فوز بول بيا في انتخابات الكاميرون — لماذا تحولت الاحتجاجات إلى مواجهات دامية؟

قمع أمني في الكاميرون أسفر عن مقتل أربعة على الأقل من أنصار المعارضة خلال احتجاجات رافضة لإعلان إعادة انتخاب الرئيس بول بيا.

المتظاهرون، الذين يطالبون بنتائج شفافة للانتخابات الرئاسية المتنازع عليها التي جرت في 12 أكتوبر، خرجوا إلى الشوارع في عدة مدن بينما يستعد بيا، البالغ من العمر 92 عاماً، لبدء عهدة ثامنة قد تبقيه في السلطة حتى عام 2032 إذ انه يقترب من المائة.

أكدت المحكمة الدستورية فوز بيا يوم الاثنين، ويُعدّ من أقدم القاده في أفريقيا ومن أطولهم بقاءً في الحكم عالمياً؛ فقد أمضى في منصبه منذ 1982 نحو 43 عاماً — أي ما يقارب نصف عمره. ويتهمه خصومه السياسيون بتزوير الانتخابات على مدى عقود.

ما الذي يقف وراء الاحتجاجات الدامية؟

أنصار مرشح المعارضة عيسى تشيرومى باكاري من حزب جبهة الإنقاذ الوطني تجاهلوا حظراً على التظاهر، وأضرموا النار في سيارات شرطة وقطعوا طرقاً وأحرقوا إطارات في العاصمة الاقتصادية دوألـــا قبل إعلان النتائج. وتم اعتقال نحو 30 ناشطاً.

استخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق الحشود التي خرجت دعماً لتشيرومى، الذي أعلن نفسه الفائز الحقيقي ودعا بيا إلى الاعتراف بالهزيمة.

قال صمويل ديدون إيفاها ديبوا، حاكم الإقليم الذي تضمّه دوألـــا، لوكالة الأنباء فرانس برس إن المتظاهرين هاجموا مراكز شرطة في الدائرتين الثانية والسادسة بالمدينة. وأكد أن عدداً من عناصر الأمن جرحوا، وأن «أربعة أشخاص فقدوا حياتهم للأسف». وبدورها أكدت حملة تشيرومى أن الضحايا كانوا من المتظاهرين.

يزعم أنصار المعارضة أن النتئج جرى التلاعب بها لمصلحة بيا وحاشيته. ونفى الحكومة هذه الاتهامات في الساعات التي سبقت الإعلان وحثّت المواطنين على انتظار الحسم الرسمي.

من هي المعارضة الرئيسية في الكاميرون؟

يقرأ  مبنى واحد في غزة مشوَّه بندوب القتال — أسر نازحة تبوح بذكريات الحرب

«اتحاد التغيير» تجمع ائتلافي لأحزاب المعارضة تشكل في سبتمبر لمواجهة هيمنة بيا على المشهد السياسي. جمع المنتدى أكثر من عشرين حزباً وجمعية من المجتمع المدني للعمل على ترشيح مرشح وفاقي. وفي سبتمبر اختارت المجموعة تشيرومى مرشحها التوافقي لمواجهة بيا.

تشيرومى (76 عاماً) شغل مناصب وزارية عدة على مدى 16 عاماً وكان جزءاً سابقاً من حكومة بيا، كما عمل متحدثاً باسم الحكومة في سنوات المواجهة مع جماعة بوكو حرام ودافع عن الجيش عندما وُجهت إليه اتهامات بقتل مدنيين. اعتُبر سابقاً من «الحرس القديم» لبيـا لكنه خاض حملته على وعد بالتغيير.

ماذا حدث بعد الاقتراع؟

بعد إغلاق مراكز الاقتراع في 12 أكتوبر، أعلن تشيرومى فوزه. وقال في تسجيل مصور: «نصرنا واضح ويجب احترامه»، وحذّر بيا من رفض «حقيقة صندوق الاقتراع» وإيقاع البلاد في الفوضى.

ادعى تشيرومى أنه حصل على 55% من الأصوات، فيما كان عدد المسجلين للتصويت يتجاوز 8 ملايين شخص.

لكن المجلس الدستوري أعلن يوم الاثنين فوز بيا بحصوله على 53.66% من الأصوات، بينما احتل تشيرومى المرتبة الثانية بـ35.19%. واعتبر رئيس المجلس، كليمنت أتانغانا، أن العملية الانتخابية جرت «بسلمية» وانتقد المعارضة لتسرعها في إعلان النتيجة.

ما هي الانتقادات الرئيسية الموجهة إلى بيا؟

خلال حكم بيا واجهت الكاميرون مشكلات عدة، أبرزها الفساد المزمن الذي يقول المنتقدون إنه أعاق النمو الاقتصادي رغم ثراء البلد بموارد مثل النفط والكاكاو. يُنسب إليه أيضاً التغيب المتكرر عن البلاد، حيث يقضي فترات طويلة في الخارج لأغراض خاصة أو للعلاج في سويسرا؛ وأظهرت تحقيقات سابقة أن عدد الأيام التي أمضاها هناك بلغ نحو 1,645 يوماً منذ توليه السلطة، باستثناء الزيارات الرسمية.

وفِي ظل حكمه يتهم السياسيون المعارضون سلطات الانتخابات بالتواطؤ مع النظام لتزوير النتائج، ما يزيد من استياء الشارع ويغذي الاحتجاجات. في عام 2008 صوت البرلمان على إلغاء الحدّ الأقصى لعدد ولايات الرئيس، ما مهد الطريق لبقاء أطول للسلطة الرئاسية.

يقرأ  على الكنيسة الأنجليكانية أن تُقدّم لزيمبابوي أكثر من مجرد اعتذار — شؤون دينية

قبل الانتخابات، منع المجلس الدستوري مرشحًا معارضًا شعبيًا آخر، موريس كامتو عن حركة نهضة الكاميرون، من التقدّم للترشح. واحتجزت قوات الأمن عددًا من قادة المعارضة وأنصارهم بتهم متعددة، بينها التآمر على ارتكاب أعمال عنف. وفي يوم الجمعة تم اعتقال اثنين من قادة المعارضة البارزين، أنيسيت إكان ودجوكام تشاميني عن حزب اتحاد التغيير.

كما أعلن حزب الحركة الإفريقية للاستقلال والديمقراطية الجديدة أن أمين صندوقه وعددًا من الأعضاء قد “اختُطفوا” على يد قوات أمن محلية، واعتبر الحزب أن هذا الإجراء يهدف إلى “ترهيب المواطنين الكاميرونيين”. ويرى محلّلون أن احتفاظ بيا بالسلطة قد يهيّئ لمرحلة من عدم الاستقرار حين يرحل في نهاية المطاف.

ما هو وضع الامن في الكاميرون؟
منذ عام 2015 تصاعدت هجمات الجماعة المسلحة بوكو حرام في إقليم الشمال الأقصى. وعلى وقع الاستقلال عن الحكم الفرنسي عام 1960، تعاظمت الانقسامات اللغوية والسياسية التي نشأت عندما اندمجت مناطق الناطقين بالفرنسية والإنجليزية في دولة واحدة. الفرنسية هي اللغة الرسمية، وشعر الناطقون بالإنجليزية في الشمال الغربي والجنوب الغربي بتهميش متزايد على يد حكومة فرنكوفونية تتمركز في ياوندي.

تحوّلت مظالمهم — المتعلقة باللغة والتعليم والمحاكم وتوزيع الموارد — إلى احتجاجات شعبية واسعة عام 2016، عندما طالب المدرّسون والمحامون بالاعتراف المتساوي بالمؤسسات الناطقة بالإنجليزية. ردّت الحكومة باعتقالات وانقطاعات للإنترنت، وتصاعدت الاحتكاكات إلى صراع انفصالي مسلح للمطالبة بدولة مستقلة تُسمّى أمبازونيا.

كانت هذه الانتخابات الرئاسية الأحدث أول اقتراع يُجرى منذ تفاقم الصراع. وقد حجبت قوات انفصالية مسلحة مشاركة السكان الأنجلوفونيين في فعاليات نظمتها الحكومة، مثل احتفالات اليوم الوطني والانتخابات. ونتيجة لذلك شهدت منطقتا الجنوب الغربي والشمال الغربي مقاطعة واسعة للتصويت في 12 أكتوبر، مع نسبة مشاركة بلغت 53%، بينما أظهرت النتائج الرسمية أن حصة الأصوات الأعلى في المنطقتين ذهبت إلى بيا: 68.7% و86.31% على التوالي.

يقرأ  البابا ليو يعتزم أول زيارتين خارجيتين رمزيّتين إلى تركيا ولبنان — أخبار الدين

يمرّ أناس بجانب سائقي دراجات نارية أجرة على طريق موحل في دوالا، الكاميرون، 4 أكتوبر 2025 [رويترز]

ماذا سيحدث الآن؟
قال مراقبون إن الاحتجاجات من المرجح أن تنتشر. بعد مقتل أربعة متظاهرين قبل إعلان النتائج، نعى تشرّوما (Tchiroma) “من سقطوا برصاص نظام أصبح مجرماً خلال مسيرة سلمية”. ودعا حكومة بيا إلى “وقف هذه الأعمال الهمجية، هذه القتل والاعتقالات التعسفية”.

ووجّه تحذيراً قائلاً: “أعلنوا حقيقة الصناديق، أو سننطلق جميعًا في تعبئة ومسيرات سلمية”.

أضف تعليق