قائد قوات الدعم السريع يتعهد بإجراء تحقيق فيما يتصاعد الغضب إثر جرائم القتل في الفاشر

أعلن زعيم قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو (حمدتي)، فتح تحقيق في “انتهاكات” ارتكبها عناصر قواته خلال سيطرة الجماعة على مدينة الفاشر. جاء ذلك بعد تزايد التقارير عن عمليات قتل جماعي للمدنيين عقب استيلاء القوات على المدينة في إقليم دارفور يوم الأحد، وسط توقعات بعقد مجلس الأمن الدولي لاجتماع حول السودان الذي يدخل عامه الثالث من الحرب الاهلية بين الجيش والقوات شبه العسكرية.

وقد أدّى الغضب الدولي إلى تصاعد الانتقادات ضد قادة الدعم السريع، خصوصاً بعد ظهور تسجيلات مصوّرة على منصات التواصل الاجتماعي، ثم تحليل فريق بي بي سي للتحقق من المقاطع الذي أكد أن الفيديوهات تُظهر عناصر من القوات وهم يُنفّذون عمليات إعدام لمسلحين غير مسلّحين في الفاشر. ونفت قوات الدعم السريع أن تكون عمليّات القتل هذه ذات دوافع عرقية تتماشى مع نمط استهداف المجموعات غير العربية، فيما قدم حمدتي اعتذاراً عما وصَفه بـ”المأساة” التي حلت بأهالي الفاشر، واعترافاً بوجود انتهاكات ستُحقق فيها لجنة وصلت بالفعل إلى المدينة.

ومع ذلك، ينوّه مراقبون إلى أن وعوداً مماثلة رُوّجت سابقاً بعد اتهامات بمذبحة في مدينة الجنينة عام 2023، وكذلك نسبت إليها فظائع خلال سيطرتها على ولاية الجزيرة، ولم تُترجَم تلك الوعود إلى إصلاح أو مساءلة فعلية.

من جهتها، أعربت منظمة الصحة العالمية عن “الصدمة العميقة” إزاء تقارير مفادها مقتل أكثر من 460 مدنياً، بينهم مرضى ومرافِقون، داخل آخر مستشفى جزئياً يعمل في الفاشر. وأكد محمد فيصل، الناطق باسم شبكة أطباء السودان بالمملكة المتحدة، أن فرقهم الميدانية تحقق من صحة الهجوم على المستشفى السعودي يوم الثلاثاء كما ظهر في لقطات مواقع التواصل. ووصف المشاهد بأنها “مروّعة بلا مبالغة”: اقتحمت عناصر الدعم السريع أجنحة المرضى فقتلت نزلاءها، وتوغلت إلى أقسام العيادات فاستهدفت المنتظرين والمراجعِين.

يقرأ  ليتيشيا جيمس تعلن براءتها في قضية احتيال على الرهن العقاري

وقال د. فيصل إن ثلاثة أيام مرّت على زملائه كانت بمثابة كارثة؛ بعضهم تمكن من الفرار في رحلة محفوفة بالخطر إلى مدينة توويلا على بعد نحو 60 كلم غرب الفاشر، فيما لا يزال آخرون عالقين داخل المدينة التي يقدّر عدد المحاصَرين فيها بنحو 250 ألف شخص، كثيرون منهم من مجتمعات غير عربية، بعد حصار استمر لهم نحو 18 شهراً. ومن الأرقام التي جمعتها شبكة أطباء السودان وضع د. فيصل حصيلة القتلى في المستشفى عند نحو 450 شخصاً: “قُتل 200 مريض نازل في الأجنحة، ثم نحو 250 بين مراجعين وزوار المستشفى.”

وخلال نحو 550 يوماً من الحصار، تعرّض المستشفى مراراً لاستهداف القوات، وكان يتناول في الأساس حالات سوء التغذية الحادّة، بحسب قوله، فيما تكثّفت في الأشهر الأخيرة غارات الطائرات المسيرة والقصف بالمدفعية على المنشأة.

ووصل نحو 5 آلاف نازح إلى توويلا قادمين من الفاشر خلال الأيام الأخيرة، وفق كارولين بوفار من منظمة “سوليداريتيه إنترناشونال” الإغاثية، غالبيتهم في حالة هزيمة نفسية وجسدية بالغة، تعرضوا للاعتداء والعنف والابتزاز على طول الطريق. وأضافت أنّ فرقها سجّلت “تأكيدات كثيرة للاغتصاب والعنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي”، كما تحقق في روايات الإعدامات الميدانية بإطلاق النار على المدنيين.

وندد ناشطون وطالبوا بمزيد من الضغوط الدولية على دولة الإمارات العربية المتحدة التي تتّهمها تقارير الأمم المتحدة بتقديم دعم عسكري لقوات الدعم السريع، وهي اتهامات تنفيها الإمارات رغم ما ورد في تقارير أممية.

كانت الفاشر آخر معاقل الجيش في غرب دارفور، وسيطر عليها الدعم السريع بعد حصار طويل اتسم بالجوع والقصف العنيف. وتعزز سيطرة هذه القوات الانقسام الجغرافي في البلاد؛ إذ تسيطر قوات الدعم السريع الآن على جزء كبير من غرب السودان ومعظم مناطق كردفان المجاورة جنوباً، بينما يحافظ الجيش على سيطرته على العاصمة الخرطوم والمناطق الوسطى والشرقية المطلة على البحر الأحمر.

يقرأ  عودةُ أحدِ أقدمِ المتمرّدينَ في العالمِ

وتتحوّل بذلك العلاقة بين الطرفين إلى صراع علني بعدما كانتا حليفتين جلبتا السلطة معا في انقلاب 2021، ثم اختلفتا حول خطة دولية مدعومة للانتقال إلى حكم مدني. ودعت لجنة السلام والأمن في الاتحاد الأفريقي إلى فتح ممرات إنسانية لتوصيل مساعدات إنقاذية إلى سكان الفاشر وفتح تحقيق فوري لملاحقة المسؤولين عن الفظائع.

وقال د. محمد ابن چمباز، رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي المعنية بالسودان، إن “التحقيقات بحد ذاتها الآن لن تجلب السكينة لأولئك الذين يعيشون ظروفاً مروّعة في السودان، الذي يُعتبر حالياً أشدّ الأزمات الإنسانية في العالم”. وأضاف أن سكان الفاشر ومحيطها “عانوا جحيماً على الأرض لأكثر من 500 يوم”.

وختم چمباز بالتأكيد على أن لا حل عسكرياً للأزمة السودانية، وأن الاتّجاه يجب أن يكون نحو حوار شامل سوداني لإشراك المدنيين والسياسيين على السواء، والعمل مع السودانيين لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة — التي يعترف السودان نفسه بأنها تتصل بالإقصاء وإدارة الفشل في احتواء التنوع، وهو ما كان في صميم الأزمات المتكررة منذ استقلال البلاد عام 1956.

أضف تعليق