور ماركو روبيو يبرز كأحد مهندسي استراتيجية واشنطن تجاه فنزويلا، ساعيًا إلى استمالة قاعدته في فلوريدا بينها قطاعات من الشتات الفنزويلي والكوبي اليميني المتطرف، مع نظرة طموح انتخابي محتمل بعد ثلاث سنوات.

يقرأ  إيه بي سي الأسترالية تدفع غرامة إضافية للصحفي المفصول بعد منشور عن غزة في خضم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

وبحسب التقرير نفسه، أخبر اثنان من المسؤولين رويترز أن الخيارات المطروحة شملت محاولة الإطاحة بمادورو. وإذا نجحت خطة كهذه، فإن روبيو سينضم إلى قائمة طويلة من السياسيين الأميركيين الذين سعوا إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية عبر إزهاق حياة ودوام شعوب أجنبية.

وفي موازاة ذلك، أفاد الواشنطن بوست أن البيت الأبيض اقترح فكرة إسقاط منشورات فوق كاراكاس كجزء من عملية نفسية لزيادة الضغط على مادورو — تكتيك يبدو من صفحات دفتر لعب القوات الإسرائيلية القديم.

ومهما استمرّت ادارة ترامب في تنفيذ مخططاتها غير السرّية نسبيًا تجاه فنزويلا، فإن تهورًا من هذا النوع في نصف الكرة لن يضمن أمن الوطن الأميركي ولا أمن أي دولة أخرى.

الآراء الواردة هنا تعبر عن كاتبها ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لشبكة الجزيرة.

أضف تعليق