فور غناسينغبي، رئيس توغو، يسير على حبل دبلوماسي رفيع بين روسيا وفرنسا

فور غناسينبي: لاعب دبلوماسي بارع بين محاور متضاربة

بينما اختارت دول غربية أفريقية التقارب مجدداً مع فرنسا أو فتح قنوات تعاون مع روسيا، سعت توغو إلى جمع المنافع من كلا المعسكرين في آن واحد. محاولة الانقلاب العسكري التي شهدتها بنين في 7 ديسمبر وتلاشت سريعاً، انتهت بفرار قائدها، المقدم باسكال تيغري، عبر الحدود إلى توغو ثم إلى ملاذ أكثر أمناً ربما في واغادوغو أو نيامي. الغموض الذي أحاط بدور توغو المزعوم في هذه السلسلة من الأحداث يعكس استراتيجية واضحة لدى قيادة لومي: استغلال موقعها ودورها الإقليمي لكسب أقصى قدر من النفوذ الدبلوماسي عبر تحالفات متباينة أحياناً.

فور غناسينبي لا يغفل عن حساسيات علاقاته مع باريس؛ العلاقات مع بنين ليست بالودّ التام، لذا تتجنّب لومي أي موقف رسمي صريح يؤكد تسهيل عبور تيغري. وفي الوقت نفسه لا يتورع عن إظهار ودّه ودفئه مع حكومات مالي والنيجر وبوركينا فاسو التي انحرفت عن الإطار التقليدي لمجموعة الإيكواس الشهر الماضي. هذا التوازن المزدوج ظهر بوضوح في سلسلة لقاءاته: استقباله من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإليزيه في 30 أكتوبر بحوار هادئ، ثم زيارته البارزة إلى موسكو بعد أسابيع قليلة حيث التقى بوتين واتفق الطرفان على شراكة دفاعية شملت السماح لسفن روسية بالرسو في ميناء لومي العميق، وإجراء تبادل استخباراتي وتدريبات عسكرية مشتركة، وإعادة فتح السفارات المغلقة منذ تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب بنود للتعاون الاقتصادي. لم تتضمن التفاهمات إعلان قاعدة لمجموعة أفريقيا كورps أو بديل لــ«فاغنر»، بحسب تصريحات لومي.

هذه المناورات أثارت القلق الفرنسي الذي اعتاد على توغو كحليف تقليدي، خصوصاً بعد العرض الفرنسي السريع لتقديم دعم عسكري متخصص لدول الإيكواس عند محاولة انقلاب تيغري. من جانبها تؤكد لومي أن تقاربها مع روسيا لا يعني مقاطعة الغرب، بل خطوة نحو تنويع الشراكات—حجة تبدو منطقية إلى حد كبير؛ فقد انضمت توغو وغابون قبل أعوام إلى الكومنولث إلى جانب عضويتهما في منظمة الفرنكوفونية، بينما انضمت غانا الناطقة بالإنجليزية أخيراً إلى الفرنكوفونية، ما يبيّن رغبة حكومات المنطقة في علاقات متعددة دون الانحياز إلى ثنائية استقطاب باردة.

يقرأ  انتخابات رئاسة ساحل العاجمن يخوض السباق وما الذي على المحك؟أخبار الانتخابات

توجّه توغو هذا مدفوع بموقعها الجيو‑اقتصادي: ميناء عميق قادر على استقبال أكبر حاويات المحيطات، ومطار يربط غرب ووسط أفريقيا، وشبكات لوجستية ومؤسسات مالية إقليمية. موقعها يجعلها محوراً طبيعياً لممرّات النقل مثل محور لاغوس–أبيدجان، وهي مصلحة مركزية لمجموعة الإيكواس. في الوقت نفسه يسعى غناسينبي للحفاظ على جسور مع الأنظمة العسكرية في الساحل التي تشكل تحالفاً منفصلاً (تحالف دول الساحل)، بل تكهّن وزير خارجيته بالالتحاق المحتمل بهذا التجمع.

على الصعيد الداخلي، ربطت تغييرات دستورية جرت في 2024 نقل الصلاحيات التنفيذية من منصب رئاسة الجمهورية إلى منصب رئاسة الحكومة، أو ما سُمّي «رئيس المجلس»، وهو منصب لا يخضع لحدود مدة. بذلك تنازل غناسينبي عن الرئاسة لوجوه موالية شحيحة الظهور وتقلد منصب رئيس المجلس الذي يمنحه فعلياً السيطرة التنفيذية المستمرة. هذه الخطوة أثارت موجة اعتراضات داخلية قمعتها السلطات بسرعة: اعتقالات لمتظاهرين، تهديدات بملاحقات قضائية لشخصيات بارزة مثل مغنية الراب آمرون ووزيرة دفاع سابقة، وتضييق على الصحافيين. وفي ردّ على قرار البرلمان الأوروبي بالمطالبة بالإفراج عن سجناء سياسيين بينهم المواطن ذي الجنسية المزدوجة عبدالعزيز غومى، استدعى جهاز الحكم سفير الاتحاد الأوروبي وأكد استقلالية القضاء، في رسالة مفادها أن توغو غير مرهونة بالضغوط الغربية.

سعي غناسينبي لتنويع الشركاء هو جزء من استراتيجية ردع خارجية: إظهار أن لدى البلاد بدائل وأن الانتقادات الغربية لا تُجبره على التراجع. ومع ذلك، تُظهر التحركات الأخيرة أن هذا التحالف الدبلوماسي المتنوع لا يقوّي الوضع السياسي الداخلي بالقدر الكافي لاحتواء الغليان الشعبي المستمر. في خطاب حالة الأمة هذا الشهر ألمح رئيس المجلس إلى إمكانية إصدار تعليمات للنظر في إطلاق سراح بعض السجناء—بصيغة تقارب التراجع التكتيكي عن سياسة القمع السابقة، في محاولة لتمتص بعض الضغائن المتراكمة.

يقرأ  غارات إسرائيلية على غزة إثر اتهام حماس بخرق الهدنة

ختاماً، تظل حقيقة أن توقيع اتفاقيات مع موسكو منح الأخيرة منفذاً بحرياً استراتيجياً إلى الجيوش العسكرية في الساحل عبر ميناء لومي تذكيراً بمدى أهمية توغو كلاعب محوري: بلد يجمع بين موقع لوجستي حاسم وطموح دبلوماسي متنوّع، لكنه في الوقت نفسه يحاول إخماد توترات داخلية لا تزال تهدّد استقراره. اكد أن لعبة التوازن الخارجية قد تفشل في معالجة جذور الاستياء المحلي إن لم يصحبها إصلاحات سياسية حقيقية.

أضف تعليق